يحيى سكاف… الأسير الغائب الحاضر
رام الله – عبد الناصر فروانة
يحيى سكاف، الفدائي العربي الأصيل، مناضل لبناني الجنسية نشأ في منبع المقاومة، فلسطيني الانتماء والعشق، وعيونه ترنو إلى القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين.
يُعتقد أنّ الأسير سكاف لا يزال حياً في سجون الاحتلال السرية وداخل جدران ذاك السجن الذي يُطلق عليه «غوانتانامو الإسرائيلي»، لكنّ إسرائيل تنفي احتجازها له أو حتى معرفة مصيره، كما تنكر احتجازها لمئات المفقودين الفلسطينيين والعرب الذين سبق أن تقدمت عائلاتهم بشكاوى تشير إلى اختفائهم وكأنّ الأرض انشقت وابتلعتهم، فيما تؤكد كافة الشواهد والدلالات أنّ إخفاء المعتقلين والمواطنين العُزل هي من سمات دولة الاحتلال التي لا تزال تُصرّ على رفضها فتح أبواب سجونها الموصدة أو مقابرها المحصنة أمام ممثلي المؤسسات الحقوقية والإنسانية والإعلامية.
يحيى محمد سكاف «أبو جلال» من مواليد 15/12/1959 في بلدة بحنين شمال لبنان، عيونه ترنو منذ نعومة أظفاره إلى الجنوب المقاوم وإلى فلسطين المحتلة، ويحمل في داخله حلماً أضحى مع الوقت حقيقة بالانضمام إلى صفوف المقاومة والانتقام لشعبه وأمته من الاحتلال واعتداءاته الدموية وتعدياته المستمرة على أرضه وسمائه وبحره.
انخرط في صفوف المقاومة وشاركها العمل المقاوم ضدّ الاحتلال، وفي الحادي عشر من آذار عام 1978، التحق مع مجموعة من إخوانه في حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» لتنفيذ عملية فدائية نوعية ومميزة، حملت اسم الشهيد كمال عدوان، بعدما ودع والدته وانطلق من الشمال إلى الجنوب المقاوم حيث كانت المجموعة التي ضمت فدائيين من جنسيات عربية مختلفة، ونقطة الانطلاق صوب فلسطين وتحرير الأسرى.
عملية رائعة نفذتها مجموعة من المناضلين قادتها الشهيدة دلال المغربي، بعدما نجحت المجموعة المؤلفة من 13 فدائياً في اختراق الحدود على ظهر زوارق مطاطية أبحرت لساعات في مياه البحر الأبيض المتوسط حتى وصلت إلى شواطئ فلسطين المحتلة.
وبعد رحلة متعبة ومرهقة استشهد خلالها اثنان من الفدائيين غرقاً في عرض البحر، نجحت المجموعة ومن بينها يحيى في الوصول إلى الشاطئ فكمنت هناك إلى أن مرت حافلة ركاب باص فأوقفتها وصعد أفرادها إليها واستولوا عليها وأعلنوا عن سيطرتهم عليها واحتجاز من فيها كرهائن لمبادلتهم بأسرى.
وفي الطريق أوقفت المجموعة حافلة ثانية واستولت عليها هي الأخرى واحتجزت جميع الركاب في حافلة واحدة وقادتها باتجاه تل أبيب.
وفي إحدى المناطق المحتلة عام 1948 وعلى الطريق الممتد بين حيفا وتل أبيب، وبالتحديد في منطقة تقع في حدود تل أبيب على شاطئ البحر، يُطلق عليها الإسرائيليون اسم «هرتسيليا» تمكنت قوات الاحتلال من مهاجمة الحافلة ودارت اشتباكات بينها وبين المجموعة الفدائية أدت إلى إلحاق خسائر فادحة بالحافلة، كما أسفرت عن قتل وإصابة العشرات ممن كانوا على متنها من الركاب ومن الجنود «الإسرائيليين» المهاجمين، وفي المقابل، أدت العملية إلى استشهاد غالبية أفراد المجموعة واعتقال ثلاثة منهم بعد نفاذ الذخيرة هم: حسين فياض وخالد أبو إصبع، ويحيى سكاف.
ومضت الأيام ومرت السنوات فتحرّر أبو إصبع وفياض في صفقة التبادل الشهيرة عام 1985، وبقي لغز البطولة يحيى سكاف محيراً، ومصيره مجهولاً ليشكل وصمة عار على جبين كلّ من صمت ويصمت أمام هذه الجريمة، ولا يُعرف إن كان قد استشهد في العملية ونقل جثمانه إلى مقابر الأرقام، أم أنه بقىّ حياً داخل جدران زنازين السجون السرية، فيما يعتقد الكثيرون أنه لا يزال حياً، بالاستناد إلى المعلومات المستمدة من عدد من الأسرى الذين أطلق سراحهم.
ويبقى يحيى سكاف… فهو ليس مجرد اسم عابر مجهول المصير منذ 36 عاماً، أو اسماً لواحد من الشهداء المحتجزة جثامينهم في ما يعرف بمقابر الأرقام، أو من أولئك المفقودين أو القابعين في السجون السرية.
يحيى اسم لفدائي لبناني نسمو بمقاومته، وعنوان لقضية نفخر بالانتماء إليها، ورمز لمقاومة نعتز بها وأحد أبطال عملية الساحل التي نتغنى بها.
يحيى سكاف، ليس مهماً إن كنت شهيداً محتجزاً جثمانه تحت الأرض في مقابر الأرقام، أم «السجين إكس» الحي في السجون السرية، المهم أنك أسير منذ 36 عاماً لدى دولة الاحتلال في انتظار من يحرّرك ويعيدك إلى وطنك وأهلك وشعبك الذي أحبك وانتظر طويلاً عناقك.
أحببناك واحترمناك وحفرنا اسمك في قلوبنا وفي سجلات تاريخنا الفلسطيني والعربي المقاوم.