«سنحيا في ما تبقى»… آلام في لوحات للفلسطينيّ محمد الحواجري

المفارقة بين غزّة ومدينة البندقية، قادت الفنان الفلسطيني محمد الحواجري إلى مشروعه «سنحيا في ما تبقى». حصار غزة الخانق والعدوان «الإسرائيلي» الأخير كانا كفيلين بوضع سكان القطاع في منطقة رمادية، إلّا أن سطوة الحياة على أهل المنطقة كانت أقوى. وعلى رغم الدمار الذي خلّفه العدوان، كان للألوان ردّ على كل هذا الموت المجانيّ.

يعتبَر محمد الحواجري من أبرز الوجوه الشبابية في القطاع، فهو لم يترك وسيلة فنية أو بصرية إلا اشتغل من خلالها. مقدّماً معاناة أهل غزّة ومفردات الحصار والحرب والخراب. مشروعه كان جواباً على سؤال الخراب والدمار اللذين خلفتهما طائرات «الإسرائيليين» ومدافعهم.

يقول: «سنحيا في ما تبقّى، كان مشروعي الفني الذي أنتجته أثناء إقامتي الفنية في البندقية، التي كانت بترشيح ودعم من دارة الفنون ـ مؤسسة خالد شومان وبالتعاون مع مؤسسة نوفا آيكون الإيطالية».

قساوة الحرب تركت الحواجري متجهماً غير قادر على بلورة فكرته بسبب الصدمة: «خرجت من غزة مباشرة بعد حرب بشعة عشناها أنا وعائلتي وجميع الناس في القطاع. كنت أنتظر الموت لشدة القصف العشوائي الذي تعرّضت له المنطقة التي أقطنها في مخيم البريج. وما بين غزة والبندقية أمر غريب، كأنني أعيش حالة فصام بين الموت الذي رأيته في مدينتي، والحياة التي أستمتع بها في البندقية».

يضيف: «قبل فترة تلقيت دعوة للمشاركة في معرض فني في القدس مع غاليري حوش الفن الفلسطيني، فقرّرت ربط واقعي وحياتي الجديدة في البندقية بواقعي الذي عشته في غزة. وكانت فكرة المشروع أن أعيش في ما تبقّى من الحياة، وتقديم عمل يتمحور على محاولة إخراج الحياة من بين فكّي الموت».

أنجز الحواجري العمل خلال إقامته الفنية في البندقية، وعرض مشروعه أمام الجمهور الإيطالي الذي أعجب بالفكرة ومحتواها، موضحاً أن المفارقة والمقارنة كانتا من أهم أسباب إنجاز العمل.

ويصف إنجاز مشروعه الفني بأنه كان تحدّياً له، «كأنني أردت أن أثبت لنفسي أن الحياة مستمرة حتى بأبسط الأمور. تدمّر الحرب كل ما هو جميل في حياتنا، وكان تدمير البيوت هدفاً ممنهجاً في الحرب الأخيرة، ففقد أصحابها كل ما له علاقة بذكرياتهم منذ طفولتهم وحتى لحظات الدمار الذي جعلهم بلا ذكريات وبلا ماضٍ، فكل ما كانوا يملكون أصبح ركاماً، وذهبت ذكرياتهم فيه تحت الأنقاض».

الأفكار التي حضرت في أعمال الحواجري هي من الناس وألوانهم. «نجد الناس بعد هدم منازلهم يبحثون عن الحاجيات والأغراض ليجدوا منها القليل القليل، أو أجزاء من ماضٍ جميل. هذه المشاهد جعلتني أفكر بمشروعي وكأن الفلسطيني يريد أن يقول إننا سنحيا في ما تبقى من أشياء بسيطة جداً، وسنبني لمستقبل كبير نورّثه للأجيال. والأجيال لا تنسى».

ترجم الفنان الفلسطيني معرضه بـ 13 صورة بأحجام مختلفة بتقنية الكومبيوتر مع فيديو مدّته دقيقة و20 ثانية، يعرض كعمل تركيبيّ متعدّد الوسائط، وعرض المشروع في «حوش الفن الفلسطيني» في القدس.

ويشير الحواجري إلى أن الصور التي استخدمت واقعية، والتقطت خلال فترة الحرب وبعدها. «لكن عملي الفني كان أكثر شمولية وهدفه البحث عن الحياة بين فكّي الموت، فكنت مهتماً بالصور التي تجسّد الإصرار على الحياة مثل تلك التي كان فيها أشخاص يبحثون عن بقايا من ملابسهم وأغراضهم المنزلية التي تساعد في تعزيز الصمود. وهذا جعلني أكثر تعمّقاً في المحاولة لإخراج الصورة من واقعها الذي كانت عليه عندما التقطت إلى واقع فيه أمل عبر التلاعب بالألوان».

ويضيف: «أسبغت ألواناً مبهجة على العناصر الأساسية، مثل الناس والبقايا التي كان يبحثون عنها، بالتزامن مع إعطاء خلفية تلك العناصر لوناً رمادياً موحداً، كي تأخذ الصورة فترة مختلفة ما بين العنصر الأساسي الذي كان يعني الحياة، والخلفية التي كنت أقصد بها الموت والدمار. هذا التلاعب أعطى الصورة بعداً يفتح الباب على التفكير لمعرفة حقيقة أخرى يعيشها أهالي غزّة، وهي فكرة الإصرار على البقاء على رغم ما يصيبهم من موت ودمار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى