ماذا تريد «إسرائيل» عسكرياً من التصعيد؟

ليست خافية العلاقة بين التصعيد «الإسرائيلي» بالغارات التي استهدفت منطقة القلمون قبل أيام، أو تلك التي استهدفت مجموعة من المقاومين على الحدود السورية مع الجولان المحتل، بمحاولة كسر ميزان الردع الذي رسا بعد العملية النوعية للمقاومة في مزارع شبعا وتأهّب المنطقة للدخول في حالة حرب، وتراجع «إسرائيل» تحت شعار امتصاص التوتر، رغم أنّ «إسرائيل» قامت بانتقاء دقيق لهدفها الأول الذي قد يكون فراغات جغرافية لا وجود لسلاح ومستودعات وشاحنات فيها، لكنها قالت إنها بالواسطة دون إعلان رسمي أنها استهدفت شحنات سلاح نوعي من سورية إلى حزب الله، وهو العنوان الذي تعتبر «إسرائيل» بحكم سوايق مشابهة أنه من ضمن قواعد اللعبة، وبالتالي لا تصل المواجهة المحدودة إلى حدّ حرب، ومن ضمن الأهداف التي ينظر إليها الغرب كأهداف مشروعة، وتراها روسيا لعبة من ينجح أولاً، فإنْ نجحت المقاومة في نقل السلاح، وأوصلته إلى حيث تريد كان به، وإنْ كشفته «إسرائيل» بإمكانها ضربه.

تعلم «إسرائيل» رغم التحاذق في الخيار الأول للعمليات، في القملون، أنّ الخيار الثاني لضرب مجموعة مقاومة تحاول التسلّل، يمكن أن يكون في سياق قواعد الاشتباك ايضاً، باعتبار المنطقة التي اختارتها للغارة تقع قرب خط فصل القوات، وليست بعيدة إلى درجة يصعب تصديق ادّعائها، ومن جهة ثانية يسهل ربط قيام المقاومة أو سورية أو فصائل فلسطينية بعملية التسلل رداً على الغارات الأولى، وبالتالي ترسم «إسرائيل» غاراتها على حافة الهاوية، وليس في قلب قرار المغامرة بحرب أو الاستدراج إليها.

لكن «إسرائيل» تعلم أنّ المردود الإعلامي والمعنوي للغارات، دون ردّ موجع سيصيب ميزان الردع، ويمنحها وضعاً معنوياً أفضل، وتعلم لذلك أنّ المقاومة ستكون مجبرة على الردّ، وتعلم انّ هذا الردّ سيعني تسخيناً للجبهات، ولو بقي تحت عنوان حرب الاستنزاف، بعمليات محسوبة، تحت السقف عدم الذهاب للحرب.

تحقق «إسرائيل» بذلك إعادة تصويب مفهوم ميزان الردع وقواعد الإشتباك، باعتبارها ترعى عدم رسم خط أحمر للمقاومة بالتواجد في الجولان، لكنها ترعى أيضاً عدم رسم خط أحمر لـ«إسرائيل» بضرب عمليات التسلل ونقل السلاح.

إلى جانب هذا الهدف المتصل بالتوازنات الكبرى، لا بدّ من أهداف عسكرية تريدها القيادة «الإسرائيلية» في الأيام الحساسة التي تعيشها المنطقة عشية التوقيع المرتقب في نهاية حزيران المقبل على التفاهم النووي الإيراني مع دول الغرب بصيغته النهائية، فتبدو «إسرائيل» وحليفيها التركي والسعودي في وضعية التأهب والتصعيد، لفرض حرب استنزاف، على محور المقاومة تشكل سبباً لصيغة تسوية شاملة لوقفها.

وفقاً للخبراء العسكريين يمكن القول بثقة إنّ «إسرائيل» تعمل للحصول على قرار أممي يشبه شكلاً القرار 1701 على الحدود مع لبنان، لكنه بديل عنه وأوسع وأكثر شمولاً، فيشكل مقايضة مع سورية والمقاومة بـ«التنازل الإسرائيلي» عن نظريات الحزام الأمني الذي كانت «إسرائيل» أوكلته إلى «جبهة النصرة»، ويصير بديلاً لاتفاق فك الاشتباك مع الجيش السوري على حدود الجولان المحتلّ، بديلاً من القرار 1701 على الحدود مع لبنان.

تتطلع «إسرائيل» إلى تسخين يضع الجبهتين اللبنانية والسورية على حافة حرب، فيصير التدخل الدولي ضرورياً لوقف التصعيد، وإصدار قرار تسعى «إسرائيل» لكي يتضمّن نشر قوات من الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن على خطوط الحدود الدولية مع لبنان وسورية وفقاً لترسيم الأمم المتحدة، وترك الخلافات للتفاوض، سواء في ما يخصّ خط العام 1967 مع سورية أو أيّ نقاط لبنانية ما عدا مزارع شبعا التي ستغادرها «إسرائيل» مع أي انسحاب حتى الحدود الدولية مع سورية لحساب الجيش السوري.

شهران حاسمان تتأرجح فيهما المنطقة على الجبهة مع «إسرائيل»، بين احتمالات الحرب والهدنة والتسويات، ويبقى مستوى ردّ محور المقاومة هو الذي يقرّر الاتجاه النهائي.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى