الفشل السخي

شهناز صبحي فاكوش

صفعة كان لا بدّ منها لتلسع ذاك الفم النتن، الذي ينفث السم كالحية الرقطاء… عندما تفوّه المتحدث باسم القتلة السعوديين، في الأمم المتحدة متوعّداً سورية بعاصفة حزم كاليمن، فجاءته الصفعة من السفير السوري بشار الجعفري بقطع اليد التي تنال منها.

كان لا بدّ لمن أسماهم ملوكاً، ومكنهم من أرض لا يملكونها، وقايض عروشهم بفلسطين… ويورّطهم اليوم في عدوان ضدّ بلاد المنطقة، أن يفهمهم وهم يدفعون فواتير ثمن السلاح الذي يورده لهم ليضربوا العرب، أنّ نهايتهم مع نهاية أدوارهم.

حقيقة لعلهم أدركوها، لذلك يستمرّون في ضرب اليمن ليحوّلوه من السعيد تاريخياً رغم فقره إلى خراب. وطالما هو يقصف في اليمن فدوره لم ينته وسيظلّ عرشه قائماً. لكنه أغبى من أن يدرك أنّ هذه الورطة تكتب نهايته.

غباؤهم لم يوصلهم إلى التقاط رسالة أوباما بأنّ الخطر عليهم من شبابهم في الداخل وليس من إيران… لم ولن يتنبّهوا إلى أنّ الحريق سيشتعل من الداخل ليطال عباءاتهم. وأنّ الانهيار محتم عليهم لأنّ شعبهم يعيش على صفيح ساخن يفرقع بلحظة.

يحاولون محاربة إيران بالوكالة، هذا الادّعاء سَطرٌ في خطة مشروع الشرق الأوسط الجديد وسبله الفوضى الخلاقة. خطوط تعمل بالتوازي لإضعاف الدول العربية، لترتاح القوة الصهيونية في فلسطين المحتلة.

الصهيونية التي تحتلّ فلسطين، تقرّ دائماً أنها لم تكن قوية في ذاتها، بل تستمدّ قوتها من ضعف العرب. لذلك هي اليوم داعمة لكلّ ما يزيد من الضعف العربي. خاصة عندما يتحوّل سلاح العرب لبعضهم بعيداً عنها، وارتماء ما يدعى معارضة بحضنها.

تخطف اليمن الأنظار لترسل تركيا مرتزقتها فتجتاح إدلب كالجراد، تدّعي السعودية وحلفها وقف عاصفة الحزم، لكنها تستمرّ حين ترسل إرهابيّي النصرة إلى جسر الشغور. و«إسرائيل» تشرب نخب دماء العرب وتنتشي بتحطيم التاريخ وسرقة الآثار.

الأردن وتركيا تعملان على تنفيذ جزء من المؤامرة الكبرى. وتسهّلان مرور مرتزقة أكثر من ثمانين دولة، درّبوا وجهزوا للقتال في سورية وارتكاب مجازر مرعبة. توحي بقدرات تفرض تهجير المواطنين. في خطة صهيونية أشبه بما حدث في فلسطين.

ما زالت تركيا تحلم بمشروعها في إقامة منطقة عازلة، وهي تدير العمليات الإرهابية على الساحتين السورية والعراقية، ورغم رفض حلفاء سورية، إلا أنها تحاول تحقيق حلمها عبر ما تدعوه «داعش» من جهة، و«النصرة» من جهة أخرى، وكلهم أغراب قتلة.

الكلّ يعمل على قضم ما يمكن قضمه من الأرض شمالاً، بالدعم التركي بكلّ أشكاله. والمحاولات جنوباً بدعم أردني. والجميع موجه من غرف العمليات الصهيونية. لكنها جولات خاسرة، ولو بدت لبعض الوقت أنها محققة، فالجيش كفيل بالنصر.

التخطيط الصهيوني مع الدعم الأميركي، الذي لم يتخلّ عنه أوباما عند التخوّف من توقيع الملف الإيراني، لن يدع المتغيّرات الإقليمية تؤثر بأيّ حال من الأحوال على الأمن «الإسرائيلي»، فلا بدّ من تهجير جديد للفلسطينيين من دول المنطقة. بالذات في سورية، حيث تعتبر أنّ أهمّ ما يؤثر عليها وجودهم فيها وتلحق لبنان بذات المشهد.

الفشل يواجه السعودية وحلفها في اليمن، رغم تدميرها الكثير من البنى التحتية وإعلان عسيرها أنها حققت أهدافها… إنْ كان ذلك فلتعلن عن هذه الأهداف المفقودة قبل عاصفتها، الهدف الوحيد الذي حققته هو قتل الأبرياء المدنيين فشابهت «إسرائيل».

مصر التي دخلت حلفها ولديها من المشاكل ما لديها، ترى ستنتظر كثيراً لتنقلب السعودية عليها. وهل ستفي بوعدها المادي، أم ستحنث به كما فعلت مع لبنان؟ رغم فارق المعزّة، وهل سترحمها من الهدايا الداعشية؟ سؤال برسم قادمات الأيام؟

ما أسهل أن تتخلى السعودية عن حلفائها، هل أطفأت شعلة الهادي وهي تضيء شعلة سالم البيض بدعوته إليها… التلميذ يتعلم من أستاذه، أميركا تتخلى بطرائق أخرى عمّن تسمّيهم حلفاءها، وهم في الحقيقة أدواتها. حدث ويحدث وسنرى.

الحليف الوحيد الذي لن تتخلى عنه أميركا هو الكيان الصهيوني، فكلاهما ربيب الآخر، ويبقى المستعمر التاريخي القديم، البريطاني والفرنسي، كنافخ الكير ينتظر استعار النار أكثر، ستطالهم هذه النار بلهيبها، لأنّ «القاعدة» تعلن وضعهم على أجندتها.

الفشل تناله تركيا رغم كلّ الثقل الذي توجهه ضدّ سورية. في حلم عثماني حاقد لأنّ سورية أكثر من احتضن ضحاياهم من الأرمن. وهم في حقدهم الموروث يرفضون حتى الاعتراف بمجازر جدّهم السفاح، بل يعيدون كرّته على يد «داعش» في سورية والعراق، وهم واهمون إنْ ظنوا أنهم في مأمن منهم، فالعقرب في النهاية يلدغ ذاته.

الفشل بدأ يتسرّب في الجسد التركي بازدياد النقمة على أردوغان، وسيواجه مع مهندس سياسته داوود أوغلو أبشع مصير، في دولة علمانية ترفض الأخونة، خاصة واقتصادها يهتز وإنْ ببطئ. وهو الورقة التي يلعب بها أردوغان انتخابياً.

الفشل في سورية هو نهاية المؤامرة عليها، رغم ما يحدث على الأرض، فالغلبة في النهاية للحق، وإنْ كان للباطل جولة فللحق مع الجيش العربي السوري والمقاومة الوطنية جولات وللباطل زولة، خاصة عندما يتمّ الاتفاق بين المعارضة والدولة.

كما فشلت أميركا في تحقيق أيّ اعتداء على سورية، فإنّ الفشل سيكون سخيّاً، ليوزع أوراقه على كلّ من يستهدف المنطقة محاولاً تفتيتها، إنْ كان ممّن في داخلها السعودية ومن يحالفها، أو المتآمرين من خارجها، جميعهم سيقعون في شرّ أعمالهم، حتى لو كانت بوارجهم تضرب اليمن، فمن لا يمون على الأرض فاشل.

لا بدّ يدرك الغربيون وأميركا أنهم أهداف لـ«القاعدة» و«داعش»، لأنهم في نظرهم كفرة… والسعودية لا بدّ تفهم أنّ الخلافة المزعومة، عاصمتها مكة وملحقها المدينة.

أما الكيان الصهيوني الذي ينتظر أكل البيضة بعد تقشيرها… هو يدرك أو لا يدرك أنّ صفارها يتعقّد في الفم ويخنق البعض، ولا يتمكن أن يدركه مسعف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى