الديكتاتورية الأميركيّة في تراخٍ أمميّ

ناصر بلكم

وجدت أميركا نفسها إمبراطورية العالم بعد انهيار المنظومة السوفياتية، فعملت بالمثل القائل: «إذا غاب القط إلعب يا فار»، فلعبت أميركا وحلفاؤها، وفي مقدّمهم الدولتان الاستعماريتان بريطانيا وفرنسا، بالعالم في تراخ واضح وفاضح للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي قالت عنها الحكيمة الهندية أنديرا غاندي «إذا احتكمت دولة صغيرة ودولة كبيرة إلى منظمة الأمم المتحدة ضاعت الدولة الصغيرة، وإذا احتكمت دولتان كبيرتان إلى الأمم المتحدة ضاعت الأمم المتحدة»، وفي رأي غاندي ضاعت دولة العراق التي لجأت إلى الأمم المتحدة عندما أعلنت أميركا حصارها، ثم إعلان العقوبات عليها حتى أنّ بعض أبناء شعبها أكل من القمامة، مع أنها دولة نفطية انتهت العراق بحرب جائرة أعلنت من طرف واحد، أميركا وحلفائها، رحمة بالشعب العراقي على حد قول الاستبداد والهيمنة الأميركية، التي تركت الشعب العراقي لِقدره، في تراخ ورؤية أممية لم تبد منظماتها الحقوقية أي تنديد أو شجب ضد ديكتاتورية أميركا. علماً أن دولة العراق عضو في الجمعية العامة للأمم المتحدة تقدم الدعم والمساهمة الأممية منذ إنشائها تقريباً، إلاّ أن التراخي كان سيّد الموقف حيال ما تعرّض له العراق وصدقت غاندي، وتعزّز حكمتها أزمة لوكربي المتمثلة في الطائرة التي سقطت واتهمت ليبيا بإسقاطها، وتعرضت ليبيا لحصار جائر وعقوبات دولية بقيادة التحالف الاحتلالي البرمودي الثلاثي، أميركا وبريطانيا وفرنسا، رغم أن ليبيا جيشاً وشعباً لا تعلم شيئاً عن تلك الطائرة، لكن التراخي الأممي والمثلث البرمودي وجدا طريقاً لاتهام ليبيا كونها دولة نفطية وغنية تستطيع دفع ما طلب منها. دخلت المحكمة الدولية وحكمت ليبيا بدفع مليارات الدولارات لأسر الضحايا الذين كانوا على متن تلك الطائرة ودفعت المليارات لشركات التأمين «البرمودية». في هذا السياق تقول ضابطة الاستخبارات الأميركية سوزان «إن ليبيا وزعيمها والذين اتهموا بإسقاط الطائرة لا يعلمون عنها شيئاً، بل إن الحرب الأهلية اللبنانية كانت على الأرجح السبب في إسقاط الطائرة، لكن السلطات الأميركية والبريطانية والفرنسية تداولت الأمر في ما بينها قبل الإدلاء بأي تصريح ورأت أنها لو اتهمت لبنان لن تنال مردوداً إيجابياً». «المثلث البرمودي» يسعى إلى طمأنة نفسه و«إسرائيل» إلى أمنهما القومي الذي يكمن في تدمير جيوش دول الطوق لـ«إسرائيل»، فقد دمر الجيش العراقي وشرد شعبه الذي حصد الذل والجوع والخوف نتيجة «الحرية والديمقراطية» اللتين جلبتهما إليه أميركا وحلفاؤها وهم يتبادلون الأدوار في «الربيع العربي»، تارة بتسليح المعارضة السورية وتارة أخرى بإيقاف التسليح والإمداد بحجة وجود إرهابيين في صفوف «الجيش الحر»، ورأفة بالشعب السوري كما جاء على لسان أوباما «إننا نشجع الشعوب للانتصار على حكامها المستبدين»، وها وزير خارجيته يسعى إلى تسليح المعارضة والبيت الأبيض يقر ويدعو إلى دعمه، والنظر في استخدام النظام للأسلحة الكيميائية قائم لتقويض المصالحة السياسية، والإبقاء على الحرب قائم لإلحاق الجيش السوري والشعب السوري بواقع العراق، وليبيا التي أجمع «المثلث البرمودي» على ضربها من الجوّ وإنهاء بنيتها العسكرية والتحتية، في مقابل استنزاف المشتقات النفطية.

وفي الحالتين السورية والليبية أظهرت المنظمات الأممية الحقوقية والقانونية تراجعاً في الموقف، ولم تتمكن من إيقاف نزيف الدم والتدخل «البرمودي» الذي يصدر «الديمقراطية والحرية» والإرهاب في آن واحد، فالأولى إن نجحت سمحت بالتدخل «البرمودي» في السياسة والشراكة النفطية، وإلا كانت الثانية حاضرة في عدم أمن واستقرار الدولة المستهدفة وإذا لم تنتج كانت الثانية حاضرة في الفوضى الخلاقة، ثم التدرج بإعطاء الضوء الأخضر للخلايا النائمة كي تستخدم السلاح والعمليات الإرهابية. الأزمات السورية والعراقية والليبية خير دليل عن الاستراتيجية «البرمودية» التي بدأت تظهر في الأزمة المصرية. تحرك أوروبي بعيد عن الشرعية الانتخابية في اقتراحاته ويتقاطع مع المشروع الأميركي بدعم خيارات الشعب والشعب منقسم. إذن المشروع الأميركي ـ الأوروبي يعزز الانقسام، أما الموقف الأممي فهو في غيبوبة تامة ولحقت به «الجامعة العربية»، ما يطلق الاستراتيجية «البرمودية» في مصر لتسير نحو ما سارت إليه الأمور في سورية وليبيا تحقيقاً للمآرب الصهيونية بإلحاق الجيش المصري برفاقه الثلاثة العراقي والسوري والليبي. اللعبة «البرمودية» وجدت صدَاً في سورية من قبل دولة روسيا المتمسكة بالشرعية الدولية وعدم إسقاط الأنظمة بالقوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. هذا الإعجاز الروسي للمثلث «البرمودي» جعل الأخير يخلق أزمة في دولة مصر لإيقاع الساسة الروسيين في فخ حرفهم عن الدفاع عن الشرعية وإظهارهم في ازدواجية المواقف السياسية، لكن الساسة الروسيين أكثر تعقلاً وذكاءً من الوقوع في الفخ الغربي، فالشرعية هي المبدأ السامي والحلول التي توصل لتفادي الحرب الأهلية، إما الاستفتاء أو بالدعوة إلى الانتخابات الباكرة، لإحراق المخطط البرمودي القاضي بإلحاق مصر بسورية وحرق الديكتاتورية الأميركية وأدوارها المتبادلة مع بريطانيا وفرنسا، دولتي الاستعمار القديم ـ الحديث الذي يؤكده رئيس الوزراء البريطاني بقوله إن الحكومة السورية الآن أقوى من ذي قبل، فأجابه على الفور رئيس لجنة الاستخبارات الأميركية بقوله على الرئيس أوباما تسليح المعارضة السورية. والقول أممي يسمع في حال مناجاة الكبار، علماً أن سورية عضو فاعل في الأمم المتحدة، لكن صدقت الحكيمة الهندية: الاستبداد الصهيو ـ أميركي يبدو أكثر وضوحاً في المعتقلات السياسية التي اتخذتها لتأديب الذين يهددون أمنها القومي ومصالحها في العالم بحسب زعمها. امرأة الاستخبارات سوزان تقول إن الحكومة الأميركية عام 2001 أخذت قانون الاتحاد السوفياتي للأمن القومي المعمول به عام 1929 في السوفيات. وعمدت أميركا إلى تطبيقه، وعندما اعتقلت خضعت في محاكمة لمواده التي لا تأخذ بالإثباتات بل تواجه المتهم بالجرائم ثم تحكم عليه. ومعتقل غوانتانامو يؤكد الديكتاتورية الأميركية ويعطي اللاصدقية للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان الأجندة الهتلرية لامتلاك الأنظمة الحاكمة وإركاع الممانع منها بالإرهاب الدولي المجرب والناجح في زعزعة أمن واستقرار الأنظمة المعادية لسياسة الصهيوأميركية، يبقى التراخي الأممي في ما تفعله أميركا في غوانتانامو بالمعتقلين والطائرات من دون طيار في بلدان العالم، والأجندة الإرهابية في «الربيع العربي» بشرعنة أميركية هتلرية بعيدة تماماً عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى