الشباب… ماذا يريدون؟
لمياء عاصي
تعتبر هموم الشباب وتطلعاتهم من أهمّ القضايا التي تشغل بال وتفكير صانعي القرار الاقتصادي والتنموي في دول العالم بشكل عام، وإنْ كانت البلدان المتقدّمة قد طوّرت أنظمتها التعليمية والاقتصادية لتلائم احتياجات أولئك الشباب وتؤهّلهم ليكونوا قادرين على مسايرة أحدث التوجهات العالمية في مجالات العمل والتكونولوجيا، إنّ الدول النامية وخصوصاً تلك التي تمرّ بمرحلة التحوّل الاقتصادي، فهي تحتاج إلى تطوير المنظومات الخاصة بالشباب، حيث تحتلّ مواضيع التعليم وفرص العمل رأس سلم الأولويات في السياسات التنموية لتلك الدول.
في سورية وقبل عام 2011 تاريخ بدء الحرب القذرة عليها، عانى الشباب من مشاكل مختلفة ومركبة، تتصدّر البطالة تلك المشاكل، كما أنّ المنظومة التعليمية لم ترتق بما يكفي لضمان جودة المخرجات التعليمية وملاءمتها لسوق العمل، إضافة إلى توقف الدولة عن اتباع سياسات التشغيل الاجتماعي، أما بعد بدء الأزمة، فقد أثبت الشباب مقدرتهم على لعب دور إيجابي كبير وتقديم الكثير من الخدمات لمجتمعهم، بدءاً من المساهمة في تقديم المساعدات للأسر المهجّرة والمتضرّرة، ورفع معنويات الناس، والتعبير عن التمسك بالوطن، وصولاً إلى حمل السلاح والدفاع عن بلدهم في وجه الإرهاب المتعدّد الوجوه والمصادر. ولكن وبعد مرور أربع سنوات على بدء الأزمة المريرة، يجد الشباب أنفسهم عالقين بين الشعور بالواجب تجاه بلدهم، وبين مشاكلهم الاقتصادية التي تفاقمت وتأثرت سلباً بسبب الظروف الراهنة، وأصبح البحث عن فرصة عمل يشبه البحث عن ابرة في كومة قش،خصوصا في ظل مستويات المعيشة التي أطاحت بأحلام الكثيرين بتأسيس حياة أسرية معقولة.
للحديث عن هموم الشباب وماذا يريدون وما هي أولوياتهم، عقدت الكثير من الندوات الحوارية والبرامج التلفزيونية، شارك فيها الكثير من المثقفين والمسؤولين وأعضاء مجلس الشعب وعدد من الشباب من مختلف القطاعات والفئات العمرية، وتركز الحديث على محاور التعليم، وفرص العمل وحريات التعبير، وكان السؤال الأكثر حضوراً هو: «ماذا يريد الشباب؟ هذا السؤال الذي يتكرّر طرحه في كلّ مناسبة تتعلق بمشاكل الشباب، مع أنه معروف للقاصي والداني، أنّ مشكلتهم الرئيسية هي التخلص من حالة البطالة، والقدرة على تأمين سبل العيش الكريم، وخصوصاً أنّ نسبة البطالة وصلت في عام 2013 إلى ما يزيد عن الـ 54 في المئة حسب تقرير صادر عن المركز السوري لبحوث السياسات.
وبقي الغائب الأساسي عن كلّ الحوارات الإعلامية، هو حالة التغيير الحاصلة في سوق العمل عالمياً، حيث أنّ الوظائف الدائمة لم تعد متاحة كما كانت من قبل، ليس في سورية فقط بل في العالم بشكل عام، والتوجهات الجديدة في سوق العمل يمكن تلخيصها بما يلي:
الاتجاه الأول: عقود العمل الموقتة المحدّدة المهام والقصيرة الأجل والمرتبطة بمشاريع معينة أو بأعمال معينة خلال فترة زمنية معينة، أو العمل بشكل حرّ ومع أكثر من جهة أو ما يسمّى Freelancer دون التزام بمكان أو توقيت محدّد، وخير مثال على ذلك مثلاّ، الصحافيون والكتاب والمبرمجيون والمعماريون ومصممو الغرافيك وأعمال الإعلام والدعاية والإعلان… وغيرها الكثير من الوظائف الأخرى، وغنيّ عن القول، إنّ تلك الوظائف أو العقود الموقتة لها انعكاس سلبي على حياة الأفراد، حيث يعيشون قلقاً وشعوراً بعدم الأمان!
الاتجاه الثاني: التشغيل الذاتي، أوself-employment ، يقوم من خلاله الفرد بخلق فرصة العمل بنفسه، من خلال تأسيس مشاريع صغيرة تعتمد على الخلق والابتكار سواء في ورشة أو محترف أو مؤسسة فردية صغيرة أو متناهية الصغر، بالتأكيد لا يمكن الحديث عن المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، بدون ذكر العوامل التي تمكن الشباب وتشجعهم على تأسيس مشاريعهم الخاصة:
1 – تطوير البيئة التشريعية للأنشطة الاقتصادية، والتمييز بين الشركات الكبيرة والمتوسطة والمشاريع الصغيرة أو المتناهية الصغر، التي عادة ما تكون هشة لا تقوى على مواجهة متطلبات إنشاء أو إقامة الشركة، وإيجاد مراكز للاستشارات والتدريب ودراسات الجدوى.
2 – مساعدة المشاريع الصغيرة في الوصول إلى التمويل، وهو أكبر تحدٍّ يواجه تلك المشاريع، بسبب عدم قدرتهم على توفير الضمانات اللازمة للحصول على القروض.
3 – المساعدة في التشبيك مع المنتجين والزبائن داخل وخارج البلد، لتخطي مشاكل التسويق وبيع المنتجات، حتى تتمكن المشاريع من تحقيق ربحية معقولة تمكنها من الاستمرار.
السؤال الملح الآن: هل شبابنا اليوم مؤهّلون للإقلاع بمشاريعهم الخاصة؟ وهل يمتلكون ما يكفي من القدرات للتأقلم مع هذه الاتجاهات العالمية في سوق العمل؟ التي عادة تحتاج مثل هذه الأعمال إلى قدرات تنافسية عالية، وتطوير مستمرّ للقدرات والمواهب والخبرات، حيث تقول جامعة هارفارد عن نفسها، بأنها لا تخرج شباباً ليعملوا، بل ليقوموا بخلق وظائف وفرص عمل للآخرين.
إنّ العمل وفق طريقة العمل الحرّ أو ما يُسمّى الـ free lancing، الذي يعني العمل دون ارتباط بزمن معيّن للدوام ومكان العمل، وهذا يحتاج إلى ذهنية مختلفة ومهارات كثيرة، ليست متوفرة بنسب كبيرة لدى شبابنا، بسبب المناهج التعليمية التي لم تهتمّ بصياغة الشخصية القادرة على استنباط المعرفة وتوظيفها، بل خرّجت شباباً يبحثون عن الوظائف طويلة الأمد، بمهام محدّدة وراتب ثابت، هذا الشكل التقليدي الذي أصبح قليلاً في كلّ أنحاء العالم.
برغم ما قدّمته تكنولوجيا المعلومات من خدمات جليلة للحصول على المعرفة، أظهرت بعض الاستقصاءات التي أجريت لمعرفة ميول الشباب واهتماماتهم بعيداً عن فرص العمل، أنّ تعامل الشباب مع الانترنت وتكنولوجيا الاتصالات يكاد يقتصر على برامج التواصل الاجتماعي والمحادثة والألعاب الالكترونية، والاكتفاء بإطلاق الأفكار السريعة والتعبير عنها بشكل مختصر، ضمن سياق الميل إلى تلقي الثقافة السهلة والسريعة، من خلال قراءة ومشاركة المنشورات القصيرة برغم أنها لا تستطيع إعطاء فكرة عميقة ومتكاملة مدعومة ببراهين وأمثلة عن أيّ موضوع، في حين يتمّ إهمال المقالات والأبحاث الطويلة، وهذا يفسّر نجاح بعض المبادرات الشبابية لتي تعتمد الثقافة السريعة، وصفحات التواصل الاجتماعي التي تستقطب اهتمام آلاف الشباب، بينما لا تحظى مقالات ذات قيمة بحثية ومعرفية عالية بالكثير من اهتمام الشباب، وبالرغم من أنّ جزءاً كبيراً من اللوم يتحمّله النظام التعليمي الذي لم يتطوّر كثيراً، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى الجهود التي يجب أن يبذلها الشباب أنفسهم، حيث وفرت لهم وسائل التواصل الحديثة كماً هائلاً من المعلومات، التي يمكنها مساعدتهم على بناء ثقافة ومعرفة لخلق أعمال ومشاريع خاصة بهم، ولعلّ أهمّ تلك الجهود يجب أن تتركز على الطريق إلى تغيير الذهنية المعتمدة على النمطية والاستسهال.
اليوم، أسئلة كثيرة تطرح نفسها، مثلاً: هل يمكن تجاهل حاجة الشباب للعمل لوقت طويل؟ هل يمكن للمجتمع تحمّل تبعات عدم وجود فرص عمل للشباب؟ هل يمكن للدولة أن تستثمر في فرص عمل مناسبة، في ظلّ انخفاض واضح في الإيرادات العامة للدولة؟ هل يمكن والحالة هكذا… أن نوقف هجرة الشباب بحثاً عن لقمة العيش؟ هل تمّت دراسة انعكاس هجرة الشباب على البلد؟
واضح أنّ الإجابات على تلك الأسئلة ستكون بالنفي، وهنا تظهر جدية التحديات المتعلقة بمستقبل الشباب وهمومهم، لذلك، لا بدّ من تضافر جهود الدولة والمجتمع المدني بما فيها النقابات المهنية والجمعيات الأهلية مع الشباب أنفسهم، لتجاوز المعوقات التي تواجه الشباب في مشاريعهم أو خلق فرصهم الخاصة، سواء من حيث تخطي المشاكل الناجمة عن ضعف المستوى التعليمي والمهارات الإضافية اللازمة، أو الحصول على التمويل والتدريب والاستشارات اللازمة، خصوصاً أنّ الدولة لن يكون في مقدورها في الأمد المنظور القيام بالاستثمارات الكافية لتأمين وظائف ثابتة وذات جودة معقولة لتأمين مصادر دخل مستدامة وآمنة للشباب.