«عاصفة الحزم» في سورية: ثمن التهدئة
عامر نعيم الياس
سقط معسكر القرميد في إدلب، قبله بيومين فقط أعلن انسحاب الجيش السوري إلى محيط بلدة جسر الشغور الاستراتيجية التي تقع على طرق إمداد الجيش السوري باتجاه معاقله الأخيرة في محافظة إدلب سواء في معسكر المسطومة أو في مدينة أريحا وقرية محمبل وجبل الزاوية، أما مدينة إدلب التي كانت باكورة عملية العدوان التركي السعودي ـ القطري، فقد احتُلت من جانب «جيش الفتح» بقيادة «جبهة النصرة» في الثامن والعشرين من آذار الماضي.
فُتِحَت الحدود التركية على مصراعيها لإدارة العدوان على سورية بآلاف المقاتلين التركمان والشيشان الذين احتلوا كسب السنة الماضية، وسط صمتٍ دولي وإقليمي من حلفاء سورية تحديداً، لا يطرح علامات استفهام بقدر ما ينبئ عن تحوّل في سياسة إدارة الصراع في سورية على مستوى الإقليم تحديداً. فما يجري رُبِط بمعلومات صحافية متقاطعة بجدول زمني يمتد حتى حزيران المقبل، وهو الشهر الذي يشهد نهاية مهلة إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والدول الست الكبرى، وفي هذا السياق لوحظ مؤشران بارزان يدعمان ما سبق:
ـ الأول: إعلان السعودية رسمياً إيقاف عملية «عاصفة الحزم» في اليمن، والبدء بالمرحلة الثانية منها المسماة «إعادة الأمل»، من دون أن يلزم ذلك الرياض وقف غاراتها الجوية الوحشية على المدنيين في اليمن، بل إن أعنف الغارات السعودية وقعت بعد قرار إنهاء عمليات «عاصفة الحزم»، فضلاً عن تشديد الحصار البحري والجوي السعودي على اليمن ومنع سفن بحرية إيرانية من تقديم المساعدالت الإنسانية للشعب اليمني الذي يعيش وسط ظروف قاسية، كل ذلك من دون ردّ فعل يذكر من طهران.
ـ الثاني: بدء الهجوم المعاكس في سورية على جبهتَي الشمال والجنوب وبتدخل مباشر من تركيا و«إسرائيل» في المناطق الحدودية المحاذية لهما في الجبهتين السابقتين، واندفاع مدروس عبر خطة واضحة ومنسقة لإفشال التقدم الميداني للجيش السوري وحزب الله جنوباً، وتغيير الخريطة الميدانية في الجبهة الجنوبية وفي الجبهة الشمالية، وإن كانت الأخيرة هي الأوضح حتى اللحظة، وسط صمتٍ معلل من حلفاء سورية بعبارة السيّد حسن نصر الله «الصبر الاستراتيجي».
ما سبق من صمتٍ وإن كان مبرراً بالصمت الاستراتيجي إلا أنه لا يخفي تحوّل سورية إلى ساحة اختبار لهذا الصبر المرتبط بملفات أوسع تتعلق بأدوار اللاعبين الإقليميين في المنطقة وهنا تحديداً طهران والاتفاق النووي الذي سيسمح لها بالتحرر من أعباء الحصار ويعيدها شريكاً في إدارة الأزمات في المنطقة مع الولايات المتحدة الأميركية هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الطرف المقابل أو المعادي للدولة السورية يحاول قدر الإمكان الالتفاف على العائق السياسي المتمثل بالفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، ويحاول أيضاً الالتفاف على فشل الضربات الجوية في اليمن في تحقيق أي نتائج تذكر على الأرض، عبر استغلال الصمت الإيراني، واللعب على الضوء الأخضر الأميركي لتكرار التدخل الإقليمي في سورية تحت ستارة صيغة معدّلة غير معلنة من «عاصفة الحزم» تقوم على المزاوجة بين الضربات الجوية الموضعية كما في حال الغارات «الإسرائيلية» الأخيرة على الحدود السورية ـ اللبنانية في اليومين الماضيين، ونشاط غرفة عمليات أنطاكية في تركيا وحتى غرفة عمليات الموك في الأردن، واللتان تديران معركة «النصرة» وحلفائها على الأرض السورية، في ضوء عامل تهدئة أو بالأحرى عامل تكبيل آخر يتمثل بالدعوة التي وجهها المبعوث الأممي ستيفان ديميستورا لمؤتمر «جنيف 4»، وهو ما يساهم أكثر فأكثر في شلّ قدرات الدولة السورية والحلفاء على المبادرة في الوقت الحالي، لكن ما يجري من تشابك سياسي ينقل الأرض السورية من ساحة حرب مصيرية إلى ساحة مواجهة. أمرٌ من الممكن احتمال نتائجه حتى حزيران المقبل. ماذا لو حصل تمديد إضافي للتفاوض حول كتابة مسودة الاتفاق النووي الإيراني؟ ألا يؤخذ في الحسبان تأثير ما يجري على الأرض وتحديداً في شمال سورية على معنويات الجنود السوريين والمقاتلين في عموم أنحاء البلاد، قبل أن نتحدث عن الآثار المعنوية لدى القطاعات الشعبية، والانعكاس الاقتصادي لما يجري على مجمل الأوضاع في سورية؟
هل كلَف الصبر والاحتواء لإنجاز ما هو أهم على سلم أولويات حلفاء سورية أقل من كِلَف الهجوم المعاكس لاستعادة ما خسرناه خلال فترة الكمون التكتيكي إن صحَّ التعبير؟
«عاصفة الحزم» انتقلت إلى الأرض السورية متلافيةً أخطاء اليمن، وسط تنسيقٍ وتحالف شمل القوى الإقليمية المعادية، ما يفسّر عمليات الاندماج الأخيرة على الأرض، وربما يفسّر أيضاً دعوة ممثلين عن «النصرة» و«داعش» إلى مؤتمر «جنيف 4»، في بادرةٍ هي الأكثر دلالة على شكل الصراع في سورية ورهان القوى الكبرى الحقيقي على الأرض.
كاتب ومترجم سوري