لا مؤتمر تأسيسياً ولا من يحزنون بل تجاذبات بين عون والحريري

هتاف دهام

يجزم سياسي مخضرم أنّ لبنان ذاهب باتجاه تغيير جذري في التركيبة اللبنانية قد ينتج منه طائف جديد أو مؤتمر تأسيسي، مع تأكيده أنّ أيّ رئيس للجمهورية اليوم سواء كان رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون أو غيره لن يستطيع أن يحقق ما يصبو إليه في مثل هذه الظروف. وإذ يعود السياسي بالذاكرة إلى عام 1988 حين عطّل الموارنة الانتخابات الرئاسية من دون أن يعلموا أنه كان في انتظارهم مؤتمر تأسيسي جرّدهم من حكم لبنان بانتزاع صلاحيات رئيس الجمهورية واعطائها لمجلس الوزراء، يشير إلى «أنّ تيار المستقبل يستعيد ما اقترفه الموارنة من تعطيل من أجل الوصول الى رئاسة الجمهورية، وانّ الفشل سيكون من نصيبه، فالراعي الأساس لاتفاق الطائف المملكة العربية السعودية يعيش اليوم هزيمة استراتيجية من العيار الثقيل.

يترافق ذلك مع ما أطلقه رئيس مجلس النواب نبيه بري جدياً بحلّ مجلس النواب وقوله: إذا كان البعض يصرّ فعلاً على تعطيل المجلس، فسأطلب من الرئيس المقبل للجمهورية، وأنا أهنّئه بعد انتخابه، اتخاذ قرار في مجلس الوزراء بحلّ مجلس النواب لامتناعه عن الاجتماع طوال عقد عادي كامل من دون عذر، والذي استدعى تعليقاً من الرئيس فؤاد السنيورة، مستحضراً بيت شعر لعمر بن ابي ربيعة «اذا جئت فامنح طرف عينيك غيرنا لكي يحسبوا أنّ الهوى حيث تنظر».

وليس بعيداً من «تنبيه الأستاذ» بحلّ المجلس، كان رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط قد سبقه بالدعوة عبر «تويتر» إلى تعديل الطائف من بوابة «البند الثغرة» الذي جعل من الوزير متحكماً بالإدارة. وعلى رغم أنّ صفارة جنبلاط «التويترية» لم تأتِ من فراغ إنما من قراءة استباقية لما ينتظر لبنان في ظلّ التطورات الإقليمية. وإذا كان مرور المنطقة في مرحلة من التحوّلات قد يدغدغ مخيّلة البعض في تغيير النظام السياسي، الا انّ ذلك يبقى مجرّد افتراضات وتجاذبات وتهويل على قوى 14 آذار من أنّ فراغ المؤسسات قد يؤدّي إلى إعادة بناء السلطة من جديد، لا سيما انّ هذه القوى التي تعطل عمل مجلس النواب، تزعم أنّ أيّ اتفاق جديد من شأنه أن يؤدّي إلى المثالثة، ولذلك كما قال النائب مروان حمادة من المجلس النيابي «لن نسمح بأن ننجرّ الى الفراغ والى ضرب المؤسسات للوصول الى مؤتمرات تأسيسية».

وفي ظلّ هذه المعمعة السياسية والتجاذب الحاصل بين تيار المستقبل والعماد عون على بناء الجمهورية، فإنّ الثابت الوحيد أنّ الفراغ في رئاسة الجمهورية سيد الموقف. أرجأ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الجلسة الـ22 لانتخاب رئيس للجمهورية لعدم اكتمال النصاب الذي اقتصر على 45 نائباً إلى 13 أيار المقبل، أيّ قبل 12 يوماً من مضيّ عاماً على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان في 25 أيار الماضي.

اعتاد النواب على فراغ قصر بعبدا. وقرّروا نقل «العدوى» إلى مجلس النواب الذي يعيش فراغاً سياسياً جراء المماحكات السياسية بين فريقي 8 و14 آذار، منذ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حيث اعتبر فريق 14 آذار أنّ التشريع لا يجوز في ظلّ واقع تصريف الأعمال حكومياً، إلى عدم جواز التشريع في ظلّ شغور رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس سليمان، وصولاً إلى حصر التشريع بانتخاب الرئيس وبمشاريع تتعلق بانبثاق السلطة كالموازنة وقانون الانتخاب. لا يقتصر الأمر على 14 آذار، فالتيار الوطني الحر، وفق مصادر نيابية في 8 آذار، ليس أفضل حالاً، بدليل مقاطعته الجلسة العامة التي كان الرئيس بري ينوي الدعوة اليها الاسبوع المقبل. وأكد زوار عين التينة لـ«البناء» «أنّ الرئيس بري أبدى استياءه في لقاء الاربعاء الذي شارك فيه نواب التغيير والإصلاح نبيل نقولا، عباس هاشم، ناجي غاريوس، ووليد خوري، من المقاطعة العونية وعدم ارتياحه لهذا القرار، فقانون استعادة الجنسية لا يزال قيد الدرس والموازنة والسلسلة وقانون الانتخاب أيضاً»، مشدداً على «أن لا مبرّر للمقاطعة».

لا يقتصر هذا النمط من التعطيل على البرلمان، فمجلس الوزراء يرقص على حافة الهاوية وليس أفضل حالاً من المجلس النيابي. الخلافات السياسية من التعيينات الأمنية والعسكرية إلى الموازنة تهدّد اجتماعات السراي الحكومية. وبعيداً من التصعيد العوني باعتكاف الوزيرين الياس بو صعب وجبران باسيل إذا أقدمت الحكومة على التمديد للقادة العسكريين، ورفضه المساهمة في عمل يعتبره غير متوافق مع القانون، فإنّ الواقع كما تؤكد مصادر مطلعة لن يكون كذلك، فمع أرجحية التمديد للعماد جان قهوجي ولمدير العام للأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص بموافقة 8 آذار مجتمعة، سيطلب العماد عون تأجيل التسريح لقائد فوج المغاوير العميد شامل روكز، على غرار قرار وزير الدفاع الوطني سمير مقبل بتمديد تسريح قائد المخابرات إدمون فاضل، ما يبقي الفرصة سانحة أمام روكز لتولي قيادة الجيش.

وإلى أن تتبلور الصورة فإنّ صفقة الموازنة والسلسلة لم تنضج سياسياً وإنْ كانت شمولية الموازنة وفق القانون تقتضي أن نضع فيها كلّ النفقات والواردات. ولما كان مشروع سلسلة الرتب والرواتب قد تضمّن النفقات والواردات، فإنّ السلسلة حكماً يجب أن تضمّ إلى الموازنة، تقيّداً بمبدأ شمولية الموازنة، وتقيّداً بشفافية الأرقام في ما يتعلق بالعجز الفعلي للدولة والتزاماً بالانتظام المالي للدولة، لأنّ عدم وجودها في الموازنة هو مخالفة قانونية، من دون أن نغفل أنه لا يمكن إقرار مشروع موازنة 2015 من دون قطع حساب عام 2013، إلا إذا قام مجلس النواب بتعديل دستوري وقانوني للمادة 179 من قانون المحاسبة العمومية والمادة 87 من الدستور، وأقرّها استثنائياً. غير أنّ وجوب تضمين السلسلة في الموازنة وقطع حساب عام 2013 لا يعني التغاضي عن المخالفات القانونية والدستورية التي حصلت في السنوات الأخيرة، في ما يتعلق بالـ11 ملياراً وإعداد المشاريع المتعلقة بقطع الحساب من 2003 إلى 2013.

وعُقد اجتماع في صالون النواب ضمّ الرئيس فؤاد السنيورة والنواب جورج عدوان ومروان حماده وغازي يوسف وفادي الهبر، كشف بعده عدوان «أنّ الاتفاق تمّ على تكريس الموقف القائل بأن ترسل الحكومة مشروع قانون الموازنة مع كلفة سلسلة الرتب والرواتب، عندها يكون الجميع على استعداد لحضور الجلسة التشريعية». وشدّد عدوان على «أنّ السلسلة حق لموظفي القطاع العام ومسؤولية الحكومة إقراره، كذلك مبدأ تأمين الواردات»، معتبراً «أنّ الحديث عن كلفة سلسلة خارج الموازنة هو هرطقة ونحن لا نتكلم عن مشروع قانون السلسلة بل عن كلفتها». وأكد أنّ «المطلوب من الحكومة اليوم إقرار الموازنة وقيمة الكلفة الإجمالية للسلسلة، وعلى الحكومة إما تأمين المطلوب منها أو الاعتراف أمام المواطنين أنها عاجزة».

وشدّد يوسف على «إقرار السلسلة التي تعطي أصحاب الحقوق حقوقهم من قبل الحكومة»، لافتاً إلى «أنّ الموازنة هي مشروع ارتقاب إنفاق وإيرادات». وأكد النائب جمال الجراج «ضرورة أن تكون الأرقام واضحة وإقرار الموازنة هو جزء من إعادة تكوين السلطة وكتلة المستقبل جاهزة لإقرارها».

في مقابل ذلك، يؤكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لـ«البناء» أنّ السلسلة التي على قاب قوسين من إقرارها في اللجان المشتركة يجب أن تحال إلى الهيئة العامة بمعزل عن الموازنة، على ان تدرج اعتماداتها بعد إقرارها في الموازنة، إذ لا يجوز بحسب الاصول القانونية إدراج اعتماد أيّ مشروع مالي قبل إقراره في المجلس».

ولفت إلى «أنّ تضمين السلسلة في الموازنة يشكل خطراً على السلسلة، فالموازنة موضع خلاف وتباين، ورهن السلسلة بأمور خلافية وإدخالها في دهاليز الموازنة والحسابات المالية يعني إما تطيير السلسلة أو استعمالها ورقة ضغط للسير بتسوية مالية تلغي المحاسبة وتلغي مرة أخرى عملية التدقيق المالي». وأشار إلى «أنّ إقرار الموازنة يحتاج إلى إقرار قطع الحساب لعام 2013 في ديوان المحاسبة ثمّ في مجلس النواب لتصبح نافذة، والكلّ يعلم أنّ هناك تعثراً كبيراً في الحسابات المالية ناتج من مخالفات أصدر فيها ديوان المحاسبة قرارات قضائية». وشدّد على «أنّ قطع الحساب يجب أن يحظى بموافقة الديوان قبل إحالته الى المجلس النيابي».

وفي موازاة كلّ ذلك، تُظهر القراءة السياسية «أنّ عقبات سياسية كثيرة تقف في وجه إقرار الموازنة، من عقبة رفض التشريع في غياب رئيس الجمهورية، إلى عقبة ربط التشريع بمشروع قطع الحسابات من 2003 إلى 2013 وقضية الـ11 مليار دولار، إلى مطالبة قوى سياسية بضمّ السلسلة إلى الموازنة، واجتهاد آخر بعدم وجوب ضمّها. كلّ ذلك يؤكد أن لا نية في إقرار السلسلة ولا نية في إقرار الموازنة».

تصريح انتخابي للجميل

أبدى النواب سامي الجميل غازي يوسف وجمال الجراح امتعاضهم من طول انتظار النائب جورج عدوان الذي تحدث لأكثر من 16 دقيقة أمام منصة الكلام. وكان الجميل والجراح يستعطفان بعضهما بعضاً من أجل ان يمنح احدهما الآخر فرصة الكلام قبله، لارتباط الجميل بغداء في ساحة النجمة، والجراح بموعد في مكتبه.

وفيما تحدث الجراح ويوسف وعدوان عن الموازنة، تجاهل الجميل الفراغ الرئاسي والموازنة، وحصر كلامه بالمجازر الأرمنية، ما استدعى تعليقاً من الصحافيين: «تصريح انتخابي لجذب أصوات الارمن». وقال الجميل، لمناسبة الذكرى المئوية للمجازر الارمنية: «إننا قادمون على ذكرى مهمة بالنسبة للبنان ككل ولجزء اساسي من اللبنانيين، وهي ذكرى 24 نيسان، أي ذكرى المئة عام على المجازر الارمنية والسريانية التي حصلت عام 1915».

وأكد من المجلس النيابي، لكل الطائفة الارمنية في لبنان ولكل اللبنانيين، أن اية معاناة يعاني منها جزء من اللبنانيين يجب على كل اللبنانيين الآخرين ان يتضامنوا معهم فيها وان يقفوا الى جانبهم ويشعروا مع بعضهم البعض، فكيف إذا كنا نتحدث عن قضية مهمة تشكل محور نضال جزء اساسي ومكون من المجتمع اللبناني هو الطائفة الارمنية». وجه الجميل برسالة تضامنية للأرمن في لبنان والعالم، ألقاها باللغة الأرمنية وأكد فيها انه يعترف بالمجازر الأرمنية، مطالباً «بالعدالة لكل الارمن في العالم».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى