يبرود جلبت الحكومة فهل تجلب حمص للبنان رئيساً؟ حرب السلسلة تنفجر مع جلسة 15 أيار
كتب المحرر السياسي
بينما انشغلت السياسة اللبنانية بطبخة البحص الرئاسية الموضوعة على نار حامية تحرق كلّ مرة جلسة، ويكثر الطباخون لغياب الوصفة التي يصدرها «الشيف» المتفق عليه والمسلّم له بالأهلية خارجياً، كانت المنطقة منشغلة كلها بعيداً عن لبنان بما تشهده سورية من تغيّرات تتجاوز حدودها.
تسوية حمص التي بدت في بداياتها مجرّد نهاية لمرحلة من الحصار التي صارت فوق قدرة المسلحين على مواصلة الصمود، بدا مع تنفيذها أنها شملت الإفراج عن مخطوفي ريف اللاذقية المدنيين ومجموعة من العسكريين المختطفين وفتح طريق الإمداد إلى نبل والزهراء في ريف حلب، إضافة إلى الشقّ الخاص بخروج ألفي مسلح من حمص نحو ريفها الشمالي.
مصادر متابعة للتفاهم في عاصمة أوروبية أكدت أنّ الذي جرى بحضور ومشاركة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، يكشف وجود أصابع إقليمية ودولية عدة شاركت في إنضاج التسوية، فالمسلحون الموجودون في حمص ليسوا بمرجعية واحدة، والذين كان المخطوفون بين أيديهم ليسوا من مسلحي حمص، وكذلك الذين يمسكون بقرار فتح طرق نبل والزهراء، فمن هي الجهة التي تستطيع أن تنجز اتفاقاً هذا حجمه، إذا كان الأمر على ضفة الدولة السورية مفهوماً، باعتبار المرجعية المعنية بتفاهمات حمص وسواها هي نفسها في كلّ جبهات القتال؟
تجيب المصادر أنّ مواكبة التسوية تمّت على مستوى جميع العواصم المعنية بالأزمة في سورية، مترافقة مع الإعلان الأميركي الرسمي عن رفض الدخول في لعبة التسليح للأطراف السورية، على رغم الكلام المعلن لقادة الائتلاف المعارض الذين يزورون واشنطن أنهم يتوقعون تلبية طلباتهم بسلاح نوعي، والإعلان الأميركي يتزامن مع تسوية حمص وتشجيعها وفقاً للتفاصيل التي كانت جزءاً من التفاهم الذي تعرف بنوده موسكو وطهران والرياض وأنقرة وباريس وأدارته دمشق.
حمص هي العاصمة المفترضة لـ»الثورة»، وهي المكان الوحيد الذي تستطيع التدخلات الخارجية أن تختبئ وراء الوجوه والعناوين السورية، خلافاً للجنوب والشمال حيث شبهة دور دول الجوار تحضر مباشرة، وخطر التحوّل إلى الحرب الإقليمية يصير وارداً، وحمص نقطة الوصل والفصل بين أجزاء سورية، والقبول بتسوية يعني عملياً نهايتها العسكرية كنقطة مركزية في الحرب التي تستمرّ منذ ثلاث سنوات، وما يعنيه خروج الكتلة الأكبر من المسلحين في رحلة لن تستقرّ حتى بلوغهم الحدود التركية، تأتي بالتزامن مع النهايات المتسارعة لأحياء دمشق وريفها من جوبر والمليحة، ومع الاستعراض الشعبي لمؤيدي الدولة السورية بعد غياب طويل في عاصمة الجنوب درعا، وتصاعد النجاحات التي يحققها الجيش السوري في فصل عاصمة الشمال حلب عن ريفها تمهيداً لتكرار السيناريو الحمصي.
هذا يعني بحسب المصادر أنّ نهاية الحرب السورية صارت مسألة زمن، وأنّ البعد الدولي والإقليمي الذي يريد تفادي معادلة الهزيمة الكاملة والربح الكامل، دخل على خط مأزق المسلحين في حمص ليحوّل التفاوض الذي بدأ قبل أشهر بينهم وبين الجيش والأمن في سورية، إلى بداية تسوية وتحوّل سينعكس على مجمل المشهد السوري، ويرسم مسارات متسارعة مع نجاح الإنجاز تعبيراً عن قدرة الضامن على التنفيذ، مما يفتح الباب لتفاوض أبعد مدى يكرّس التغيير الجذري في معادلات سورية وأبعادها الإقليمية وموقعها الدولي.
نجاح سورية في إنجاز ملفها الكيماوي حسم لدى واشنطن التسليم بمحورية ومركزية دور الرئيس بشار الأسد في الجيش والمجتمع، ولو بقي الخطاب نحوه عدائياً، فالقرار يقترب من لحظة الحسم للتسليم بأنه المرجعية الوحيدة التي يمكن معها التكلم عن مستقبل سورية ولو بالواسطة مرحلياً، ولو تولاها موفد دولي جديد يحلّ مكان الأخضر الإبراهيمي، والبحث تعدّى الحدود النظرية للدخول في الأسماء، وتعدى حدود الأسماء المطروحة لاستكشاف النوايا إلى طرح الأسماء التي لا يمكن طرحها للتداول إلا جدياً، والاسمان المتداولان اليوم هما ميغيل انخيل موراتينوس وزير الخارجية الأسباني الأسبق، وخافيير سولانا مفوّض الأمن والشؤون الخارجية الأسبق في الاتحاد الأوروبي، تمهيداً لجنيف الثالث الذي يتداول الروس والأميركيون الدعوة إليه بعد الانتخابات الرئاسية السورية، على قاعدة الانقسام والتسليم بالانقسام في التعامل مع هذه الانتخابات، ولكن من دون تحويلها إلى قضية الاشتباك الرئيسية، كما كان يُفترض لو كان قرار الحرب لا يزال يمتلك المزيد من قوة الدفع.
المصادر نفسها تساءلت عن مدى العبثية اللبنانية في بحث الاستحقاق الرئاسي في ظلّ فراغ ربما تملأه التطورات السورية، داعية إلى التمعّن في المشهد السوري بعد حمص قبل التسرّع بحجم ودور سورية المقبل، خصوصاً أنّ معركة يبرود هي التي جلبت اللبنانيين إلى الحكومة التي قبل تيار المستقبل وحلفاؤه بأن يشاركوا فيها حزب الله وهو يقاتل في سورية، متسائلين هل تجلب حمص للبنان رئيساً؟
«كباش» حول الانتخابات وسلسلة الرتب
وفي موازاة هذه الأجواء، تراوَحَ المشهد الداخلي بين ترحيل جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية إلى 15 أيار الجاري بسبب إصرار رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع على الاستمرار بترشّحه والدعم الذي يلقاه هذا الترشيح من قِبل تيار «المستقبل» وبين عودة «الكباش» حول موضوع سلسلة الرتب والرواتب التي لا يبدو أنها ستشهد نهاية سعيدة في الوقت القريب، ما لم تعيد الجلسة النيابية التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الأربعاء المقبل، النظر في الأرقام التي عمدت اللجنة النيابية إلى تشحيلها، ما أدى إلى تآكل أكثر من ثلث الحقوق للمعلمين والموظفين والعسكريين، بعد أن خفضت تكاليف السلسلة من ألفين وثمانمئة مليار ليرة إلى أقل من ألف و800 مليار.
وفيما برر جعجع استمرار مسرحية ترشّحه بالادعاء أن تغيّب النواب ليس حقاً، وأن ما يجري انقلاب كامل على الدستور والتقاليد، من الواضح أن لا تغيير في الجلسات المقبلة، طالما أن رئيس «القوات» مستمر في تحدي أكثرية الكتل النيابية، وتالياً أكثرية اللبنانيين. وتقول مصادر سياسية مطلعة إن استمرار هذه المسرحية ستقود حكماً إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية، وهو ما يعني أن «تيار المستقبل» يتحمل مسؤولية دفع البلاد نحو الفراغ في رئاسة الجمهورية.
هيئة التنسيق تردّ
ووسط المراوحة في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، تدخل البلاد اعتباراً من اليوم مرحلة تصعيد نقابية لا سابق لها، مع إعلان هيئة التنسيق النقابية الإضراب العام اعتباراً من اليوم حتى 14 الجاري، وأكد رئيس هيئة التنسيق حنا غريب في بيان للهيئة بعد اجتماعها عصر أمس «أن 14 أيار سيكون بداية ليوم الانفجار الكبير رداً على المشروع «التخريبي» للجنة النيابية».
ووصف ما صدر عن اللجنة النيابية بخصوص سلسلة الرتب والرواتب أنه «يشكّل إهانة صارخة لكرامة اللبنانيين جميعاً لا سيما الفقراء وأصحاب الدخل المحدود». وقال: «كل ما نطالب به هو تصحيح للأجور تأخر عن موعده 18 سنة»، مؤكداً «أن لا تنازل عن تصحيح الأجور البالغ 121 في المئة». وأضاف: «إن المسؤولين أعماهم الحقد وقاموا بالاعتداء على هذه الحقوق عبر أرقام مخفضة مخيفة ومهينة لا تتضمن الحد الأدنى بهدف ضرب وحدة الهيئة من الداخل وانتقاماً من كل من يطالب بحقوق الفقراء»، معلناً رفض الهيئة القاطع لمشروع السلسلة المسخ الذي وضعته اللجنة النيابية، مجدداً الدعوة إلى مجلس النواب لإقرارها من دون تقسيط أو تجزئة أو تخفيض، كما أعلن عن توصية بمقاطعة الامتحانات الرسمية.
مجلس النواب والسلسلة
وأمس دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة نيابية عامة في 14 الجاري صباحاً ومساءً لدرس وإقرار السلسلة، وأجرى لقاءات عدة أمس على هامش جلسة انتخاب رئيس الجمهورية مع عدد من مسؤولي الكتل النيابية، ومع رئيس الحكومة تمام سلام. وعُلم في هذا الإطار، أن وزارة المال تنجز الملاحظات حول مشروع السلسلة وبالأخص حول تقرير اللجنة النيابية، وسيطرح وزير المال هذه الملاحظات في الجلسة النيابية الأسبوع المقبل.
وذكرت مصادر نيابية عليمة أن إعداد اللجنة النيابية التقرير لا يعني أن الأمور باتت سالكة أمام تمريرها انطلاقاً من هذا التقرير، لأن هناك تنازعاً كبيراً داخل مجلس النواب من النظرة إلى السلسلة، سواء ما يتعلق بحقوق المعلمين والموظفين والعسكريين، أو ما يتعلق بكيفية تغطيتها، خصوصاً اقتراح اللجنة النيابية رفع الضريبة على القيمة المضافة إلى 11 في المئة وتخفيض الضرائب على أرباح الشركات المالية والعقارية والمخالفات البحرية، مشيرة إلى أنه حصل تباين داخل اللجنة النيابية حول بعض البنود، بينها ما يتعلق بإلغاء الدرجات الست للمعلمين أو التخفيضات على رواتب العسكريين.
وإذ توقعت المصادر أن تطول المناقشات في الجلسة النيابية الأسبوع المقبل إلى منتصف الليل، لم تجزم بإمكان إقرار السلسلة في يوم واحد.
الفراغ الرئاسي يدقّ أبواب بعبدا
أما على صعيد الاستحقاق الرئاسي، فلم يسجّل حتى موعد جلسة الأمس أية معطيات إيجابية جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، الأمر الذي أدى إلى تكرار المشهد في ساحة النجمة وتأجيل الجلسة التي كانت مقررة أمس إلى الخميس المقبل.
ووفق المعطيات المتوافرة لمراجع مسؤولة، فإنه لم يحصل أي تبدل في الموقف الخارجي، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول إمكان استمرار الوضع على ما هو عليه لفترة غير قصيرة.
أما على الصعيد الداخلي، فعلى رغم المداولات والاتصالات التي أجريت، فالمصادر تشير إلى أن الوضع لا يزال على حاله، خصوصاً لجهة عدم توافر أجواء التوافق على رئيس وفاقي في ظل عدم قدرة فريقي 8 و14 آذار على فرض مرشحهما وانتخابه بالأكثرية المطلوبة.
وتقول المصادر إن الأجواء الداخلية والخارجية تؤكد عدم جهوزية طبخة الرئاسية، وتبعث على الاعتقاد بأننا ذاهبون إلى الشغور الرئاسي ولن يحصل انتخاب الرئيس الجديد ضمن المهلة الدستورية.
الموقف السعودي يحرّض على الفراغ
ووفق معلومات مصادر مطلعة، فإن اتصالات ولقاءات السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري بقيت في إطار دعوة اللبنانيين للاتفاق على رئيس جديد، من دون ظهور أي مؤشرات على أن الرياض نصحت حليفها رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري بالدفع نحو التوافق على رئيس توافقي، وبحسب المصادر فإن هذا الموقف من جانب السعودية مؤشر واضح على أنها غير مهتمة بانتخاب رئيس تجمع عليه الكتل النيابية. وهذا التوجه يمكن تفسيره على أنه تشجيع لاستمرار «المستقبل» على موقفه الداعم لترشيح جعجع.
وفي هذا السياق، تقول مصادر نيابية في 8 آذار أن من يعتقد في الفريق الآخر أن نواب الكتل المنضوية ضمن تحالف قوى 8 آذار سيحضرون الجلسات لإكمال النصاب بهدف تمرير انتخاب رئيس تحدٍ مثل سمير جعجع أو رئيس من تحت الطاولة، فهم واهمون، فالحل الوحيد لعدم الذهاب نحو الفراغ يكون بفتح أفق التواصل الجدي بين القوى السياسية المعنية توصلاً لانتخاب رئيس يحظى بإجماع اللبنانيين أو أكثريتهم على الأقل. وقالت: «إن تحالف 8 آذار ليس «جمعية خيرية»، فهناك ثوابت وطنية تنطلق منها عملية الانتخاب واختيار الرئيس الجديد.
المطارنة دعوا إلى انتخاب الرئيس
وفي السياق ذاته، دعا المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري أمس إلى التوصل إلى انتخاب رئيس للجمهورية يكون على حجم حاجات لبنان، وذكّروا النواب بضرورة انتخاب الرئيس وفقاً للدستور، معربين عن قلقهم من حديث بعض النواب عن الفراغ.
عون: نصرّ على الانتخابات
في المقابل، أعلن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بعد لقائه الرئيس أمين الجميل أمس أن «اللقاء أعطى نتائج إيجابية واليوم بدأت مرحلة جديدة بالتعاون مع الجميل». وقال: «لدينا إصرار أن تتم الانتخابات الرئاسية في الأسابيع الثلاثة المقبلة قبل 25 أيار».
أما الجميل فرأى أنه من الضروري أن يتم انتخاب رئيس بالمهل الدستورية، وأشار إلى «أن اللقاء مع عون كان إيجابياً وتوافقنا على بذل الجهود لإتمام هذا الاستحقاق».
تعيينات في مجلس الوزراء الجمعة
إلى ذلك، يعقد مجلس الوزراء جلسة بعد ظهر غد في القصر الجمهوري وعلى جدول أعماله 57 بنداً، علمت البناء أن المجلس سيصدر رزمة من التعيينات في الفئة الأولى من بينها تعيين مدير عام لوزارة العمل المطروح له يوسف نعوس، ومدير عام للجمارك ومطروحة لها عليا عباس، وهيئة الصندوق الوطني للمهجرين. وأكدت مصادر وزارية أن هذه الدفعة ستتبعها دفعات في إطار القرار الذي اتخذ لملء الشواغر في الإدارات العامة، وأوضحت أن الوزراء سيبدأون بتقديم لوائح تتضمن الشواغر في إداراتهم على مستوى رؤساء الدوائر والمصالح في سبيل تعزيز وتطوير الإدارة العامة التي تعاني من ترهّل منذ مدة طويلة.