اللجنة التنفيذية لـ«م. ت.ف»: قرد الماغوط و«فنون السياسة» من اليرموك إلى اليمن!

نصار إبراهيم

«لست سياسياً ولا أفهم في السياسة أكثر مما يفهم القرد بنظرية داروين التي هو محورها وجوهر مناقشتها» محمد الماغوط .

ومع ذلك لقد حاولت أن أفهم قرارات اللجنة التفيذية لـ»م. ت. ف.» في اجتماعها الأخير في 18 نيسان 2015 في رام الله… وبعد تفكير وتدقيق… وجدت نفسي أمام معادلات لا يمكن حتى لآينشتاين أن يحلها… فإذا بالسياسة وفق مقاربات اللجنة التنفيذية هي معادلات مستعصية من الدرجة العاشرة. فالمواقف التي صدرت عن اجتماع اللجنة التفيذية تعكس «فنون السياسة» الفلسطينية… و»حيويتها وعمقها الجدلي» بأروع ما يكون.

كان أول و»أدق» تلك المواقف معارضة اللجنة التنفيذيه لـ»الخيار العسكري» في حلّ أزمة مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سورية»، ولكنها في ذات الوقت وبمهارة فائقة، ومنعاً للالتباس، أعلنت انحيازها الحازم لـ»عاصفة الحزم» الهوجاء في اليمن… ما فهمته من هذا الكلام أنّ اللجنة التنفيذية تعارض «الخيار العسكري» في حلّ «أزمة» اليرموك لأنها مجرّد أزمة؟؟ تحتاج إلى البصيرة والصبر والتأني والحكمة… ولكنها مع «الحزم» في اليمن، لأنّ الأمن القومي في خطر بما لا يحتمل المرونة والمراوغة… ليتفضل أحدهم ويحلّ لي هذه المعادلة… لقد حاولت فلم أجد سوى تكثيف جورج أورويل «لغة السياسة تمّ تصميمها لتجعل الكذب يبدو صادقاً والقتل محترماً». بعدها أكدت اللجنة التنفيذية، المقصود اللجنة التنفيذية لـ»منظمة التحرير الفلسطينية» على «الموقف الفلسطيني الثابت بضرورة عدم الانجرار إلى الصراع الدائر في سورية الشقيقة، وتجنّب الوقوع في الخيار العسكري لأنه سيقود إلى نتيجة واحدة خطيرة بتدمير المخيم وتهجير أبنائه». ماذا يعني هذا الكلام…؟ بعبارة أخرى ما هو القرار بالضبط إنْ كان هناك أصلاً قرار؟ ألا يذكرنا هذا بقول شهير وهو أنّ «السياسة هي فن تأجيل القرارات حتى لا تعود ذات جدوى» هنري كويللي .

ومع ذلك شدّدت اللجنة التنفيذية على موقفها «الثابت» جداً جداً من أنّ «الخيار العسكري سيقود الى نتيجة واحدة خطيرة نتيجتها تدمير المخيم وتهجير أبنائه الصامدين البواسل، وذلك يعني اتخاذ موقف إيجابي يتطلب أعلى درجات المسؤولية هكذا بالضبط في بذل الجهد الوطني والسياسي الموحد مع جميع الأطراف لحماية المخيم وضمان البقاء والصمود فيه». كل هذا رائع، ولكن كيف؟ ماذا يعني بالضبط تعبير «اتخاذ موقف إيجابي يتطلب أعلى درجات المسؤولية»!؟ فهل يعني مثلاً الحوار مع «داعش» و»جبهة النصرة»؟ أم أنّ اللجنة التنفيذية لها علاقة وخطوط اتصال مع مشغّلي «داعش» وأخواتها الفاسقات؟ كيف يمكن حماية مخيم اليرموك، بعد أن تمّ تهجير ما يقارب 95 في المئة من أبنائه وجرى تدمير الجزء الأكبر منه على مدار أربع سنوات ونيف… أين كانت اللجنة التنفيذية كلّ هذه السنوات؟ ما هذه اليقظة المفاجئة… وما هذا الإصرار على حماية ! المخيم… طبعاً بدون التدخل والحلّ العسكري… أيّ بدون المواجهة مع «داعش» ومشغليها، يعني تفضلي يا «داعش»، كوني عند أبواب دمشق وعند أسوارها… فلن يمسّك سوء… فبالنسبة لنا لن نتعامل مع مشكلة اليرموك، أو بصورة أدق مع «أزمة» اليرموك بغير التفاوض… فنحن أصلاً مدرسة في فن التفاوض… حيث لنا أكثر من 25 سنة ونحن نتعلم فنون التفاوض من مؤتمر مدريد عام 1991 وحتى اليوم! ولأنّ اللجنة التنفيذية تدرك في أعماقها بأنّ أحداً لن يفهم ما تقوله، فقد أضافت التوضيح العبقري التالي: «إنّ الوحدة والثبات على الأرض، ورفض التهجير سيكون كفيلاً أكثر من أيّ أسلوب آخر في منع جميع المخططات والتهديدات التي يواجهها المخيم وسائر مخيماتنا بما فيها تهديد تمدّد تنظيم داعش الإرهابي» … لاحظوا تعبير «تنظيم داعش الإرهابي».

ممتاز علينا أن نتحلى بـ»أعلى درجات المسؤولية» و»الثبات على «الأرض»… من أجل ماذا؟ من أجل «منع المخططات والتهديدات التي يواجهها المخيم»… لاحظوا كلمة «منع»… يعني حتى اللحظة الأمور لم تتعدّ التهديد… وداعش لا تزال مجرّد تهديد محتمل؟ فلم تقتحم المخيم بعد ولم تذبح وتقطع الرؤوس بعد… ولهذا فالحلّ العسكري غير مطروح حتى اللحظة… حسناً وماذا بعد؟ الجواب هو أنّ «اللجنة التنفيذية ستواصل متابعتها الحثيثة والدائمة للأوضاع في مخيم اليرموك وجميع تجمّعات شعبنا في سورية، وبالتعاون مع الهيئات الدولية المعنية وخاصة وكالة الغوث والصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري وسواه»… هذا هو الحلّ السحري: المواصلة والمتابعة الحثيثة… وخصوصاً مع وكالة الغوث، والصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري، فالمسألة برمّتها لا علاقة لها بالسياسة… هي مجرّد عاصفة ثلجية! ولكن ألا يطرح هنا السؤال التالي ولو من باب «المناكفة»: من الذي جرّ المخيم وفتح أبوابه لعصابات القتلة في مواجهة الدولة الوطنية القومية السورية؟ ها؟ فعلى حدّ علمي الدولة السورية لم تتدخل في المخيم وحاولت جهدها تجنّب المساس بالمخيمات… مع أنّ مخيم اليرموك يشكل بوابة دمشق وعلى مرمى رصاصة من ساحة الأمويين قلب دمشق النابض… ما علينا! في ضوء هذه الحقائق والمقاربات البارعة لمأساة مخيم اليرموك فإنّ اللجنة التنفيذية في هذه المرة تؤكد «تصميمها على مواصلة العمل لنجدة أبناء شعبنا بجميع الوسائل المتاحة»، نعم «الوسائل المتاحة»، هذا هو الحلّ، «الوسائل المتاحة»، ولكن ما هي تلك الوسائل المتاحة بالضبط؟ هذه ربما تحتاج لدراسة، وربما تحتاج إلى تشكيل لجنة لتحديدها… ولحينها ليطمئن مخيم اليرموك، فالأمور تحت السيطرة! بعدها تنتقل اللجنة التنفيذية إلى رصد الإنجاز الهائل الذي تمثل بـ»الموقف القومي المسؤول الذي صدر عن اجتماع القمة العربية الأخير … بشأن القضية الفلسطينية بمختلف أبعادها واستمرار التحرك على الصعيد السياسي والدولي لضمان أوسع اعتراف دولي بدولة فلسطين وتحمّل مجلس الأمن الدولي لمسؤولياته في وقف كلّ الجرائم والانتهاكات الإسرائيلية»، فعلاً في الحركة بركة وخاصة من القمة العربية… يا أخي ديالكتيك مدهش! وموقف مسؤول حازم كما هي عاصفة «الحزم»… فماذا ينتظر ويريد الفلسطينيون أكثر من هذا؟ فعلاً يا برنارد شو «الديمقراطية… من عيوبها أنها تجبرك على الاستماع إلى رأي … ».

في ضوء كلّ ذلك كان من الطبيعي والبديهي أن تبدي اللجنة التنفيذية «ثقتها بأنّ قرارات القمة العربية تجاه دعم إعادة أعمار قطاع غزة وتعزيز قدرات السلطة الوطنية الفلسطينية على جميع الصعد، سوف تلقى طريقها الى التنفيذ»، نعم هكذا، وهذا منطقي جداً خاصة أنّ الشتاء قد انتهى، حيث أصبح بمقدور الناس في غزة المدمّرة أكثر من مئة ألف منزل أن ينتظروا، فبإمكانهم مثلاً النوم تحت الأشجار وعلى شاطئ البحر… والله كيفية في هالصيف … المشكلة ماذا لو هبّت عاصفة رعدية كما حصل قبل أيام… هذا لا يهمّ فهي مجرّد سحابة أو عاصفة صيف أو «حزم» وستنقشع… فانتظري يا غزة! وبالمناسبة ماذا حصل للمليارات التي رصدها مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة؟ غير أنّ ما تقدّم لا يعكس سوى رأس جبل الجليد من فنون السياسة الفلسطينية… فالجبل نفسه ظهر وتجلى عندما عبّرت «اللجنة التنفيذية عن دعمها للنهج الذي اعتمدته القمة العربية من أجل حماية الأمن القومي وضمان سيادة كلّ بلد عربي وخيارات شعبه ومؤسساته الوطنية، ورفض جميع محاولات التفتيت المذهبي أو الطائفي والإقليمي بما يحمي وحدة جميع الشعوب والبلدان العربية، ومواجهة التطرف والإرهاب بجميع أشكاله.

وفي هذا الإطار تعبّر اللجنة التنفيذية كذلك عن مساندتها للموقف الذي اتخذته المملكة العربية السعودية الشقيقة وجميع أطراف التحالف العربي لمنع انهيار اليمن الشقيق وحماية وحدته والشرعية فيه، والالتزام بالحلّ السياسي سبيلاً وحيداً للخروج من أزمته الداخلية».

قد يكون هذا هو أهمّ قرار للجنة التفيذية منذ تأسيسها، أيّ «مساندة الموقف السعودي» و»التحالف العربي»، وذلك من أجل منع انهيار اليمن… و»حماية وحدته وشرعيته» خاصة وأنه بلد «شقيق»… يعني دعم السعودية التي تدافع عن «الشرعية، ومنع انهيار اليمن»، مما يعني أننا نحن الفلسطينيون معها ضدّ «اليمن المارق»، خلاصة القول إننا مع «عاصفة الحزم» لآل سعود وحلفاؤهم… هل هناك أروع من هذا؟ فعلاً يا فرانك أندروود «سيكون الهلاك مصيرنا إذا سمحنا للأموات بالتحكم في قراراتنا»، نعم معك حق… فتحرير فلسطين المغتصبة منذ عقود لا يستدعي أيّ عاصفة سواء كانت حازمة أو مائعة… فقط شرعية عبد ربه هادي في اليمن هي ما يستدعي قصف اليمن وتدميره بالكامل… فشرعية هذا العبد ربه هادي باتت معادلاً للأمن القومي العربي… وبالتالي فليس أمامنا نحن الفلسطينيون الثائرون منذ مئة عام من أجل الحرية والاستقلال سوى مساندة «الحزم السعودي» الذي يدافع عن الأمن العربي القومي من خلال تدمير اليمن وبناه التحتية… هكذا تكون السياسة أو لا تكون؟ فعلاً ديالكتيك وعبقرية سياسة… المهمّ أن يبقى الملك. وغاندي كان مجرد أحمق عندما قال: «لطالما لم أرغب بتعلم الشطرنج… لسبب لم يفهمه أصدقائي سابقاً، وفهموه الآن! وهو: أني لا أريد أن أقتل جيشي وجنودي وكلّ ما على أرض الشطرنج، كي يحيا الملك!» المهم رضا «خادم الحرمين الشريفين» ولكن ماذا عن الحرم الثالث يا طويل العمر؟ هل هناك أجمل من أن يجد شعب فلسطين، شعب المقاومة والعروبة والتحرّر نفسه واقفاً إلى جانب آل سعود ضدّ اليمن؟ وأن تناور القيادة الفلسطينية مع «داعش» وهي تذبح مخيم اليرموك في محاولة منها للوصول إلى قلب دمشق…؟ وإذا كان ما قيل أعلاه غير كلّ هذا… فليشرح أحدكم لي أنا «القرد الفلسطيني» على حدّ تعبير محمد الماغوط، كي أفهم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى