المغامرة السعودية قتلت اليمن… فمن سيهب له الحياة من جديد؟
هشام الهبيشان
مع بدء اندفاع رياح الحلّ السياسي، كبديل للحرب العدوانية التي شنتها السعودية على اليمن «عاصفة الحزم»، لا يمكن أن يتم الحديث عن أي نصر حققته هذه الحرب، وذلك لعدة أسباب ومبرّرات سأقدمها في سياق حديثي هنا، لأننا وبعد عملية التقييم الواقعي للأضرار والانتكاسات والخسائر التي لحقت بالجميع مشاركين أو مستهدفين من هذه الحرب، سنخلص إلى نتيجة مفادها أنّ الجميع قد خسر من نتائج وتداعيات هذه المغامرة.
إذا حللنا بوضوح طريقة تعاطي مجموع الأنظمة العربية الرسمية وبعض الأنظمة الإقليمية مع هذا الحدث وهذه الحرب العدوانية والمغامرة السعودية في اليمن، فإننا نلاحظ أنّ بعض هذه الأنظمة كان شريكاً في مراحل هذه المغامرة، بعضها كان محايداً وبعضها اختار طريق مواجهة شبه مباشرة سياسية ومن خلف الكواليس مع أطراف العدوان على اليمن، فقد تحولت الأرض اليمنية طيلة سبعة وعشرين يوماً إلى ساحة صراع دولية ـ إقليمية ـ محلية، وعلى عدة مستويات، وكان الصراع الأكثر وضوحاً صراع محاور المنطقة والإقليم، ويمكن إعطاء تراتبية معينة لأشكال هذا الصراع الذي تمثل بالمحاور التالية «محور الاعتدال العربي، تضاف إليه تركيا من جهة، وحلف آخر «محور المقاومة «ويضمّ سورية والجزائر وحزب الله وبعض المجموعات والكيانات العربية والقومية الأخرى بالوطن العربي وخارجه وتضاف إليهم إيران، من جهة أخرى، وقد كانت المعركة على أشدها في اليمن وكانت جميع هذه المحاور تسعى، ومن خلف الكواليس، إلى تصفية مشروع المحور الآخر وإجهاضه على أرض اليمن.
وبمحصلة عمل كلّ هذه المحاور وتصارع القوى على أرض اليمن، برزت مجموعة من الحقائق أمام كلّ محور من هذه المحاور، مع بداية اندفاع رياح الحلّ السياسي في اليمن، وهذه الحقائق والتي يمكن تسميتها بمجموعة الوقائع و«اللاءات» الخمسة التي لا يمكن تجاوزها من أي محور وهي كالآتي:
ـ تيقن النظام السعودي من عدم جدوى العمليات العسكرية لإجبار اليمنيين على الرضوخ لإرادة النظام السعودي، وهذا ما أكد حقيقة أنّ اليمن قرّر الخروج من تحت العباءة السعودية، وهذا ما دفع النظام السعودي إلى إيقاف عملياته العسكرية، في محاولة منه لاستعادة واستيعاب صدمة خروج اليمن من تحت العباءة السعودية، ومحاولة الحصول على بعض المكاسب على طاولة المفاوضات والحلول السياسية المقبلة الخاصة باليمن .
ـ لا يمكن للأنظمة العربية التي ساهمت، ولو بشكل معنوي، في توفير الغطاء وإعطاء الشرعية للنظام السعودي للقيام بهذه المقامرة والمغامرة في اليمن أن تستمرطويلاً بتوفير هذا الغطاء لأنها حينها ستكون أمام واقع جديد، فالسعودية قد تجرّهم إلى مغامرات جديدة في المنطقة، وسيكون ثمن هذه المغامرات كبيراً في المقامرات والمغامرات السعودية القادمة .
ـ لا يمكن تخطي وتجاوز دور مصر، كشريك وراعٍ، لأي حلّ مستقبلي في اليمن لعدة اعتبارات، ليس أولها ولا آخرها عوامل ودور الجغرافيا والديمغرافيا التي تجمع بين مصر واليمن، وإنّ الحلّ سيكون في يد مصر في النهاية، وهذا ما تؤكده معظم القوى اليمنية، رغم مشاركة مصر المحدودة في العمليات العدوانية ضدّ اليمن.
ـ لا يمكن أبداً فصل دور القوى الوطنية اليمنية أنصار الله وحلفاؤهم ، أو استثناء دورهم، كشريك في الحلّ، وهناك إجماع شبه كامل في المنطقة على دور هذه القوى الوطنية ومجموعة الحركات التي تنتمي إليها تحت هذه المظلة، لتكون بمجموعها شريكاً وركناً أساسياً للحلّ.
ـ لا يمكن إنكار الدور الإيراني ـ الجزائري ـ السوري، ويضاف إليه دور بعض الكيانات العربية والنخب وقادة الرأي العرب والإقليمين الذين بمجموعهم قاموا بإسناد ودعم مسار الحلول السياسية الخاصة بإيقاف مسار العدوان السعودي على الأراضي اليمنية.
ختاماً، لقد كانت الأيام السبعة والعشرين من الحرب السعودية على اليمن كفيلة بتحويل اليمن إلى بلد منكوب، وهذا يطرح، بدوره، سؤالاً مشروعاً ويستحق أن يطرح في هذه المرحلة، والسؤال بمضمونه العام وفي سياقه الإنساني والأخلاقي هو: من سيهب اليمن الحياة من جديد؟
هنا لا يمكن أبداً التقليل من نتائج وآثار هذه الحرب العدوانية على اليمن ،اقتصادياً وسياسياً وأمنياً،والأهم من ذلك هو الملف المجتمعي، الذي هو في حاجة الآن إلى عمل مضنٍ لإعادة بناء وترميم البيت الداخلي المجتمعي اليمني، وخصوصاً بعد سلسلة التباينات والشروخ التي خلفتها المغامرة السعودية بين أبناء الوطن الواحد في اليمن.