ذكّر إن تنفع الذكرى

قبل سنتين، وبينما حكم الإخوان يترنح ما قبل السقوط في 30 حزيران 2013 كما توقع المقال، كان الإخوان يحكمون مصر وتركيا. ومقارنة مع إيران بين موقع الإسلام في كل من منظومة الإخوان وإيران، السلطة في خدمة المقاومة أم المقاومة في خدمة السلطة، العلاقة بالمقاومة لتعزيز العلاقة بالغرب وتقديم أوراق الاعتماد لكسب ودّه ورضاه، أم العلاقة بالغرب لتحصين المقاومة وتعزيز مكانتها وموقعها. إدارة معارك الحلفاء الداخلية في مثال علاقة إيران بالسعودية وأزمة اليمن ومثال علاقة السعودية وتركيا ومصر بسورية وإيران بقياس الأزمة في سورية، بين من يغلّب روح التسويات على الحروب، ومن يعشق الذهاب إلى الحروب على حساب الأوطان ومنعتها والمنطقة وقوّتها، طالما ترضى «إسرائيل». ومن يضع أولوياته لما يزعج «إسرائيل»، قراءة يجدر التذكير بها بعيون اليوم.

تركيا ومصر وإيران 16/6/2013

تركيا ومصر وإيران الدول صانعة الاستراتيجيات والسياسة في المنطقة منذ آلاف السنين بسبب أحجامها السكانية والجغرافية ومواردها متعدّدة المصادر.

في كل كتب التاريخ المرجعية وحسابات الدول الكبرى، تقام معادلة حيث تجتمع دولتان من الثلاث على ضفة، تكون لهما كتابة تاريخ المنطقة.

يوم تلاقت تركيا وإيران على حلف الناتو في الخمسينات، هزمتا عبد الناصر، ولو أن السعودية و«إسرائيل» كانتا واجهة الصراع في حرب الـ 1967.

منذ انتصار الثورة في إيران، ودأب إيران الفاهمة جيداً هذه المعادلة، كسبت واحدة من الاثنتين، تركيا أو مصر، أو تحييدهما على الأقل. وكثيرة الشواهد والأدلة على مساع إيرانية سبّبت الانتقاد لها من محبّيها، ووصفت بالرهانات الخاطئة، وكانت خلفيتها ما هو أبعد في الاستراتيجيا.

التكوين المذهبي والدور التاريخي في المذاهب لهذه الدول الثلاث، يجعل وحدة إيران مع مصر أو تركيا نقطة تحول تبشّر بوحدة العالم الإسلامي، وزوال فرص الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة. بينما وحدة مصر وتركيا على ضفة، وإيران على ضفة مقابلة، تعني نقطة تحوّل معاكسة بجعل الفتنة وراء الباب.

منذ سنتين، اكتمل عقد تسلّم قيادة الدول الثلاث من قوى عقائدية وسياسية إسلامية، مع وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، وكانت الفرصة التي يتوقع كثيرون من المسلمين والإسلاميين أن تكون بداية عهد جديد في المنطقة والعالم.

كيف تصرّفت كلٌ من هذه الدول بخلفيتها الإسلامية تجاه قضايا المنطقة ومكانتها فيها؟

مثلما لإيران امتداد سياسي عقائديّ في جبهة القتال مع «إسرائيل» يمثّلها حزب الله، ولأجل خطّ إمداداه تتحوّل سورية إلى قضية إيرانية. كذلك لحزب الإخوان بفرعيه التركي والمصري امتداد سياسيّ عقائديّ في جبهة القتال مع «إسرائيل» تمثله «حماس». ولا يحتاج التواصل معها إلى وسيط جغرافي. فمصر متلاصقة بالجغرافيا والديمغرافيا في غزّة.

مثلما كان لـ«إسرائيل» سفارة في إيران، كان لها في تركيا منذ اغتصاب فلسطين، وصار لها لاحقاً في مصر بعد «كامب ديفيد». والحكومات الإسلامية في الدول الثلاث ورثت وضعاً مشابهاً محوره علاقات مع «إسرائيل»، ترمز إليها سفارة يرفرف عليها علم «إسرائيل».

مثلما تمارس دول الغرب ضغوطاً على تركيا ومصر لمنع أيّ مواقف تزعج «إسرائيل»، وتضمن انضباطهما في خططها للمنطقة. فهي تمارس الحصار والعقاب والحرب على إيران، لما هو أقلّ بكثير. أي أن تكون دولة عظمى ترتضي مجرّد الحياد عن الصراع مع «إسرائيل»، واللكتفاء بنفوذ إقليميّ معترَف به من العالم.

مثلما تستخدَم أموال الخليج لإغراء حكام مصر وتركيا لسلوك سياسات تجعل دولهم تحت التأثير الخليجي، وتمنح الخليج مكانة أقوى في معادلات المنطقة، تعرّضت إيران للإغراء والتهويل والتهديد مراراً منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية ولا تزال.

مثلما أدّت السياسات التي انتهجتها حكومتا مصر وتركيا الإسلاميتان إلى نشوء معارضة داخلية ناشطة وحاضرة في الشارع، وانقسم المجتمع من حولها، عاشت إيران هذه الحالة وبلغت بها حدّ المواجهات المفتوحة في الشوارع.

مثلما تعتبَر مصر وتركيا معنيتين بما يجري في سورية، وتصطفان علناً مع محور من محاور الصراع فيها، تعتبر إيران أنها طرف معنيّ بأمنها القومي، لا فقط بالخيار بما يجري في البحرين واليمن والسعودية.

مثلما يشكّل النفط والغاز موردين رئيسين لإيران، يشكّل النيل شريان حياة مصر، والعلاقة بالسوق العربية والإسلامية مستقبل تركيا.

مثلما تختلف حكومتا مصر وتركيا مع سلوك حزب الله في سورية، تختلف إيران مع سلوك «حماس». ولإيران على «حماس» ما ليس لتركيا ومصر على حزب الله. لا بل ربما في انتخاباتهما ضلع من مشورة ومساهمة لحزب الله.

في كلّ هذه العناوين كيف تصرّفت كل من الدول الثلاث بعنوانها الإسلامي؟

تتحوّل إيران إلى مصدر القلق الرئيس لـ«إسرائيل» بعنوان الإسلام. وتتحول حكومتا مصر وتركيا الإسلاميتان مصدر طمأنتها وثقتها. والسفارة «الإسرائيلية» تغلَق فور تسلم الإسلاميين الحكم في إيران، بينما يرفرف العلم «الإسرائيلي» في سماء القاهرة وسماء أنقرة تحت ظلال حكم الإسلام.

تضع إيران قضية دعم المقاومة خارج برامج التقشّف التي فرضها الحصار والعقوبات. ويبقى حزب الله أولويتها، ربما حتى في الموقف ممّا يجري في سورية. بينما تستخدم حكومتا الإسلام في تركيا ومصر علاقاتهما بـ«حماس» لتقديم أوراق الاعتماد للغرب، بقدرتهما على تغييرها من خيار المقاومة، وتضعانها في قالب الحلوى المعدّ للتفاوض.

تتصدّى إيران للضغوط وترتضي الحصار والعقوبات ولا تثني هامتها الإسلامية للغرب. وترتقي لمصاف الدول الكبرى، تلهث لمفاوضتها ومراضاتها ومقايضتها، وتدخل نادي النووي بين الكبار، وتملك جيشاً يُحسب له ألف حساب، لأنه مسلّح ومجهّز بما صنعته التكنولوجيا الإيرانية. بينما تتحوّل حكومتا تركيا ومصر الإسلاميتان إلى خدم للمشاريع الأميركية، وتهان فيهما الجيوش وتتحول إلى مجرد حراس لسلاح أميركي لا تملك حق استخدامه إلا بقرار الناتو، وباتريوت تركيا شاهد كما هي حال سيناء المفتوحة لـ«إسرائيل».

تتحوّل إيران بنفطها وغازها إلى دولة القرار في حقل الطاقة، وليس صحيحاً أنّ حجم موارها هو السبب. فما لديها أقل من ربع ما لدى السعودية في النفط وما لدى قطر في الغاز. وبينما يتدفق الغاز المصري إلى «إسرائيل»، وتجرؤ إثيوبيا على مهابة مصر، فتهدّدها بجفاف مواردها من النيل وتركها يباساً عطشى، وتجبن القيادة الإسلامية المصرية عن التصرّف، تذهب القيادة التركية نحو الرضا «الإسرائيلي» بإنشاء خطّ «نابوكو» من كازخستان إلى المتوسّط، بمنح «إسرائيل» دور الحماية، وتسعى إلى تأمين الوصلة نحو حيفا، لتكون سوق النفط الحرة في المتوسط، وتفتح حرباً على سورية لأسباب غير تركية بالتأكيد، فتقطع شريانها عن السوق العربية الإسلامية لتنفجر تركيا من الداخل.

تذهب إيران لترميم نسيجها الاجتماعي بالتصالح والحوار والوحدة، وتخرج من استحقاقها الرئاسي أشدّ قوة ومنعة. فيما تذهب حكومتا الإسلام في مصر وتركيا نحو تعميق الانقسام وصولاً إلى حافة الحرب الأهلية.

تدير إيران علاقاتها بأزمات البحرين واليمن والسعودية، على رغم المرارة، ببرود وهدوء. بينما تذهب حكومتا الإخوان المسلمين في تركيا ومصر إلى حافة إعلان الحرب على سورية.

تتحمّل إيران جحود «حماس»، وتسعى إلى منحها وقت التفكير والمراجعة، بينما يصيب الجحود حكومتَي الإخوان بحق حزب الله، وتعلنان الحرب عليه.

حكومة إسلامية تصنع العزّة لشعبها، وتمسك قرار الحرب على بوصلة فلسطين. وحكومات إسلامية تضع بلادها رهينة حاكم قطر لقاء حفنة مال لجيب الحاكم، وتضع «إسرائيل» في مرتبة القداسة تلبيةً لمطامع الأميركيّ.

ربما لو قطعت السعودية علاقتها بسورية لكان أهون، فليس في السعودية سفارة علنية لـ«إسرائيل». لكن أن تصل قلة الحياء بحاكم إسلامي عربيّ يرفرف علم «إسرائيل» قرب قصره الرئاسي، إلى أن يقطع علاقته بدولة إسلامية، فتلك مهزلة المهازل.

المشكلة ليست بالإسلام، إنما بالإخوان.

هزلت، والموعد في 30 حزيران.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى