الرياض وعبر ودروس الحرب على اليمن

حميدي العبدالله

لا شك أنّ الحرب على اليمن كانت ذروة سياسةٍ سعودية غلّبت دائماً العنف والحروب، وحتى دعم الإرهاب، للنيل من الذين لا يجارونها في سياساتها ولا يؤمنون برهانها على الحكومات الغربية، ورفضت بعناد نداءات تدعوها للجنوح إلى الحوار والبحث عن الحلول السياسية، لكنها أبت ذلك وأصرّت على مواقفها، فرفضت دعوات إيران للحوار حول قضايا الخلاف بينهما، بما في ذلك الحديث عن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، كما شجعت «داعش» على احتلال محافظات عديدة في العراق غير آبهة بنتائج هذه العملية على استقرار اليمن، وما تنطوي عليه من تهديدات نتيجة لتعاظم خطر الإرهاب، ووقفت بقوة ضدّ الحلّ السياسي في سورية، ومارست كلّ الضغوط، وعرضت كلّ الإغراءات لتوريط الولايات المتحدة وحكومات غربية بشنّ عدوان عسكري مباشر على سورية.

وعلى الرغم من أنّ هذه السياسة لم تؤدّ إلى أيّ مكاسب، وساهمت في إشاعة الفوضى والاضطراب في مناطق واسعة من البلاد العربية، وامتدّت حالة الاضطراب إلى مناطق أفريقية، إلا أنّ السعودية بدلاً من مراجعة هذه السياسة لجأت إلى التصعيد، وكانت ذروة هذا التصعيد الحرب على اليمن.

مثّلت الحرب على اليمن اختباراً واضحاً لحدود قدرة الرهان على هذا الخيار، فهو لم يؤدّ إلى أيّ نتيجة، بل يمكن الاستنتاج أنّ خسائره لا تحصى ولا تعدّ، بما في ذلك على المستوى الميداني داخل اليمن، إضافة إلى أنّ وقف الحرب من دون تحقيق أيّ هدف من الأهداف التي صرّح بها الناطق باسم حملة «عاصفة الحزم» وتصريحات كبار المسؤولين في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك الملك سلمان، يشكل هزيمةً سياسية واضحة كانت الرياض في غنى عنها.

هل يؤدّي اختبار الحرب على اليمن، وما تمخضت عنه من نتائج، وما كرّسته من توازنات، إلى تراجع السعودية عن سياساتها المعتمدة، والتي تأكد فشلها، أو على الأقلّ عدم جدواها وقصورها عن تحقيق الأهداف التي تتطلع إليها الرياض؟

وهل تقبل الآن اعتماد خيار الحوار والحلول السياسية، سواءً مع إيران التي دعتها باستمرار ولا تزال إلى الحوار، والموافقة على حلّ سياسي للأزمة في سورية، والإقلاع عن سياسة الرهان على الجماعات الإرهابية؟

من الصعب الإجابة على هذه الأسئلة في ظلّ غياب مؤشرات تعكس عودة الرياض إلى سياسة أقلّ اندفاعاً ورهاناً على العنف والإرهاب.

لكن لا يمكن للرياض تجاهل ما أسفرت عنه الحرب على اليمن، إنْ لجهة إضعاف موقفها السياسي وتراجع فعالية حججها إزاء حلفائها قبل خصومها، كما أنها لن تكون قادرة على تجاهل توازن القوى الناشئ عن فشل حربها على اليمن، لا سيما أنّ اليمن يقع على حدودها ويفصلها الآن عن القوى السائدة فيه بحر من الدماء من الصعب القفز عليها.

هذه النتائج المترتبة على حرب اليمن ترجح احتمال أن تعمد السعودية، بقناعة أو من دون قناعة، إلى إعادة النظر في سياستها القائمة على الرهان على الحرب والعنف والإرهاب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى