بندقيّة للإيجار… حرب الإرهاب على سورية والردّ من درعا وحمص د. فيصل المقداد نائب وزير الخارجية السورية
لستُ أنا من قام بصكّ هذا التعبير «بندقية للإيجار» بل أنّ أدباء وسياسيين وصحافيين هم الذين استخدموه في كتابات حول استئجار دول أو أفراد قتلة لارتكاب جرائم، تحقيقاً لأغراض شخصية أو سياسية أو اجتماعية. ولا تعتبر عملية استئجار السيوف والسكاكين والخناجر أو البنادق أمراً جديداً، وعلينا ألاّ نستغرب ما نتابعه بقلق في الفترة الأخيرة حول إمكان تقديم بعض الدول أسلحة دمار شامل المجموعات الإرهابية كما حدث عندما قدّمت تركيا والسعودية بتعاون مع الاستخبارات الأميركية مواد كيميائية سامّة إلى المجموعات الإرهابية في سورية لإيجاد ذرائع للعدوان على سورية، وهذا نوع جديد من بنادق الإيجار. وعند تناول الحالة السورية علينا، بدءاً، أن نحدد من هو المستأجر ومن هو الأجير، ولا نعتقد أنّ ذلك عصيّ على القارئ المتابع، فالأمور ليست بذلك التعقيد. فإذا كانت «إسرائيل» هي صاحبة المصلحة في الدمار الذي حلّ بسورية يصبح واضحاً أنّ حلفاء «إسرائيل» وأدواتها وأدوات حلفائها الأميركيين والأوروبيين وعلاقاتها مع بعض الحكّام العرب هم الذين يقومون بإيجار البندقية لمرتزقتهم لتنفيذ أعمال القتل والتدمير والاغتيال والاغتصاب وتجنيد الأطفال وممارسة «جهاد النكاح» وضرب الجيش العربي السوري وإبعاده عن مهمته الرئيسية في إنهاء الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي العربية.
لا نحتاج إلى أيّ أدلّة على أنّ البندقية التي يحملها الإرهابيون والقتلة هي بندقية استأجرتها أجهزة الاستخبارات الأميركية و«الإسرائيلية» والغربية قبل بداية الحوادث في سورية في آذار عام 2011. ويعرف الجميع أنّ ذلك لم يعد سرّاً، فالبندقية كانت موجودة والسيناريو كان مرسوماً بدقّة. والأمر لا يحتاج البتة إلى تدبيج مقالات وبراهين على أنّ كل شيء كان معداً للحظة الصفر التي حددتها الدول إياها وسفاراتها «وأحبتها من القتلة والإرهابيين». شراء المتظاهرين، أداوت التضليل الإعلامية على أهبة الاستعداد لبدء تضخيم الحوادث والمظاهرات… القتلة موجودون على أسطح المنازل ليقتلوا متظاهرين هنا، وآخرين هناك. واسترسالاً في المخطط وجهوا اتهاماتهم الباطلة إلى أجهزة حفظ النظام السورية بقتل هؤلاء الضحايا، وبعد ذلك استثمار دفن هؤلاء الضحايا والمتاجرة بدمائهم من قِبَل من أمر بقتلهم «ويسير في جنازاتهم» وهكذا خلق دائرة شريرة هدفها الأوّل والأخير قتل سورية شعباً وبلداً ومبادئ وإمكانات هائلة حشدت طيلة سنوات لاستعادة الحقوق المسلوبة لأمتنا العربية وإثبات أنّنا أمة تستحق أن تعيش تحت الشمس وفوق الأرض بعزّة وكرامة.
يعتقد البعض واهماً، خاصّةً في ممالك وإمارات العرب الخليجية وغيرها، أنّ أميركا التي رتّبت أوراقها وحشدت طاقاتها وعملاءها وإعلامها لإسقاط سورية وإخضاعها لـ«إسرائيل» ولهيمنة الدول الاستعمارية، تقول للشيء كن فيكون. وتصور هؤلاء خطأً انّ سورية ستكون خلال أيام أو أشهر قليلة لقمة سائغة طالما أنّ السيد «الإسرائيلي» الأميركي قد اتخذ القرار بإسقاطها. إلاَّ أنّ حساب الحقل لم يتطابق مع حساب البيدر!
لم تترك الولايات المتحدة وأدواتها الغربية في باريس ولندن وغيرها، طبعاً بالتعاون مع أدواتها وعملائها وبيادقها الإقليميين المساكين وفي المنظمات الدولية، شيئاً من المكيافللية بكل أبعادها الشريرة ومبدأها الأساسي «الغاية تبرر الوسيلة» إلاَّ واستخدمتها، بما في ذلك وعلى نحو مكشوف الإرهابيون الذين استقدمتهم من كل أنحاء العالم للنيل من سورية. إرهابيون لبنانيون وشيشان وأفغان وباكستانيون وليبيون ومصريون وأردنيون وأتراك وأميركيون وفرنسيون وسعوديون وهولنديون وبلجيكيون وكويتيون وقطريون وإماراتيون زجت بهم تلك الأطراف بلا خجل أو تردد أجهزة الاستخبارات الغربية في حربها على سورية. وهكذا لم يعد غريباً أن تستأجر الولايات المتحدة وأدواتها بندقية تنظيم «القاعدة» وفروعها المتمثلة بـ»النصرة» و«الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام»، ومؤخّراً «الجبهة الإسلامية» ومئات الألوية والتنظيمات الإجرامية. فتحت بأوامر أميركية كل مخازن السلاح الليبي والسعودي التي نقلوها إلى تركيا ولبنان والأردن ومنها إلى سورية، ووصل الأمر أخيراً إلى تزويد مجاهديهم صواريخ تاو «غير القاتلة» وهكذا يفعل البريطانيون. أمّا الفرنسيين والآخرون من الغربيين في الناتو، فقد أوهموا الأردن وتركيا أنّ سورية ستغزوهم فنصبوا صواريخ الباتريوت على أرض هذين البلدين في مسرحية «بايخة» لا تنطلي على أحد، بينما يستقبل بنيامين نتنياهو «رمز الرحمة بالشعب الفلسطيني» «المجاهدين من «النصرة» و«داعش» في سورية في مستشفياته ليعالجهم وبعد ذلك يعود إلى إرسالهم لإكمال رسالة الجهاد الصهيونية!
ارتكب أعداء سورية وداعمو الإرهاب فيها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية. وما يجب كشفه هو أنّ هؤلاء الذين روّجوا أنهم يحترمون القانون الإنساني الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف الأربع وملحقاتها، كذبوا على العالم لأنّ قوّات الجيش العربي السوري لم تبدأ معركة واحدة في سورية ضد مدنها وقراها ولم تطلق رصاصة واحدة على قرية أو بلدة أو مدينة سورية، بل أنّ جهدها طيلة هذه السنوات كان ضد الهجمات التي تعرضت لها هذه المدن والبلدات والدفاع عن مواطنيها الأبرياء الذين واجهوا وحشية الإرهابيين بصدورهم العارية في حلب وكسب وعدرا والحسكة والرقّة ومعلولا وصدد… بينما يتباكى الغرب ويذرف دموع التماسيح على المدنيين السوريين وعلى الأطفال واللاجئين والمهجّرين والنازحين، وهم يعرفون أنّهم هم الذين صنعوا هذه الكارثة بكامل تفاصيلها ويتحملون مسؤولية دماء السوريين وعذاباتهم، بعدما كانت سورية تنعم حتى قبل يوم 18/آذار/2011، بالتنمية والأمن والأمان والاستقرار الذي كانت دول المنطقة كلها تحسدها عليها. وصلت معدلات التنمية قبل ذلك التاريخ إلى ما يزيد على 8 سنوياً. وما يعرّي سياسات داعمي الإرهاب وبنادقهم المستأجرة تلك الحماية اللامحدودة التي وفّروها للإرهابيين في مجلس الأمن والأمانة العامّة للأمم المتحدة التي استساغت التطاول على الدول الأعضاء في المنظمة الدولية وارتداء ملابس الرهبان والقديسين التي دنّسها هؤلاء المسؤولون بنفاقهم وكذبهم تحت راية حقوق الإنسان التي لم يبق فيها حقوق أو إنسان، خاصّةً عندما تتبنّى مشاريع القرارات التي طرحت أمام مجلس الأمن والجمعية العامّة جهات مثل ممثلي آل سعود الذين يصابون بالإغماء عندما تذكر أمامهم كلمات حقوق الإنسان والديمقراطية والشفافية والحكم الرشيد. وأخطر ما في هذه التظاهرات على منابر الأمم المتحدة هو تغييب القضية الفلسطينية التي كانت تعقد هذه الاجتماعات في مجلس الأمن والجمعية العامّة حولها، بينما تمّ تحويلها الآن وبمخطط صهيوني أميركي غربي سعودي إلى اجتماعات ضد سورية. وهكذا نجحت السعودية «نجاحاً منقطع النظير» كانت «إسرائيل» تنتظره منذ إنشائها، إذ أصبحت القضية الفلسطينية هامشية وثانوية بعدما كانت قبل هذا «الربيع العربي» الشغل الشاغل للمجتمع الدولي.
بلى، استأجر الأميركيون تنظيم القاعدة الإرهابي واستخدموا كل من هبّ ودبّ في حربهم على أفغانستان وسلّحوا هؤلاء الإرهابيين بالصواريخ المضادة للطائرات وأخذوا منهم في المقابل دمار أفغانستان وجوارها وقتل مئات الآلاف من أبنائها وأبناء باكستان. ونشر الأميركيون قواعد «الجهاد» التي وصلت راياتها وأعمالها في 11 أيلول 2001 إلى نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا. أمّا الحرب العالمية على الإرهاب والتي دعمتها الأمم المتحدة وسائر دول العالم، فقد أصبحت حرباً انتقائية عملياً. فإذا خدم الإرهابيون مصالح أميركا وحلفائها الغربيين كما هو الحال في سورية، فإنّ الاجتماعات لما يُسمّى «أصدقاء سورية» تنعقد فوراً لتأذن بتقديم جميع الأسلحة الممكنة إلى هؤلاء «الملائكة»، بما في ذلك صواريخ تاو وغيرها أو تقديم «أسلحة غير فتّاكة» مثلما يدّعون، وهي حكماً أسلحة فتّاكة بما في ذلك أجهزة الاتصالات وعربات النقل أو ما قدّمه بعض «الأشقاء» اللبنانيين من «بطانيات» و«حليب أطفال» ممزوجة بالبودرة البيضاء «الصحية» والأوراق الخضراء لشراء ضمائر الناس وبندقيتهم.
الولايات المتحدة وأوروبا التي تدعم الإرهاب لقتل السوريين فوجئنا بأنّ الإرهابيين وصلوا إلى أطراف مدنها وأجهزة إعلامها وقنوات التواصل الاجتماعي فيها. وها هم مرّة أخرى يعلنون «النفير الجهادي الغربي» لحماية مدنهم وعواصمهم. لكن ماذا عن السوريين الذين أرسل الغربيون والأميركيون آلاف الإرهابيين المرتزقة لقتلهم وزوّدوهم كل ما يلزم لأداء هذه المهمة «الديمقراطية والسلمية»، فإنّهم لا يأبهون بهم فهم غير معنيين بذلك. نسوا، ويا لسرعة النسيان، 11 أيلول والإرهاب في شوارع لندن وباريس وروما ومدريد…!
نقول لهؤلاء وغيرهم، خاصّةً لعائلة آل سعود والإمارات الأخرى التي صدّرت بشكل معلن أمام الملأ مليارات الدولارات إلى هؤلاء القتلة: إنّ من يزرع الريح لن يحصد إلاَّ الأشواك والعواصف. إنّ العائلة السعودية هي الأم الحقيقية لـ«القاعدة»، ويعرف الجميع أنّ بندر بن سلطان كان قائدها الفعلي منذ السنوات الأولى لهذا القرن.
ها هي سورية تنتصر بفضل شعبها الواعي وجيشها الباسل ودماء شهدائها وحكمة قيادتها ودعم حلفائها المقاومين وأصدقائها الاستراتيجيين الكثر.
وإذا كانت شرعية القيادة السورية وتدمير الدولة السورية هدفاً مركزياً لأعداء سورية، فإنّ الانتخابات الرئاسية المقبلة بأعمدتها الدستورية والقانونية المتطورة، ستنسف آخر محاولات إسقاط سورية وتفتيتها. ونقول لأولئك الذين يتشدقون بأنّ إجراء الانتخابات الرئاسية يتناقض مع نص بيان جنيف وروحه، بأنّ بيان جنيف يؤكّد بشدّة على أهمية استمرار عمل مؤسسات الدولة السورية، فلماذا تكذبون؟
مثلما كانت بعض الدول العربية المستأجرة كبندقية المرتزقة ، هي ومالها وسلاحها و مخابراتها وفضائياتها للنيل من سورية ، ومثلما أستأجرت بندقية الإرهاب ، كان أصل الصفقة والحرب وجهين لعملة واحدة، وكان الهدف إخضاع أو إقناع سورية لتكون هي البندقية المستأجرة لتقتل ثوابتها ومكانتها القومية بأيديها، قبل أن تؤول المهمة القذرة إلى من ارتضاها وارتضى معها هوان التواطؤ والتآمر، فكان المطلوب أن تغادر سورية موقعها كقلعة للمقاومة وأن ترتضي أن تكون الشرطي المكلف بحماية أمن «إسرائيل» او المنكفئ من أمام «الإسرائيلي» ومشروعه العدواني الذي يستهدف الأمة العربية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، ولكن لأنها سورية، ولكن وبصورة خاصة لأن رئيسها هو الدكتور بشار الأسد، حملت سورية عن كل العرب قول الـ لا وتحملت المخاطرة بأمنها ودماء شعبها وعمرانها، لتثبت أن بين العرب رجالا لا يركعون إلا لله، وأننا أمة ستحجز مكانها بين الأمم وتحت الشمس ولو كره الكارهون.
الصفقة والحرب انتقلت وجهتهما إلى صدر سورية، بأيد عربية وغربية لأنها قالت لا وبقي الهدف دائماً اغتيال قدرتها على أن تكون وطناً أو على الأقل ألا تكون دولة، وها هي بثبات وصمود شعبها وجيشها ورئيسها تسترد عافية الوطن بقوة مؤسسات الدولة، وللذين لا يعرفون معنى تمسك وإصرار سورية على إنجاز استحقاقها الرئاسي بهذا العزم وبلا تردد، ومهما ارتفعت الأصوات النشاز بل ربما بصورة إضافية بسبب ارتفاع هذه الأصوات النشاز، نقول إن قيمة سورية الوطن والدولة تتجسد في إثبات هذه القدرة وحماية المؤسسة الأساس في الدولة وهي مؤسسة الرئاسة، وها هو الشعب السوري يخرج من درعا برمزية الردّ على ما خطط لهذه المحافظة عكس تاريخها كمنطقة عريقة في عروبتها، وسيخرج في الثالث من حزيران في جميع المدن والبلدات والقرى ليقول كلمته في هذا الاستحقاق الدستوري، وها هي حمص التي أرادوها عاصمة حربهم، تخلع ثوب الحرب وتلبس ثوب السلام الأهلي بعهدة الجيش العربي السوري، مقدمة لما سيكون عليه حال كل مدن وبلدات سورية وقراها، لتكتب سورية ملحمة وجودية نادرة في القرن الحادي والعشرين، يعرف فيها وبنهاياتها تجار البنادق المستأجرة برتبهم المختلفة، الدروس والعبر ليكونوا مثالاً لمن يلعب هذه اللعبة مع الشعوب الحرة.
سورية قيادةً وشعباً وجيشاً تؤكّد يومياً أنّها لا تتخلّى ولا تتنازل عن سيادتها واستقلالها وكرامة وشرف شعبها مهما بلغت التضحيات. أمّا للبنادق المأجورة والمرتزقة ومشغليهم فنقول: انتهت اللعبة، والمجد والخلود لشهدائنا شهداء سورية الذين قتلتهم بنادق الغدر والغباء. الغار والمجد لصانعي انتصار سورية وجميع الشرفاء والأصدقاء المخلصين للقيم الإنسانية والتحرر والديمقراطية والتقدّم وحريّة الشعوب.