الهجرة غير الشرعية
ناديا شحادة
منذ اندلاع ما يسمى بالربيع العربي عمّت الفوضى والتشرد في تلك الدول، وباتت الدول العربية من أكبر مصدري المهاجرين غير الشرعيين عبر البحار هروباً من الحرب والإرهاب الذي أعمى تلك البلدان، فحاول عشرات بل مئات الآلاف الهروب من عجلة الموت التي تلاحقهم في الطرقات، نحو الخارج ولا سيما الدول الأوروبية فلم يترك هؤلاء اللاجئون جهة أو وسيلة إلا وسلكوها في سبيل الوصول إلى أي مكان أمن يوفر لهم الحياة في أبسط صورها، فيقوم هؤلاء المهاجرون بعبور مسالك وعرة وملتوية في دروب الهجرة غير الشرعية على أمل إن يصلوا إلى بر الأمان والهروب مما تشهده بلدانهم.
العنوان الذي عاد ليقتحم الأخبار العالمية ومشاهدها الموت غرقاً بعد حادثة غرق قارب على متنه 700 مهاجر غير شرعي في 19 نيسان 2015، تقارير متعددة كانت قد حذرت من صيف العام الحالي وتوقعت تصاعداً كبيراً في إعداد المهاجرين غير الشرعيين نحو السواحل الأوروبية مع استمرار تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية والإنسانية على الطرف المقابل لتلك السواحل، مهاجرون غير شرعيون يهربون إلى دوائر احتيال ومن ثم إلى دائرة الموت، يؤكد الخبراء أن الطبيعة السرية التي تقوم بها عصابات التهريب تجعل من الصعب إجراء مقارنة موثوق بها مع الأعوام السابقة لكن البيانات المتاحة تشير إلى أنه تم تسجيل رقم قياسي لعدد من وصلوا إلى السواحل الإيطالية حيث بلغ ما يقارب 200000 مهاجر مع بداية العام الحالي مات منهم غرقاً ما يقارب 15000 شخص.
وفي كارثة غرق تعتبر الأسوأ في مياه المتوسط قبال الشواطئ الليبية والتي أسفرت عن غرق قارب على متنه 700 مهاجر غير شرعي قضوا جميعاً حتفهم إلا 28 شخصاً، وهذا ما أكدته المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة حيث صرحت المتحدثة باسم المفوضية كارلوتا سامي بأن 28 شخصاً فقط نجوا من حادث الغرق وتشير شهاداتها إلى أن نحو 700 شخص كانوا على متن قارب الصيد البالغ طوله 20 متراً…
حادثة الغرق تلك هي كارثة جديدة في سلسلة حوادث غرق قوارب المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي على متن قوارب مكتظة غير متينة يديرها تجار بشر ينطلقون من ليبيا أو مصر من دون أي رادع وسط الفوضى التي تعم تلك البلاد، ورد الفعل الدولي على هذه المأساة يبدو وكأنه الأعنف فالرئيس الفرنسي سارع إلى الدعوة لمؤتمر أوروبي لتفعيل عمليات الإنقاذ، وزراء خارجية الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ يبحثون اليوم في قضية تدفق اللاجئين غير الشرعيين باتجاه أوروباً يومياً، فيدريكا موغيريني مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي طالبت حكومات الدول الاعضاء بالاتحاد في 19 نيسان 2015 بدعم التحرك لحماية المهاجرين في البحر المتوسط بعد واحدة من أسوأ كوارث القوارب.
ويؤكد المتابعون أن تلك الكارثة ليست الأولى من نوعها فقد لقي أكثر من 360 أفريقياً حتفهم في تشرين الأول عام 2013 عندما اشتعلت النيران في قارب صيد صغير كانوا على متنه على مقربة من شواطئ لامبيدوزا ووصفت تلك الكارثة في ذلك الوقت بأنها إشارة تنبه للعالم ولكن بعد تلك الحادثة بـ 18 شهراً لا يوجد مؤشر على انخفاض عدد المهاجرين الذين يحاولون قطع هذه المياه الخطرة بحثاً عن حياة أفضل في أوروبا، وتأتي هذه الحادثة بعد قتل 50 شخصاً على الأقل في غرق قارب تنقل مهاجرين غير شرعيين قبالة سواحل صلقية بحسب حصيلة جديدة نشرتها المنظمة الدولية للهجرة في 6 آذار 2015، اضافة الى فقدان 450 مهاجراً آخرين في 2 كانون الثاني 2015 حيث أعلنت السلطات الإيطالية في بيان أنها أرسلت مروحية لإنقاذ سفنية شحن هجرها طاقمها على متنها 450 مهاجراً غير شرعي.
تكاثر هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة يرجعها المراقبون إلى الحروب المتتالية التي تشهدها بعض البلدان بسبب ما يسمى بالربيع العربي ما جعل البحر الأبيض المتوسط بحر الموت فهم يهربون من الذل والمآسي التي يواجهونها في بلدانهم إلى جحيم البحر المتوسط، وحادثة الأمس ليست الأخيرة من نوعها بعد ورود أنباء عن غرق سفنية تقل أكثر من 300 مهاجر غير شرعي في مياه المتوسط في 20 نيسان 2015، فلا أحد يعرف ماذا يحدث مع هؤلاء المهاجرين إلا حين تغرق السفنية ويموت هؤلاء وسط الأمواج ليخرجهم البحر جثثاً على شاطئه.