الحرام المباح!

د. رآفات أحمد

في ظلّ الواقع الاجتماعي القاتم الذي فرضته المؤامرة الكونية على سورية، والمتمثل بتزايد أعداد الشهداء وبالتالي غياب معيل الأسرة، الذي في الغالب يكون المعيل الوحيد لها، إضافة إلى قضايا التهجير والنزوح التي أدّت في كثير من الحالات إلى زيادة نِسَب الأسر الفقيرة والتي أصبح الكثير منها يقبع تحت خط الفقر… هل يصبح «الحرام» مباحاً؟ وهل تصبح تجارة الجسد مشرعنة قسراً بقوّة الواقع وقوّة «الوجود بالفعل»؟ وهل يصبح كلّ ممنوع ومنبوذ أمراً مقبولاً لا بل مطلوباً ويُنافس عليه لاستمرار الحياة؟

تغيب الإحصائيات الرسمية الحقيقية المعلنة عن واقع أعداد الشهداء والمفقودين من مدنيين وعسكريين، الأرقام التقريبية المطروحة قد تقارب المئة ألف شهيد ومفقود. فإذا نظرنا إلى الجانب الآخر نحو أسر المسلّحين المنضوين في القتال ضدّ الشعب والجيش السوريين، والذين هم سوريون وينتمون إلى بيئات حاضنة وراعية للفكر التكفيري، لوجدنا عدد المفقودين يتقارب أيضاً من العدد المذكور.

فما حال تلك المرأة الشابة زوجة الشهيد أو المفقود أو القتيل، والتي وجدت نفسها من دون معيل نفسي واجتماعي ومادي؟

في المناطق الواقعة تحت سيطرة عصابات التسليح والتكفير تسود ثقافة «جهاد النكاح»، إما قسراً بقوّة السلاح، أو طوعاً بقوّة «الواجب الديني»، تارة باعتبار الجهاد فرضاً وواجباً على كلّ مسلمة! وبقوّة الحاجة والفقر والعوز تارةً أخرى، ولا يشفع لها عمرها بالتنصّل من هذا الواجب المفروض، فإنْ كانت قاصراً أم بالغة، فهي واقعة تحت سطوة هذه الثقافة ولا رادع أو محاسب!

في مناطق النزوح والتهجير التي نزحت إليها أعداد كبيرة من العائلات من جرّاء تدهور الوضع الأمني في مناطقهم، تنقسم هذه العائلات إلى عائلات مهجرة من دون معيل بسبب انخراط معيلها في أعمال القتال، وعائلات مهجّرة مع معيل لكنه فقد مصدر رزقه بسبب الأعمال الإرهابية، فكيف يمكن تأمين متطلّبات العيش لأسرة مؤلّفة وسطياً من أب وأم وثلاثة أطفال؟ وما السبيل إلى ذلك؟ نعم إنه عمل المرأة… وأيّ عمل… إنها تجارة الجسد…!

لقد أصبحت هذه التجارة مشرعنة ومطلوبة في هذه المناطق، وأضحت العائلات المهجرة تتنافس في ما بينها بقدرة من يعملن في هذه التجارة على تأمين السكن المتميّز والخدمات، الضرورية منها والترفيهية انطلاقاً من «فهلوية» العاملة وقدرتها على تصيّد الطريدة القادرة على الدفع بشكل متتابع ومن دون انقطاع.

الحال الاقتصادية ربما أفضل منها بقليل لدى زوجات الشهداء وأمّهاتهم، إذ تأخذ الدولة السورية على عاتقها التعويض لهنّ بمبالغ تحقق لهنّ الحياة الكريمة في حدودها الدنيا، بعد التضحيات الجسام التي قدّمها أبناؤهنّ وأزواجهنّ.

إنّ الغالبية العظمى من هؤلاء الجنود الشهداء هم في عمر الشباب، أي ما دون العقد الرابع من العمر، وبالتالي فإنّ زوجاتهم في غالبيتهن في العقد الثاني أو الثالث، وهو ما يمثل زهوة الصبا وريعان الشباب. فإذا ما سلّمنا بعدم معاناة هؤلاء الزوجات من شظف العيش وضغط الحاجة المادية، فمن لهن لإنقاذهن من ضغط الغريزة والحاجة الجسدية والتي هي جزء أساسي لا يتجزأ من طبيعة الحياة البشرية، ولا تستقيم الحياة الإنسانية بدونها؟ ما السبيل للإنقاذ في ظلّ عادات اجتماعية بالية تحتم على الشاب الاقتران بفتاة عازبة ويعيب عليه الاقتران بأرملة تحمل صغارها على ساعدها؟ عادات خاطئة تمنع الحلال لتحلل الحرام تحت مسمّيات عدة، لكن المهم عدم الزواج بأرملة لديها أطفال!

هل يقرع المجتمع السوري ناقوس الخطر ويواجه الواقع بكثير من الخطط الاجتماعية واستراتيجيات الحلّ الفعّالة؟ أم تُترك المسائل لحركة الزمن والمجتمع للتصدي لها بطريقة عفوية وعشوائية فيصبح الحرام مباحاً بقوة الطبيعة؟

سؤال كبير برسم وزارة الشؤون…؟

دكتوراه في التشخيص والعلاج النفسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى