سجن رومية تحت أقدام الخلافات السياسية

هتاف دهام

لم تتعاط الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 حتى اليوم بجدية كاملة مع ملف سجن رومية، والسجون الأخرى. لم يمتلك أي وزير للداخلية أو للعدل جرأة اتخاذ موقف حاسم بحق الموقوفين الاسلاميين، بدءاً من الوزير حسن السبع للداخلية، إلى الوزير أحمد فتفت، وصولاً إلى زياد بارود، ومروان شربل، ومن الوزير شارل رزق للعدل، إلى ابراهيم نجار، وصولاً إلى شكيب قرطباوي، خشية من ردود الفعل.


وتخضع طريقة التعاطي مع الإرهابيين الإسلاميين في سجن رومية إلى المعايير نفسها التي حكمت التعاطي مع أحداث طرابلس وأحداث عبرا التي انتهت بتهريب الإرهابي أحمد الاسير الذي أصبح أميراً لجبهة النصرة في لبنان، كما تخضع لحسابات الأطراف السياسيين ورهاناتهم ومواقفهم السياسية مما يجري في سورية، ومشاركة حزب الله في القتال إلى جانب الدولة السورية، ووصل الأمر إلى حد طرح المقايضة بين مشاركة المقاومة في القتال في سورية وبين إطلاق الموقوفين الإسلاميين. وأصبح يصح القول إن سجن رومية بات تحت أقدام الخلافات السياسية.

إذاً، من يسجن الآخر في لبنان الدولة أم السجناء؟ فالأجهزة التقنية المثبتة في محيط سجن رومية، والتي كلفت وزارة الاتصالات 650 ألف دولار، لقطع الاتصالات داخل السجن والتشويش عليها وحجب الإنترنت، لم يتم العمل بها حتى الساعة، أليس هذا تعبيراً صريحاً عن العجز في الحسم، والخوف من رد الفعل الذي قد يقدم عليه السجناء، الذين أصدروا فتوى تبيح قتل من يتجرأ على اجتياز الخطوط المحظورة؟

لقد سقطت هيبة الدولة وسقط معها النظام والقانون، أمام تمرد الإرهابيين ومحاولات الفرار وارتكاب الجرائم بحق السجناء العاديين أو من يخالف الفتاوى التي يطلقونها، والتي تتم بغطاء ديني من مشايخ متشددين يدورون في فلك تيار المستقبل من أمثال سالم الرافعي، بلال دقماق، حسام صباغ، عمر بكري فستق، وبدعم سياسي واضح ومعلن من وزير العدل الحالي اللواء أشرف ريفي والنائب خالد ضاهر، ومعهما كثيرون من مسؤولي 14 آذار الذين يسعون الى إطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين، إرضاء لعصبياتهم الطائفية والمذهبية مع اقتراب الانتخابات النيابية.

فلاعتبارات سياسية وطائفية لم يحاكم الموقوفون الإسلاميون في عهد حكومات الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الدين الحريري، فكيف ستتعاطى الحكومة الحالية مع ملفهم، لا سيما أن وزيري العدل والداخلية فيها ينتميان قولاً وفعلاً إلى تيار المستقبل اللواء ريفي والنائب نهاد المشنوق؟

قد يكون سجن رومية الذي افتتح في عام 1970 من أكبر السجون اللبنانية، إلا أن طاقة استيعابه تعدت 1500 سجين لتصل إلى أكثر من 5500 سجين.

في البداية. كان سجن رومية يستقبل مروّجي المخدّرات والمتعاطين والمهربين، والمجرمين المتهمين بالقتل، والاغتصاب، واللصوص، إلى أن تحول اليوم إلى ملاذ آمن ومقر للإرهابيين.

لم يهتم أحد من السياسيين الذين تعاقبوا على وزارتي الداخلية والعدل من عام 1990 حتى اليوم بسجن رومية، الذي لا يتطابق أبداً مع حقوق الإنسان. وبينما كان من المفترض أن يشهد هذا السجن في السنوات الماضية على غرار السجون في الدول المتقدمة، تحسيناً وتطويراً كأماكن لتأهيل السجناء وتحسين أوضاعهم كما يجب ألا يختلطوا مع بعض، باعتبار أن الجرم ليس واحداً في كل الحالات، ومستشفيات تعالج الأمراض على أنواعها لا سيما العصبية منها، ليخرج بعدها السجين بثقافة جديدة، لا أكثر شراسة وإجراماُ، إلا أن ذلك لم يحصل. فسياسيو لبنان لم يأبهوا يوماً بما يجري داخل الزنزانات في سجن رومية، وغيره من السجون في زحلة وجزين. فلا أحد يسأل أو يعير اهتماماً لذلك السجن الذي يقبع خلف قضبانه اليوم المئات من الإرهابيين والمسلحين والتكفيريين، الذين جُرّموا بأحداث نهر البارد.

صفقة العفو في 2005

لا يخفى على أحد أن سجن رومية شهد حركات تمرد بين عامي 1990 و 1991، ومحاولات فرار، فتمرد آخر في عام 1998 استمر يومين في مبنى الموقوفين، أصيب خلاله أربعة أشخاص بجروح. وكانت مطالب المتمردين يومذاك تحسين ظروف السجن وإصدار عفو مماثل للعفو الذي صدر بحقّ السجناء الذين أدينوا بجرائم مخدرات قبل عام 1996، بمشاركة أكثر من ألف سجين، بعضهم كان مسلّحاً بقضبان حديد وقطع زجاج، وصولاً إلى أعمال الشغب التي أثارها عدد من موقوفي أحداث الضنية التي وقعت مطلع عام 2000 بين عناصر أصولية مسلحة وقوّة من الجيش اللبناني أسفرت عن سقوط 11 قتيلاً من الجيش اللبناني بينهم ضابط و16 شخصاً من المسلحين وستة مدنيين فضلاً عن جرح العشرات، أدت إلى اصطدام مع أفراد قوى الأمن الداخلي، وأسفرت عن إصابة سبعة موقوفين بجروح، واستمر الوضع على حاله، إلى أن أسدلت الستارة القضائية بالصفقة التي عقدت في عام 2005 بين تيار المستقبل ومسيحيي 14 آذار، تم بموجبها العفو عن سمير جعجع قاتل الرئيس رشيد كرامي مقابل العفو عن موقوفي الضنية بقيادة أبو عائشة.

إذاً في عام 2005 تغيرت طبيعة التعاطي القانوني مع السجناء. فقانون العفو كان بمثابة الضربة القاسية التي وجهت إلى المنظومة العقابية.

في صيف 2007، وبعد اندلاع معركة نهر البارد، التي ذهب ضحيتها أكثر من 170 شهيداً من الجيش وآلاف الجرحى، حدثت مواجهات بين حراس سجن رومية وموقوفي فتح الإسلام وبعض السجناء الإسلاميين، أحدثت بلبلة هائلة على أكثر من صعيد. وبعد أقل من عام مشهد التمرد يتكرر. ففي 24 نيسان 2008، أقدم السجناء على احتجاز بعض حراس السجن كرهائن وهددوا بقتلهم في محاولة للضغط على إدارة السجن لتحقيق مطلبهم في التخفيف من الإزدحام في غرف السجن والتي نقل على أثرها السجين يوسف شعبان الذي أقر القضاء الأردني ببراءته من جريمته وهي قتل دبلوماسي في الأردن ، في 2 أيار إلى حلبا، وذلك كنوع من العقاب له بعد تسببه بحالة التمرد.

رومية مستعمرة للارهاب

وعليه، فإن سجن رومية قد تحول منذ عام 2008 إلى مستعمرة للإرهاب وللجماعات الإسلامية المتطرفة، بات معسكراً تدريبياً لسجناء فتح الإسلام، فهم يمتلكون العدة والعتاد من قوة وسلاح، فالحركة لها ارتباطات إقليمية، يتواصل عناصرها الموجودون في السجن مع ما يسمى برفقائهم الجهاديين خارج السجن، في مخيمات لبنان لا سيما عين الحلوة، وفي شمال لبنان، وبقاعه.

في ذهن إرهابيي فتح الإسلام، أن أحداً لن يجرؤ على معاقبتهم. وهم سيخرجون كما خرج سواهم، فهم أنشأوا إمارة إسلامية في الداخل. وأصبح سجن رومية لا سيما المبنى ـ ب ـ بالنسبة إليهم حصناً حصيناً لا يمكن اختراقه.

واحة للتطرف الإسلامي

يحظى هؤلاء السجناء بكل المستلزمات، من أجهزة خليوي، وكومبيوتر، يتعاطون المخدرات، يعيشون حياتهم الخاصة بشكل طبيعي، في حوزتهم أسلحة ومتفجّرات تقرير فرع المعلومات تاريخ 17 5 2012 ، وأتت الإفادات الواردة في مختلف الاستجوابات لتؤكّد وجود أكثر من 25 مسدّساً حربيّاً مع الموقوفين الإسلاميّين في رومية. وعليه فإن تسيب هذا السجن شكل واحة للتطرف الإسلامي حيث يتيح لقياداته الإمرة والتحكم بالعمليات، من السلب ونقل الأموال وصولاً إلى الاغتيال والتفجير في لبنان وخارجه، والاتصال بالعديد من المجموعات اللبنانية في مختلف المناطق، وذلك عبر الإنترنت والهواتف الذكية من دون حسيب ولا رقيب.

تجنيد مقاتلين في سورية من الزنزانات

ومع بداية الأزمة السورية، دخل الكثير من عناصر الجيش السوري الحر الذي يضم في صفوفه عناصر من جنسيات مختلفة إلى سجن روميه، بتهم مختلفة، لكن سرعان ما اشتعلت نار الخلافات بين الجيش الحر وفتح الإسلام التي تريد إنشاء إمارة إسلامية في سورية ولبنان، مكفّرة في الوقت عينه الجيش السوري الحر، وصولاً إلى الإعلان من قبل القضاء اللبناني عن وجود لجبهة النصرة في رومية. وللمفارقة فإن العنوان الوحيد الذي بات معروفاً لجبهة النصرة، هو سجن رومية، وإن أعضاء القيادة متنوعو الجنسية والاختصاص فهناك اليمني أبو تراب وهو الأمير، والفلسطيني أبو عبيدة الموكل بالأعمال الأمنية، واللبناني أبو الوليد خالد يوسف المسؤول عن محطة الإنترنت الكائنة في الطبقة الثالثة من المبنى- ب – وآخرهم الروسيّ سيرغي فلاديمير خبير المتفجّرات ومصنّعها وهو صاحب باع طويل في الجهاد ضد الكفر بحسب قاموسهم، فقد قاتل في صفوف طالبان والقاعدة في العراق وأفغانستان وآذربيجان قبل ان ينتسب إلى جبهة النصرة في لبنان، والتواصل بينهم يجرى عبر جهاز السامسونغ S4 الذي يتيح رؤية صورة المتصل والمتلقي. ومنذ شهر تقريباً بايع معظم السجناء الإسلاميين من داخل السجن أبو محمد الجولاني أمير «النصرة» ويقومون بالإشراف على عمليات إرهابية وتجنيد مقاتلين في سورية ولبنان من زنزاناتهم، وذلك عبر استخدام منتديات «جهادية» سرّية خاصة بهم على شبكة الإنترنت، والخطورة تكمن في أن تواصل سجناء «النصرة» عبر الانترنت غير قابل للتنصت، وصولاً إلى استخدامهم كلمات مشفرة، فقد كشف جهاز أمني لبناني عن مكالمة هاتفية سجلت بين السجين الأصولي أبو تراب اليمني وقيادي في «النصرة» خارج السجن، استخدم خلالها كلمات مشفّرة تم ربطها لاحقاً بتنسيق سبق إحدى تفجيرات الضاحية الانتحارية؟

لقد ارتدى الموقوفون من فتح الإسلام عباءة «جبهة النصرة»، وجعلوا من المبنى ـ ب ـ في سجن رومية مقرّ قيادة تديرها لجنة سرّية من خمسة شيوخ لا يغادرون غرفهم في السجن، ويطلقون الفتاوى ويصدرون الأوامر إلى مجموعات مقاتلة في الشمال والجنوب والبقاع.

بدأت هذه الجبهة – فرع لبنان تنسق بين أفرادها بدءاً من سجن القبّة في طرابلس إلى مبنى الموقوفين ـ ب ـ في رومية، إلى سجن زحلة برئاسة أبو سليم طه الذي فعليّاً جنّد عناصر فتح الإسلام ليصبحوا عناصر جبهة النصرة في سجن رومية، لتبدأ عملية الفرار من عناصر فتح الإسلام وسواهم من رومية إلى سورية للقتال فيها، فضلاً عن العمليات الأخرى لمقاتلين لبنانيين جرى ويجري تنفيذها من قبل سجناء فتح الإسلام في رومية عبر جماعاتهم المنتشرة في طرابلس، بالتنسيق مع متزعم جبهة النصرة المدعو إبراهيم الأطرش وهو عم الإرهابي الموقوف عمر الأطرش والمدعو محمد الحجيري اللذين يتخذان من يبرود وعرسال مقراً لعملياتهم.

من الفرار إلى القتال في سورية

لقد شهد سجن رومية في الفترة الأخيرة عمليات فرار لأكثر من سجين من فتح الإسلام، فالسجناء هناك تداولوا مقطع فيديو تحت مسمّى «اثنين سقطوا شهداء أثناء جهادهم على أرض سورية» يظهر فيه قتيلان ممددان على الأرض، وقد تعرّف سجناء إسلاميون إلى هوية القتيلين اللذين فرا، مؤكّدين أن أحدهما هو السجين الفارّ محمود فلاح، الذي كان يُعرف أيام معارك نهر البارد بـ«أبو بكر الشرعي وأصبح المرشد الروحي لتنظيم فتح الإسلام والآخر يوسف درويش، إلى مقتل السجين الفار عبد الناصر سنجر في آب عام 2011، مع سجناء ينتمون إلى التنظيم نفسه، في محافظة إدلب السورية أثناء اشتباكات مع الجيش السوري، وقد نعته «جبهة النصرة» عبر الموقع الالكتروني المعتمد من قبلها، واصفة إياه بـ «أسد طرابلس الشام.

لقد ساعدت التدابير الأمنية المعدومة داخل سجن رومية في التخطيط والمباشرة بتنفيذ أكثر من عشر محاولات فرار في السنوات الثلاث الأخيرة كان أخطرها في 21 -12-2012، وتمثل في إحباط محاولة الفرار الجماعية التي تمّت بتنسيق كامل مع جهات خارج السجن.

لا يقتصر عمل هذه الجبهة على الفرار، فهي كانت تحضّر لعمليات قتل جماعية في السجن عبر عملية انتحارية تمهد لعملية هروب جماعية وكشف عنها في الأول من تشرين الثاني من عام 2013. وتم الكشف حينها عن رسائل نصية تناقلها مقربون من فتح الإسلام، تحمل مناشدة لمشايخهم من رومية تطالب أعضاء التنظيم في العالم بنصرتهم وفك أسرهم، قبل أن يضطروا إلى تحرير أنفسهم بأنفسهم وبنهاية مشرّفة.

وعليه، فإن كتائب عبد الله عزام التي كان يقودها ماجد الماجد وجبهة النصرة، باتت تطالب بتحرير موقوفي فتح الإسلام، أو ما يطلق عليهم الموقوفين الإسلاميين، وتضغط باتجاه ذلك، من خلال التفجيرات التي وقعت في الضاحية الجنوبية وبئر حسن، والتي تبنتها وتربط إيقافها بضرورة خروج حزب الله من سورية، وإطلاق ما يسمونه الأسرى الإسلاميون.

عملية تبديل للضباط والرتباء

والسؤال، هل سيتيقن سياسيو لبنان إلى التهديد الأمني الخطير المتمثل في سجن رومية مع وجود العديد من السجناء المرتبطين بالنصرة وداعش، الذين لا يفرضون الفتاوى فقط على المساجين الآخرين، الذين يخالفونهم السياسات الطائفية والمذهبية، بل يأتمر إليهم أيضاً الضباط من قوى الأمن الموجودين هناك؟ وهل سنشهد عملية فرار جديدة بعد عملية فرار السجناء محمد الجوني وسعد صبرا ومهند عبد الرحمن، التي أعيد فيها توقيف اللبنانيين جوني، وهو المتهم بقتل النقيب زيان الجردي أثناء عملية سطو على أحد مصارف المتن، وصبرا في ما لا يزال عبد الرحمن، وهو سوري الجنسية، هارباً، طليقاً؟ وهل سينفجر الوضع في سجن رومية قريباً لا سيما بعدما أشيع عن أن عناصر قوى الأمن الداخلي تتحضر لمواجهة عملية هروب جماعية يجري التحضير لها في المبنى ـ ب ـ؟ مع الإشارة إلى أن أي عملية فرار لا يمكن أن تتم، وفق عسكريين، إلا بمساعدة أمنية؟ ألا يستدعي ذلك عملية تبديل للضباط والرتباء من قبل قيادة قوى الأمن الداخلي؟ أسئلة تبقى الإجابة عليها رهن الآتي من الايام.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى