مئة عام على الإبادة الأرمنية والفكر العثماني يتأصّل…
توفيق المحمود
قد يعتقد الجميع أنّ «إسرائيل» الوحيدة تنفذ سياسة «التطهير العرقي» ضدّ الفلسطينيين وتنكّل بهم، من أجل إخلاء فلسطين من العرب السكان الأصليين للأرض. وهذا غير صحيح إذ إن تركيا تشارك الأتراك في هذا الأمر بخاصة ما فعلته قبل مئة عام من إبادة جماعية للأرمن وما تفعله اليوم تحت عباءة «الإخوان المسلمين» في كلّ من سورية والعراق من تهجير وتشريد وقتل بحق شعبي البلدين.
ويحيي الأرمن في العالم ذكرى مرور مئة سنة على المجازر التي ارتكبها في حقهم العثمانيون وراح ضحيتها مليون ونصف مليون أرمني، وهُجر الباقي في الشتات واندمجوا في مجتمعات جديدة في سورية ولبنان وبلدان عديدة أخرى. وتكمن مشكلة الأرمن الرئيسية بعد مئة سنة من هذه الإبادة في عدم اعتراف تركيا بما ارتكبته ورفضها تعويض أبناء الضحايا معنوياً ومادياً.
نُفذت الإبادة في عام 1910 بتحريض من حزب «الاتحاد والترقي» استناداً الى فكره العنصري المرتكز على مبدأ التتريك والتطهير العرقي، واحتل الأتراك منطقة كيليكيا ولواء اسكندرون الواقعة ضمن الأراضي السورية والتي كان يسكنها عدد كبير من الأرمن. وصوت البرلمان الأوروبي منذ أيام بغالبية ساحقة، على قرار حول المجازر التي ارتكبت بحق الأرمن والتي وصفها بالإبادة الجماعية مطالباً تركيا بالاعتراف بها. وكان قبلها بأيام إعلان بابا الفاتيكان فرنسيس الأول أنّ المجازر التي ارتكبت إبان السلطنة العثمانية بحق الأرمن، إبادة.
مئة سنة والفكر العثماني يرفض ذلك، فهو لا يبعد عن «إسرائيل» الدولة العنصرية التي قامت في المنطقة بغير وجه حق.
وبعد قرن من مجازر الفكر العثماني، تتجدد برداء الاخوان المسلمين المجازر في كسب وفي تل تمر وغيرهما من المناطق ويهجّر الكلدان والسريان من موطنهم الأصلي، وفي مصر يعامل الاقباط كأنهم وافدون الى البلاد.
وصادفت ذكرى الإبادة الأرمنية الذكرى السنوية الثانية لحادثة اختطاف مُطراني حلب للسريان الأرثوذكس يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي ومنذ سنتين وحتى يومنا هذا لم يعرف بعد مصيرهما، فهما خُطفا على يد من تدعمهم تركيا وتسمّيهم «المعارضة المعتدلة». فهي ترسل أفواجاً من الإرهابيين بعد تدريبهم وتزويدهم بالسلاح وتسهيل مرورهم عبر الحدود. فتنظيم «داعش» الإرهابي حليف اردوغان وأداته التي يضرب بها كل ما بقي من دلائل توثق جرائم العثمانيين لن تجعل الأرمن ينسون متاحفهم ومزاراتهم التي دمرها التنظيم المتطرف ومنها تفجير كنيسة الشهداء الأرمن في مدينة دير الزور التي تضمّ رفات شهداء المجزرة الأرمنية وسرقة محتويات الكنائس الأرمنية التي دخلتها في بلدة كسب بمحافظة اللاذقية لكن فشل «الإخوان» في الحكم، وبخاصة في مصر وتونس وسورية جراء ثبات الشعب السوري وجيشه، ونجاح شعب وجيش مصر في اسقاط البرنامج الذي حاولت جماعة الاخوان تمريره وتسويقه في مصر، كل ذلك أظهر فشل السياسة الخارجية التركية، وهذا الفشل كان مكلفاً ومضراً بالسياسة الخارجية لتركيا وصورتها وعلاقاتها بالغرب تحديداً والمجتمع الدولي الذي يضيق عليها الخناق للاعتراف بهذه الإبادة الجماعية بحق الأرمن.
الحقيقة المرعبة التي تمثل أمامنا تكمن في ذكرى مرور مئة سنة على المجازر في حق الأرمن من دون إمكان استرجاع أي من حقوقهم. فهل يؤسس هذا النهج لواقع سيّئ ومرير يمتدّ مئات السنين لشعوب المنطقة ويزيل كلّ حضارة ولا يبقي في ذاكرة العالم إلا المجازر والتهجير؟