ماذا يجري في اليمن: ثورة تحرّرية أم انقلاب؟!
ابراهيم ياسين
ما يحصل في اليمن ثورة شعبية تحرّرية أسقطت النظام اليمني التابع لأميركا ودول الخليج، وانتصارها سيعني بناء نظام وطني مستقلّ بعيداً عن الهيمنة الغربية الاستعمارية والخليجية، وسيحدث تغييراً هاماً في منطقة شبه الجزيرة العربية لأول مرة منذ عقود طويلة مما يعني إخلالاً في موازين القوى لصالح قوى التحرّر والمقاومة في المنطقة، وهزيمة كبيرة لمحور دول الخليج التابعة لأميركا.
القلق الأميركي الخليجي من هذه الثورة دفعهم إلى العمل على محاصرتها، ودعم ثورة مضادّة بقيادة عبد ربه منصور هادي الذي هرب إلى عدن ومن ثمّ إلى الرياض، لأنّ اليمن يشرف على ممرّ التجارة العالمي من الخليج العربي إلى باب المندب، والذي كانت أميركا تحرص على أن يبقى تحت سيطرتها الأمنية والسياسية عبر نظام موال لها. ولذلك فإنّ كلّ من يصوّر ما جرى في اليمن على أنه انقلاب ضدّ الشرعية يُعتبر من أعداء الشعب اليمني المرتبطين بأميركا والغرب وأنظمة الخليج، وهؤلاء هم أنفسهم الذين يصوّرون تضليلاً ما يجري في سورية بأنه ثورة شعبية ضدّ نظام الرئيس بشار الأسد، وما جرى في مصر على أنه انقلاب ضدّ حكم «الإخوان المسلمين».
من هنا فإنّ الموقف الوطني والقومي التحرّري يجب أن يكون مناصراً لهذه الثورة، وأن لا ينجرّ وراء حملات التضليل والتشويه ضدّ هذه الثورة. فالموقف منها يجب أن يُبنى على أساس مضمونها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وليس على أساس التصنيف الذي تطلقه دول الخليج وأسيادها بأنه انقلاب يقوده تيار مذهبي الحوثيون ضدّ الشرعية، ولهذا فإنّ موقف قيادة التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري في اليمن لم يكن منسجماً مع الرؤية الناصرية التحرّرية التي تفرض عليه أن يكون جزءًا من هذه الثورة وليس وسيطاً أو حليفاً لعبد ربه منصور هادي الذي كان ولا يزال حصان طروادة الخليجي الأميركي لمنع اليمن من التحرّر من التبعية للغرب، وبسبب هذا الموقف المتخاذل حصل انقسام في التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري اليمني.
وحركة أنصار الله هي حركة سياسية تطرح برنامجاً وطنياً قومياً تحرّرياً يشمل الوطني والقومي والاجتماعي ولذلك فإنّ هذا البرنامج يعبّر عن تطلعات أغلبية الشعب اليمني، واللجان الشعبية الثورية تعبّر عن النسيج الاجتماعي اليمني وهي تعكس تحالفات هذا النسيج والذي ترجم من خلال التالي:
التظاهرات المليونية التي حرصت على تلبية نداء السيد عبد الملك الحوثي برفض الجرعة والمطالبة بتنفيذ مخرجات الحوار التي جرى الالتفاف عليها من قبل هادي ومن ورائه النظام السعودي، لمنع أيّ تغيير فعلي في بنية النظام، وهو ما قاد أنصار الله وحلفاؤهم إلى الحسم العسكري مع هادي. وقد جاءت بعد ذلك التظاهرات المؤيدة للثورة كتجسيد عملي لغالبية الشعب ووقوفه إلى جانبها ومندّدة بالعدوان السعودي المدعوم أميركياً على اليمن.
التظاهرات الحاشدة التي خرجت نصرة لفلسطين خلال العدوان على غزة وتنديداً بالولايات المتحدة الأميركية .
رفض التبعية لأنظمة الخليج والغرب والتأكيد على بناء نظام وطني مستقل. وعلى هذا الأساس فإنّ الموقف الوطني والقومي لأيّ عربي حرّ يحتم عليه الوقوف إلى جانب الثورة اليمنية، وإدانة هذا العدوان الغاشم والإجرامي والمجازر الوحشية التي يرتكبها النظام السعودي ضدّ الشعب العربي اليمني.
من هنا فإنّ العدوان السعودي هدفه منع اليمن من التحرّر من التبعية وإعادة تعويم النظام القديم التابع لها، كما فعلت سابقاً في أوائل الستينات عندما تآمرت على ثورة عبد الله السلال التحرّرية، والتي لاقت يومها دعماً عملياً من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي هاجم في حينه الملك السعودي بشدة.
أما التذرّع بأنّ الأمن القومي مهدّد من قبل إيران، فهو ادّعاء باطل هدفه التعمية عن الأهداف الحقيقية للعدوان السعودي على اليمن، وإنّ دور مصر القومي لا يُستعاد من خلال العودة الوقوف ضدّ خيارات الشعب العربي في اليمن، وثورته التحرّرية، ودعم أنظمة الخليج وفي مقدّمها النظام السعودي التابع للولايات المتحدة الأميركية، وإنما من خلال العودة إلى اتباع نهج الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في دعم قوى التحرّر العربي ضدّ الهيمنة الاستعمارية والأنظمة التي تدور في الفلك الغربي، فمصر لا يمكن أن تحمي أمنها القومي إلا من خلال رفض التبعية للغرب ونصرة الشعوب العربية ومقاومته ضدّ الاحتلال الصهيوني والإرهاب التكفيري أداة الأنظمة الرجعية وأعداء أمتنا من أجل تفتيت مجتمعاتنا، وضرب روح المقاومة فيها لإبقائها تدور في فلك الهيمنة الأميركية الغربية التي توفر الحماية لاستمرار شركاتها المتعددة الجنسية في نهب ثرواتنا النفطية… وحماية أمن واستقرار الكيان الصهيوني.
والأمن القومي العربي أيضاً ليس مهدّداً من ثورة الشعب اليمني التي تناصرها إيران، وتناصر كلّ القضايا العربية العادلة، إنْ كان عبر دعم المقاومة في فلسطين ولبنان، أو وقوفها إلى جانب سورية في مواجهة الحرب الاستعمارية الإرهابية عليها انطلاقاً من مبادئ الثورة الإيرانية الرافضة للهيمنة والاحتلال الصهيوني، ولذلك فإنّ التهديد الحقيقي للأمن القومي العربي إنما يتأتى من الهيمنة الأميركية المجسّدة بالقواعد العسكرية التي تحتلّ العديد من البلدان العربية التي تتوالى حماية هذه الأنظمة، إلى جانب تأمين استمرار نهب ثروات أمتنا العربية، كما أنّ الأمن القومي العربي مهدّد من العدوان الصهيوني المتواصل على الأمة انطلاقاً من احتلال فلسطين والعدوان المستمرّ على الأرض والشعب.
وما صدر عن القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ إنما يستهدف حماية أمن الأنظمة العربية، وليس حماية الأمن القومي العربي، كما يدّعون زوراً وبهتاناً، وفي الوقت نفسه، فإنّ قرارات القمة تغطي العدوان السافر ضدّ الشعب اليمني، ولهذا فإنّ رفض وإدانة هذا العدوان الوحشي السعودي هو واجب كلّ الوطنيين والقوميين العرب والشرفاء ولا بدّ لهم من التأكيد على وحدة اليمن أرضاً وشعباً ومؤسسات على قاعدة رفض التبعية، والعداء لأميركا وللكيان الصهيوني وكلّ الأنظمة العربية الرجعية وحق اليمنيين في تقرير مصيرهم بأنفسهم وبناء نظامهم الوطني المعبّر عن تطلعاتهم في التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بعيداً عن أيّ تدخل خارجي، وبالتالي فإنّ كلّ حريص على اليمن وشعبه يجب أن يدعم هذه الثوابت التي تكرّس استقلال اليمن وحرية قراره الوطني النابع من اختيار غالبية الشعب العربي اليمني، وليس من خلال الارتهان للإدارة الأجنبية أو الأنظمة العربية الرجعية.
الشعب العربي في اليمن ينتصر وردّ العدوان ودحر هذا الإرهاب الخارجي المتمثل بآل سعود ونظامهم وحلفائهم، وسيمضي هذا الشعب قدماً في تحقيق أهداف ثورته، من أجل بناء وطن مستقلّ، بعيداً عن الإملاءات والشروط الخليجية والغربية وكلّ أساليب الهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية.
عضو اللجنة المركزية
في التنظيم الشعبي الناصري