هل اكتمل مشروع تعبيد طريق دمشق ـ طهران؟
هشام الهبيشان
دحضت الزيارات المتبادلة الرسمية بين دمشق وطهران، كلّ الأقاويل والشائعات التي تحدثت عن تغير ما في موقف الإيرانيين تجاه دعمهم للدولة السورية التي تتعرض لحرب كونية شرسة يقودها ويمولها أكثر من نصف الأنظمة الرسمية العالمية والكثير من المنظمات الدولية والجمعيات والكيانات العلنية والسرية.
لاحظ المتابعون المراقبون كيف كانت دمشق وطهران خلال الفترة الأخيرة، مسرحاً لمجموعة لقاءات ثنائية، ومنطلقاً لطرح مجموعة رؤى لبعض أزمات الإقليم العربي والمنطقة، فقد استضافت طهران مؤخراً، وفداً رسمياًً سورياً ضمّ نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ونخبة من الساسة والاقتصاديين السوريين، وقد حملت زيارة الوفد السوري عدة رسائل وكان الهدف إيصالها بوضوح إلى جميع المشاركين المستهدفين من الحرب المفروضة على الدولة السورية.
أولى هذه الرسائل وجهت إلى الداخل السوري ومفادها أنّ إيران ما زالت في صف الدولة الوطنية السورية بكلّ أركانها وهي مستمرة في دعم الدولة السورية، اقتصادياً وسياسياً، وستبقى دائماً في صفها، وإلى جانب شعبها وجيشها، لتدحض كلّ الشائعات التي اختلقها بعض الأقلام المأجورة ووسائل الإعلام المتآمرة، التي كانت تشيع بأنّ إيران بدأت بمراجعة موقفها من دعم الدولة السورية اقتصادياً، بعد زيادة حجم الضغوط الاقتصادية على الدولة الإيرانية والمتمثلة بحرب النفط والتخفيض المتعمد والممنهج المتلاحق لأسعاره.
أما الرسالة الثانية، فهي موجهة إلى دول الإقليم المشاركة في الحرب ضدّ سورية ومفادها أنّ إيران ما زالت في خندق الدولة السورية وستدعم وباستمرار شرعية القيادة السورية والتي ولدت من رحم صناديق الاقتراع يوم 3 حزيران عام 2014، وستستمر في هذا الدعم إلى حين تعافي الدولة السورية من آثار الحرب المفروضة عليها.
الرسالة الثالثة والأهم موجهة إلى حلف دولي راديكالي كان يسعى ولا يزال إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها ومفاد هذه الرسالة أنّ أي حلّ للأزمة في سورية يتجاوز حقّ الشعب السوري في تقرير مصيره، هو حلّ غير مقبول ولا يمكن للدولة السورية كما الإيرانية أن تقبل به بصفتها حليفة للدولة السورية، وهذا الكلام جاء واضحاً خلال لقاء رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني ونائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، ما يعني أنّ الحلول المستوردة والمصنعة غربياً في مطابخ حلف دولي راديكالي يسعى إلى إسقاط الدولة السورية بكلّ أركانها، لا يمكن لها أن تحظى بقبول الشعب السوري ولا حلفائه.
أما الرسالة الرابعة فهي موجهة إلى كلّ حلفاء دمشق ـ طهران في المنطقة والإقليم والعالم، ومفادها أنّ دمشق وطهران ما زالتا تملكان من أوراق القوة الشيء الكثير، وأنّ على حلفائهم في العالم دعمهم، وعدم تقديم التنازلات إلى المحور الآخر خوفاً على مستقبل ومصير نظامي دمشق ـ طهران، فطهران ما زالت تملك من القوة ما يمكنها في المرحلة المقبلة من الصمود أمام موجة الضغوط الاقتصادية والأمنية والسياسية، وخصوصاً بعد الاقتراب من اتمام اتفاقها النووي مع قوى السداسية الدولية، وهذا بدوره سيعطي جرعة أمان للدولة السورية، فهناك اليوم تكامل اقتصادي وسياسي وأمني بين البلدين، وهذا التكامل قادر مرحلياً على إسقاط أي مشروع يهدف إلى إسقاط سورية وإيران في أتون الفوضى، ومن هذا الباب على المحور الداعم لمحور دمشق ـ طهران، الاستمرار في تمتين علاقات هذا الحلف، وعدم تقديم أي تنازلات للحلف الآخر المعادي لحلف دمشق ـ طهران.
الرسالة الخامسة موجهة إلى حركات وقوى المقاومة في المنطقة والإقليم ككل، ومفادها أنّ طهران ما زالت في صف كلّ قوى المقاومة في المنطقة العربية من اليمن إلى العراق إلى فلسطين إلى لبنان إلى سورية، وما زالت تدعم كلّ مشاريع التحرّر الهادفة إلى التحرّر من فوضى وإرهاب المشروع الصهيو ـ أميركي، وما زالت تقف وبقوة في صف كلّ حركات المقاومة لهذا المشروع التقسيمي والتدميري في المنطقة، وفي الإطار نفسه، ستعمل كلّ من دمشق وطهران على تقديم كلّ الدعم لبغداد لتعزيز مشروعها الوطني الهادف إلى تطهير الأرض العراقية من الإرهاب المستورد، وهما تؤكدان دائماً أنّ بغداد هي الرئة والمتنفس لطهران ودمشق، وكلّ هذا يأتي من باب ولادة حلف إقليمي بملامح جديدة بدأت معالم اكتماله تظهر في شكل واضح، وهو حلف دمشق ـ بغداد ـ طهران، والهدف منه هو تعزيز منظومة أمن هذه العواصم وتمتين الروابط الاقتصادية والسياسية فيما بينها.
هذه الرسائل جميعها وترابط ثنائية الهدف والمنظور للأبعاد المستقبلية للمشروع التكاملي الإيراني ـ السوري تظهر في شكل واضح مدى التقارب في المواقف السياسية والأمنية والاقتصادية، بين النظام الرسمي الإيراني والنظام السوري، وهذا ما ظهر جلياً من خلال زيارة الوفد الرسمي السوري الأخيرة إلى طهران، والتي من المتوقع أيضاً أن تتبعها قريباً زيارة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية على هامش اجتماع وزراء خارجية دول عدم الانحياز الذي تستضيفه طهران، للتأكيد على حجم التقارب في الآراء وثبات الموقف الإيراني في خصوص الأزمة السورية، لدحض جميع الشائعات التي كانت تطلقها بعض الصحف الصفراء، ووسائل الإعلام المتآمرة، والتي كانت تروج لإشاعات عن وجود تغير في الموقف الرسمي الإيراني تجاه الحرب المفروضة على الدولة السورية.
ختاماً، إنّ رسم معالم واضحة لطريق مستقبلي شاق تخطوه خطوة بخطوة كلّ من دمشق وطهران يحتاج إلى مزيد من تمتين الروابط بين البلدين، وهذا ما جاء واضحاً في الفترة الأخيرة تحديداً، فهذه اللقاءات المشتركة والمتبادلة بين دمشق وطهران، تؤكد تصميم نظامي دمشق وطهران على تجاوز هذه الأزمة بكلّ تجلياتها المؤلمة، والسعي إلى بناء مشروع تجديد أممي محوري بالشراكة مع حلفائهم الأمميون، يهدف إلى استكمال بناء مشروع تحرّر هدفه الأساسي تأمين ولادة ميسرة لمشروع أممي يهدف إلى إسقاط يافطة القطب الأوحد الأميركي، وما سيتبع ذلك من انهيار وسقوط مدويين لكلّ أدوات المشروع الأميركي في المنطقة العربية والإقليم وعلى رأس هؤلاء الكيان الصهيوني.
كاتب وناشط سياسي الأردن
hesham.awamleh yahoo.com