لا تنسَوا فلسطين

الياس عشّي

لا يختلف اثنان على أنّ الهدف الرئيس ممّا جرى ويجري في العالم العربي منذ ستّ سنوات ونيّف، هو محو المسألة الفلسطينية من ذاكرة الناس، واستبدال صراع العرب مع الكيان الصهيوني بصراع بين العرب أنفسهم.

إنّه المخطط الأميركي ــ الإسرائيلي ــ الأوروپي الذي بدأ تنفيذه بنجاح منذ احتلال ناپليون لمصر، وعدم الاعتراف بنجاحه هو مكابرة وكذب… لقد نجحوا في حين أكل العربُ «الضرب».

ما هو المطلوب وقد وصل الأمر عند الجيل الحديث إلى حدّ التساؤل عن جدوى الكلام في المسألة الفلسطينية فيما الفلسطينيون لم يتفقوا حتّى الآن على موضوع واحد، وفيما هم استبدلوا شعار العودة إلى فلسطين بشعار العودة إلى مخيم اليرموك… لا إلى معركة اليرموك التي انتصر فيها العرب عام 636 ميلادية على الامبراطورية البيزنطية.

ما يجري كارثة قومية ووطنية وأخلاقية ستؤدّي حتماً إلى سايكسبيكوات أخرى إذا لم يعد الكتّاب، والإعلاميون، والمربّون، الذين ما زالوا على خطّ التماس مع القضايا القومية والوطنية الكبرى، وعلى رأسها المسألة الفلسطينية، أقول إذا لم يعودوا في كتاباتهم، وخطاباتهم، وشاشاتهم، وصحفهم، إلى الحديث عن اليهود، وتوراتهم المزيّفة، وأساطيرهم، وعنصريتهم، وإرهابهم، وأن ينسوا أنّ هناك يهودياً واحداً على حق، لأنه إنْ وجد هذا اليهودي فهو شذوذ، والشذوذ يثبت القاعدة كما يقول علماء القانون.

باختصار: المطلوب العودة إلى لغة سعاده!

ومكتبة الحزب السوري القومي الاجتماعي قد تكون الأغنى في الحديث عن المسألة الفلسطينية، ولا غرابة في ذلك طالما أنّ أنطون سعاده من وصاياه: اذكروا فلسطين، وطالما أنّ فلسطين هي كيان من كيانات الوطن والعالم العربي.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر:

مهّد الأمين عبدالله قبرصي لكتاب «التوراة والتراث السوري» للباحث مفيد عرنوق، بما جرى بين الصحافي الفرنسي جان لارتڤي وأحد جنرالات الدولة الصهيونية الذي كان يكرّر أمامه أنه ملحد لا يؤمن بدين ولا يؤمن بإله واحد. ويضيف الصحافي بأنه لبّى يوماً دعوة من هذا الجنرال لحضور حفلة تخريج لمظليين يهود تجري أمام حائط المبكى في القدس القديمة، واستغرب أن يرى صديقه الملحد الجنرال يحمل التوراة في يمينه ويدعو المظليين ليقسموا عليها يمين الولاء لـ«إسرائيل»، وعندما سأله عن هذه الازدواجية بين الإلحاد والقسم قال: «إنني أحترم التوراة لأنها تاريخ شعبي القومي».

كيف يمكن أن تكون التوراة تاريخاً قومياً للشعب اليهودي فيما أساطيرها منقولة عن الآثار والأحداث السومرية العمرها ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد؟ أي قبل ألفين وخمسمئة عام من «اختراع» التوراة!

ولإثبات ذلك هاكم هذه المقاربة بين طوفان نوح العبري الحديث الولادة وطوفان غلغامش السومري الغارق في القدم:

ملحمة غلغامش ــ اللوحة 11

………..

اهدم بيتك واصنع منه سفينة

أدخل كلّ زرع حياة إلى داخل السفينة

السفينة التي عليك أن تبنيها

فلتكن قياساتها بالضبط

وليوازِ طولُها عرضَها

استنشق الآلهة الرائحة الزكيّة

واجتمعوا على مذبح الذبيحة كما يجتمع الذباب

سفر التكوين

————

اصنع تابوتاً من خشب قطراني واجعل منه مساكن، واطله من الداخل والخارج بالقار، ومن كلّ حيّ، من كلّ ذي جسد اثنين من كلّ تدخل التابوت لتحيا معك، ذكر وأنثى، كذا تصنعه:

ثلاث مئة ذراع طوله …

وبنى نوح مذبحاً للربّ … وأصعد محرقاً على المذبح فتنسّم الربّ رائحة الرضى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى