الراعي: نسعى مع الدول الصديقة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي قبل انهيار الهيكل على الجميع
رأى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي «أن من المعيب جداً أن لا تقوم الكتل السياسية والنيابية بأي مبادرة فعلية مسؤولة تخرج سدة الرئاسة من أزمة فراغها القاتل للجمهورية»، مشيراً إلى «أننا نسعى مع القريب والبعيد ومع الدول الصديقة وفي مقدمها فرنسا، لإنجاز هذا الاستحقاق قبل أن ينهار الهيكل على رأس الجميع».
وصل الراعي أول من أمس إلى مطار لو بورجيه العسكري في فرنسا آتياً من أرمينيا على متن طائرة خاصة وضعها بتصرفه النائب السابق لرئيس مجلس الوزراء عصام فارس بعد أن شارك في مئوية المجازر الأرمنية.
ومن المقرّر أن يلتقي الراعي الرئيس الفرنسي فراسوا هولند وعدداً من المسؤولين الفرنسيين تتناول الأوضاع في لبنان والمنطقة ولا سيما الوجدود المسيحي في الشرق.
وسام بابوي لفارس
وكان الراعي قلّد فارس وساماً بابوياً رفيعاً من رتبة قائد منحه إياه البابا فرنسيس تقديراً «لشخصه ولمبادراته الإنسانية والإنمائية دعماً للكنيسة الساعية إلى نشر ثقافة المصالحة والسلام في لبنان والشرق الأوسط، وتعزيز الوجود المسيحي فيهما للمحافظة على تقاليد الشرق المتنوع دينياً وثقافياً»، وفق ما جاء في البراءة البابوية الخاصة بالوسام، التي تلاها القيم البطريركي في روما المونسنيور طوني جبران، في خلال اللقاء التكريمي الذي أقامه فارس للبطريرك الراعي في دارته في باريس.
وحضر المطارنة: بولس الصياح، فرانسوا عيد وناصر الجميل، سفير لبنان لدى الأونيسكو الدكتور خليل كرم، سفير جامعة الدول العربية بطرس عساكر، القائم بأعمال السفارة اللبنانية في فرنسا غدي خوري، المونسنيوران أمين شاهين وجوزف البواري، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام الخوري عبدوأبو كسم، مدير الإعلام والبروتوكول في البطريركية المحامي وليد غياض، وأصدقاء إضافة إلى عقيلة فارس السيدة هلا ونجله نجاد وابنته نور.
افتتح اللقاء بكلمة للزميل جورج عرب حيا فيها الراعي وفارس «اللذين يمثلان نموذجين رائدين في خدمة المحبة وتعميم قيم الحوار والسلام». ثم تلا المطران عيد البراءة البابوية باللغة اللاتينية وترجمها إلى العربية المونسنيور طوني جبران شارحاً رموز الوسام المنشأ في الأول من أيلول 1831.
بعد ذلك قلد الراعي فارس إشارات الوسام الرسمية وسلمه البراءة البابوية، كما قدّم الراعي لفارس ولعائلته أيقونة السيد المسيح والميدالية البطريركية العليا.
فارس
وبعد الصورة التذكارية، ألقى فارس كلمة شكر فيها البابا فرنسيس لقيادته الكنيسة الجامعة بروح العدل والوداعة الإنجيلية، وخاطب البطريرك الراعي قائلاً: «خطابكم صوت لبناني صادق، أثبت للعالم أن ليس من يكتب بالحبر كمن يكتب بدم القلب، حملتم لبنان في ضميركم وبكل الحرص والإخلاص، ناديتم بصوت عالٍ ليسمع أنين الوطن من له أذنان سامعتان، والمؤلم أنه عاد يُسمع اليوم خطاب لبناني غير جامع وتدخلات خارجية مؤثرة، حالت كلها، دون انتخاب رئيس للبنان رمز وحدته».
وسأل: «على من تقع المسؤولية؟ أهي على النظام اللبناني أم على الأفرقاء ككل أو على بعضهم؟ ومن هو المستفيد من إنهيار لبنان؟ اننا يا صاحب الغبطة، لا نزال نعوّل على هذا الجهد الذي تبذلونه على مذبح الوطن، نعاهدكم أن نبقى دوماً إلى جانبكم يداً بيد، ونراهن على همة اللبنانيين المخلصين، لنعمل سوياً على إنقاذ لبنان، ليبقى لؤلؤة هذا الشرق ومنارته».
ورد الراعي بكلمة هنأ فيها فارس «الشخصية المطبوعة بروح الخدمة والانفتاح وتبنّي هموم الآخر وقضايا العدالة والتنمية». وقال: «يسعدني أن أعلق على صدركم الكبير الوسام الرفيع الذي يمنحكم إياه قداسة البابا فرنسيس، وسام القديس غريغوريوس الكبير من رتبة كومندور، يضاف إلى الذي قلدكم إياه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر. إنه وسام تقدير لكم ولعائلتكم التي تحيط بكم ولمعاونيكم في مؤسساتكم، ويعتبره جميع أصدقائكم وساماً لهم».
وتابع: «هذا الوسام وجميع الأوسمة الرفيعة والمتنوعة التي منحتم إياها، أكانت من الكنيسة أو من الدولة، وهي لبنانية وفرنسية وأميركية وروسية ويونانية وقبرصية وبلغارية، إضافة إلى دكتوراه شرف من روسيا ومن الولايات المتحدة، كلها منحت لكم عن استحقاق كبير لما انجزتم من أعمال، وأنشأتم من مؤسسات، وما سخيتم به من مال من أجل تعزيز التعليم الجامعي والثقافة والأبحاث العلمية وتزويد المكتبات الجامعية والمختبرات في لبنان والخارج، وفوق ذلك، والإستحقاق الاكبر بما أعطيتم لبنان على المستوى السياسي، سواء في الندوة البرلمانية لعهدين، أم في الحكومة كوزير ونائب لرئيس مجلس الوزراء في 3 حكومات، فكنتم المثال في ممارسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعطائكم وتفانيكم وتجردكم وكبر نفسكم. وإننا نخالكم تتألمون جداً للحالة التي وصلنا إليها من جراء سوء ممارسة هاتين السلطتين».
ونوه الراعي بـ«مؤسسة فارس في لبنان» لدعم الاعمال الاجتماعية والثقافية، وتقديم منح لعشرة آلاف طالب وطالبة، ولبناء أبنية جامعية وأجنحة متخصصة ومكتبات.
وشكر الراعي لفارس وضعه طائرة خاصة بتصرفه لنقله من أرمينيا الى باريس، ولاحقاً إلى بيروت، كاشفاً أن فارس قدّم مبلغاً مرموقاً من المال مساهمة لشراء كرسي المطرانية في Meudon .
وتابع: «نقيم هذا الاحتفال بفرح كبير، ولكن بغصة خانقة بسبب الفراغ الرئاسي في لبنان، الذي يطوي اليوم بالذات شهره الحادي عشر، وبسبب ما آلت إليه البلاد من شلل وفوضى وفساد بنتيجته، كما وبسبب الحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في العراق وسورية واليمن، ودائماً في فلسطين والأراضي المقدسة. وما نأسف له بالأكثر عدم اكتراث الأسرة الدولية وعدم الجدية وفقدان الإرادة الطيبة، لإيجاد حلول سليمة وإيقاف دوامة الحروب، والعمل المخلص لإحلال السلام العادل والشامل».
وقال: «أما نحن في لبنان، فمن المعيب جداً أن لا تقوم الكتل السياسية والنيابية بأي مبادرة فعلية مسؤولة تخرج سدة الرئاسة من أزمة فراغها القاتل للجمهورية، وللدستور والميثاق الوطني، ولكرامة وطن وشعب»، مطالباً «من هذه الدار الوطنية الكتل السياسية والنيابية بأن تكون على مستوى المسؤولية الحقة، وتقوم بمبادرة شجاعة متجردة عن أي حسابات شخصية أو فئوية تعلو على المصلحة الوطنية العليا، بالشكل الذي يليق بالوطن المفدى لبنان».
وختم الراعي مخاطباً فارس: «ازاء ما نشهده في لبنان والمنطقة، وازاء الصفات المميزة التي أنعم الله عليكم بها، نقول لكم إن وطنكم لبنان بحاجة اليكم فلا تتركوه أو تنسوه في معاناته».
من جهة أخرى، ترأس الراعي قداساً احتفالياً في كاتدرائية سيدة لبنان في باريس، بمناسبة المؤية الأولى لوجود الموارنة في الكاتدرائية ولمناسبة تدشين مقر أبرشية فرنسا المارونية مبنى المطرانية الجديد في مودون، عاونه فيه السفير البابوي في باريس المطران لويجينو فانتورا، ولفيف من المطارنة، وحضره وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب، النائب الفرنسي فيليب كوجون، سفير الجامعة العربية في فرنسا بطرس عساكر، سفير لبنان لدى الاونيسكو الدكتور خليل كرم، القائم بأعمال السفارة اللبنانية في فرنسا غدي الخوري، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق عصام فارس ونجله نجاد، رئيس المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن، ووزراء سابقون وحشد من الفاعليات وابناء الجالية.
وبعد كلمة
وبعد كلمة لراعي أبرشية فرنسا المارونية والزائر الرسولي على أوروبا الغربية المطران مارون ناصر الجميّل، ألقى الراعي عظة أشار فيها إلى «أننا نصلي لكي يخشى الله امراء الحروب والمتقاتلون والمحرضون على الحرب بمد السلاح والمال والدعم السياسي، وأن يوقفوا بموآزرة الأسرة الدولية الحرب في فلسطين والعراق وسورية واليمن … ، وأن يعملوا جاهدين على إحلال السلام العادل والشامل والدائم بالطرق السلمية».
وأضاف: «ونصلي من أجل المسؤولين السياسيين في لبنان، كتلاً سياسية ونيابية، لكي تتحمل مسؤولياتها التاريخية، والإسراع إلى انتخاب رئيس للجمهورية. فمن المعيب والمخجل حقاً أن يبدأ الفراغ الرئاسي شهره الثاني عشر في هذا اليوم بالذات»، معلناً «أننا نسعى مع القريب والبعيد ومع الدول الصديقة وفي مقدمها فرنسا النبيلة، لإنجاز هذا الاستحقاق الرئاسي، قبل أن ينهار الهيكل على رأس الجميع».
والتقى الراعي رئيس أساقفة باريس اندريه 23 وتم عرض الأوضاع في منطقة الشرق الاوسط، إضافة إلى أوضاع النازحين السوريين والعراقيين وتداعياتهم على لبنان.
وشدد الراعي على الوزر الذي ينوء به لبنان جراء استضافة مليوني لاجئ سوري وفلسطيني، محذراً من استغلالهم السياسي والأمني وتغلغل إرهابيين في أوساطهم. فيما قال الكاردينال أندريه 23 «إن رئيس الحكومة مانويل فالس ووزير الخارجية لوران فابيوس «حدثاني عن مؤامرة لاستئصال مسيحيي الشرق». فيما أشار الأخير «إلى مؤامرة إبادة ضد مسيحيي الشرق».
محاضرة في الأونيسكو
وكان الراعي ألقى محاضرة في مقر منظمة الأونيسكو في باريس، بعنوان «وضع المسيحيين في الشرق الأوسط ودورهم في ثقافة السلام»، شدد فيها على «على الدور الرئيسي والأساسي لمسيحيي الشرق في دعم ثقافة السلام»، معتبراً ان «وجودهم التاريخي والمتجذر في الشرق منذ ما يزيد على ألفي سنة، وجود جوهري في إحلال السلم ونشر ثقافة السلام». وأطلق نداء دعا فيه «المجتمع الدولي إلى اتخاذ كل التدابير الكفيلة بحماية هذا الشرق وهذا الوجود».