الحرب العربية ـ العربية وضعف الروابط!
محمد ح. الحاج
بداية القرن الثامن عشر انتقل الجدّ الأول لآل سعود من الكوت جنوب العراق، وكان يعيش في كنف آل الصباح الذين كانت تحميهم بريطانيا، إلى أراضي نجد واستوطن في الدرعية، ويورد كثير من المؤرّخين المهتمّين أصول العائلة إلى تجار انحدروا من الشمال الأناضول وبعضهم يذكر أنهم ينتسبون إلى الدونمه اليهود الذين أعلنوا إسلامهم في تركيا وانتشرت منهم عائلات كثيرة في مناطق الامبراطورية العثمانية ، وربما يذكر أكثر من مؤرخ أنّ أحد جدود العائلة يُدعى مردخاي.
انطلق ابن سعود عبر مناطق نجد غازياً بحدّ السيف مرتكباً مجازر بحق قبائلها وسكانها المحليين، وبعد العام 1933، حيث كان يحكم الدرعية ومحيطها إلى فتح المناطق الأخرى في بلاد نجد والحجاز معتمداً فتوى ابن عبد الوهاب الذي التحق بآل سعود قادماً من الجنوب العراقي، بعد أن طرده أبوه وأخوه، وكان قد التقى الجاسوس البريطاني اليهودي هيمفر الذي وجهه البريطانيون لتلقينه مبادئ التلمود على أنها مذهب جديد، وهكذا اتفق مع ابن سعود على اقتسام النفوذ، وجرى ذلك طبقاً لخطة وضعها البريطانيون، وفي الربع الأخير من ذلك القرن سيطر ابن سعود على كامل شبه جزيرة العرب بعد أن قتل زعماء القبائل وسباهم وفرض على آخرين الطاعة، ولم يكتف بذلك بل اتجه شمالاً وغرباً مستنداً إلى دعم بريطاني حتى وصلت طلائع قواته إلى مشارف دمشق الجنوبية 1803 وقطع طرق الحجّ السورية والمصرية ما دفع بالسلطان العثماني للاستنجاد بمحمد علي باشا الذي أرسل حملته الأولى بقيادة ابنه طولون، ثم حملته الثانية بقيادة ابراهيم الذي تمكن من دحر الوهابيين السعوديين عام 1813، كما تحرّرت مناطق واسعة من نجد والحجاز من نفوذهم وعادوا إلى ملجأهم الأول في الدرعية مع استمرارهم في الغزو والنهب وقتال العشائر الأخرى.
لم يظهر آل سعود ثانية إلا في نهاية القرن التاسع عشر وقد كانوا الورقة الاحتياط بيد بريطانيا التي عادت إلى تزويدهم بالمال والسلاح بعد أن تمّ اكتشاف النفط وما تختزنه الصحراء العربية من احتياطات، ولعبت الامبراطورية العجوز ورقتها بعد عقد اتفاقيات سرية مع أشراف مكة وعلى رأسهم الشريف حسين ودفعته إلى محاربة العثمانيين وملاحقتهم شمالاً عبر الأردن والشام في الوقت الذي دفعت آل سعود إلى مهاجمة آل الرشيد وأنصارهم من أشراف وحكام المناطق في نجد والحجاز، وارتكبوا مجازر بشعة تشتت على أثرها هؤلاء، ولم يعد من آل الشريف حسين أحد إلى وطنه بعد أن بسط الدرعيون سلطتهم بالسيف والسلاح البريطاني الحديث، وهكذا اعترفت بهم الولايات المتحدة عام 1935 وعقدت مع عبد العزيز آل سعود مؤسّس الدولة الدموية اتفاقيات تلزمه وأبناءه وأحفاده بتنفيذها، وكما تعهّد خطياً «حتى تصيح الساعة» أيّ إلى يوم القيامة.
وإذا كان آل سعود لم يتابعوا سيرتهم فلأنهم بعد الاتفاق مع الولايات المتحدة واكتشاف النفط والثروات استداروا إلى جني الثروات وبدلاً من مهاجمة الجوار لجأوا إلى التآمر والدسائس، وسجل التاريخ الحديث صفحات عديدة عن صراعهم مع مصر والعراق في النصف الثاني من القرن العشرين، وتأليبهم الدول الغربية على عبد الناصر ومحاولة اغتياله بأدوات محلية من «الإخوان المسلمين»، كما أنهم دفعوا العدو الصهيوني إلى مهاجمة مصر عام 1967، وهذا ثابت في رسالة الملك فيصل إلى الرئيس الأميركي جونسون، والتي نشرتها الخارجية الأميركية قبل سنوات، وقد تعهّد بموجبها أن يدفع تكاليف الحرب وتعويضات كاملة للعدو الصهيوني… الخ القصة وقد تمّ نشرها سابقاً.
أن يتآمر آل سعود على الشام ويحاولون وضع يدهم على لبنان، أمر لا غرابة فيه بعد أن تمكنوا من تكديس ثروات هائلة أنفقوا الكثير منها لنشر «ثقافتهم» الدموية المستندة إلى فتاوى تناقض العقل والتطوّر الإنساني، وبعد أن سيطروا على دول الخليج، ومصر ودول إسلامية كبيرة عن طريق المال والمعونات، ولأنهم لا يثقون بأبناء المنطقة التي أقاموا عليها مملكنهم، أنشأوا لهم جيشاً أغلبه مرتزقة من دول أخرى بزعم أنهم من «الأمة الإسلامية» وعليهم واجب الدفاع عن الحرمين الشريفين، والحقيقة أنهم للدفاع عن عرش آل سعود.
يبدو أنّ ما تمتع به كبار آل سعود من حنكة ودهاء سياسيين وعزوف عن خوض غمار الحروب بعد حرب الستينات من القرن الماضي في اليمن، افتقده اليوم الحكام الجدد الذين لا خبرة لهم وربما يدفع بهم الغرور والغطرسة وأكداس السلاح إلى ركوب موجة الحروب ومهاجمة الآخرين وقد بدأوها من اليمن الأعرق حضارة، لكنها الأكثر فقراً، إذ لم ينفع الإغراء والرشوة مع شعبها وقياداته الجديدة الشابة، وهكذا أكل آل سعود الفول وعادوا إلى الأصول، أصولهم القبلية – التلمودية – القائمة على الغزو والقتل وإلغاء الآخر مؤكدين انتماءهم إلى نفس الفئة التي وصمها التاريخ بالأكثر إفساداً في الأرض والأكثر خبثاً ودهاء، وإذا كان اليهود يستطيعون تجنيد القوى الكبرى في العالم لخوض حروبهم، فإنّ السعوديين سلكوا الطريق ذاته بمواجهة دولة صغيرة بقدراتها، وحشدوا عشرات الدول بمواجهتها لتدمير بنيتها التحتية ومقومات الحياة فيها.
ثلاثون يوماً من العربدة جواً، تماماً كما يفعل العدو الصهيوني بداية كلّ حرب يشنّها، الفارق أنّ الصهيوني كان يهاجم براً بعد أن يمارس سياسة الأرض المحروقة، وأعتقد أنه لن يكرّر ذلك بعد تجربتين فاشلتين في لبنان وغزة، وبعد أن دفع ثمناً باهظاً، قد يدفع السعوديون أكثر منه إنْ تجرّأوا وقرّروا هجوماً برياً إلا أن يدفعوا بجيوش دول أخرى إلى القيام بما يعجزون عنه، وبذلك يدفعون المنطقة إلى حرب طاحنة تجرّ دولاً أخرى إلى أتونها، ولا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ الموقف السعودي على مساحة المنطقة المشرقية إنما الهدف منه هو جر الدولة الإيرانية إلى حرب لا تريدها ولا تخطط للمشاركة فيها، ليس خوفاً إنما لإدراك القادة الإيرانيين أنها لا تخدم إلا العدو الصهيوني، وأنّ من يعمل لها إنما يؤكد ارتباطه بالمشاريع الصهيونية والتنسيق مع قادة الكيان، متجاهلاً ما يتهدّد المناطق المقدّسة مسيحياً وإسلامياً في الأرض المحتلة، وأنّ هذه المقدسات لا تقلّ قيمة عند كلّ أبناء المنطقة المشرقية عن الحرمين الشريفين، وليتذكر آل سعود أنّ القدس هي أولى القبلتين، فليوقفوا تآمرهم المكشوف عليها ويسحبوا تنازلهم عنها قبل أن تلفظهم المنطقة وشعوبها وهم على شفا حفرة من السقوط.
لا شك أنّ من أهمّ أسباب ما تعانيه المنطقة العربية هو ما عملت له السعودية على مدى عقود من إضعاف الروابط القومية بين أمم العالم العربي ومحاولة خلق أمة وهمية تقوم على رابط الدين وهو الرابط الأضعف في العالم المتحضّر، لكنه الأفعل في أيّ عالم متخلف.
هامش: لا يصدقنّ أحد في منطقتنا أنّ أحداً من أبناء عبد العزيز أو أحفاده يجرؤ على مهاجمة الشام أو الاقتراب من حدودها، وليتذكروا النبوءة: أنه على أبواب دمشق نهاية «إسرائيل» يوم تصرخ الصخور والأشجار… يا عبد الله… هذا يهودي يختبئ خلفي… بالأحرى هي ليست نهاية اليهود، بل قبلهم أدواتهم ومن يقف معهم وتمتدّ يده بسوء إلى الشام المقدسة.