بين الثقة بالتضامن والشعور بالـ«مونة الزائدة»

روزانا رمّال

تعدّدت الأسباب و«ظرف لبنان ضاغط»، هكذا كان على الجنرال ميشال عون، العائد من فرنسا بعد سنوات البعد عن بلده، أن يتلقى عنوان السياسة العريض في لبنان، وهكذا قبل وتياره دفع ضريبة الانخراط في اللعبة السياسية كجزء لا يتجزأ من تركيبة صناعة السياسة في لبنان، خصوصاً مسيحياً.

عُرف عن ميشال عون الواقعية وبعض الحزم الذي يحمله معه كلّ عسكري يخوض غمار السياسة، فهو لا يعادي أو يخاصم من دون حساب، ولا يتصالح لحسابات عاطفية او قديمة زالت او انتهت صلاحيتها… لا يتغنّى بأيّ ماض قد يوقف مسار الحاضر المتغيّر بسرعة، ولا يعتبر انّ هناك ايّ «تابو» يمنع البحث في أي ملفّ يعود على لبنان برأيه بالخير.

عادى ميشال عون لفترة طويلة ما يسمّيه بعض اللبنانيين حتى اليوم النظام السوري، وعاد ليصالحه ويتحالف مع حليفه حزب الله عندما دعت الحاجة إلى ذلك، الحاجة عند العماد عون تعتبر حاجة للبلاد حسب تعبيره، وهذا تماماً ما أخذ مجرى الأمور إلى إنهاء حقبة خلاف طويل مع السوريين.

اقتضت الحاجة عند خروج سورية من لبنان ان يتصرف الجنرال عون كما فعل اليوم، فطالما أنها أصبحت خارج لبنان، وتحققت مصلحة لبنان في «الاستقلال» المنشود عن الوصاية السورية، او الحرية التي طالما حث أنصاره من المنفى على التمسك بها، فإنه لا يمانع أن يلغي صفحة السواد هذه ويتموضع واقعياً مع الحاضر الذي لا يمكن ان يغفل عنه بسبب ماض ذهب وتغيّرت ظروفه.

سلوك العماد عون وتجربته مع الاستحقاقات المصيرية حسب رؤياه تؤكد انّ الرجل لا يتهاون بالحقوق ابداً، ولهذا بدأت مشكلة دقيقة تلوح في الأروقة السياسية، فالكلّ يتساءل عما يمكن أن يتخذه عون من خطوات رداً على عدم التجاوب معه في «حماية حقوق المسيحيين» التي لا يريد لها سوى ان تنبثق عنهم كشركاء حقيقيين.

يحاول الجنرال عون وتياره الممثل في الحكومة وفي مجلس النواب، أن يقف أمام كلّ من يحاول التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ويرى في ذلك خللاً وتعدّياً على القانون، لكن ليس مؤكداً ما إذا كان حلفاء عون سيدعمون خياراته أفعالاً وأقوالاً حتى نهاية المطاف، ويبدو أنّ بعضهم كما توحي الأجواء لا يلتفت الى دقة هذا الملف، وإلى تمسك عون بما يسمّيه حقوقاً حتى آخر الفرضيات المتاحة أمامه.

في المقابل لطالما راعى عون حلفاءه من أجل المصلحة العامة، خصوصاً عندما كان الأمر يتعلق به كشخص، فهو سحب ترشيحه لرئاسة الجمهورية أمام العماد ميشال سليمان الذي أصبح في ما بعد رئيساً نتيجة اتفاق الدوحة بعد 5 و 7 أيار 2008، أما اليوم فإنّ رفض عون التمديد للقادة الامنيين فيه ما يكفي من تمسك بـ«حقوق المسيحيين» الذين سيخضعون بطريقة أو بأخرى لما يتقرّر إذا قبلوا التمديد لباقي رؤساء الأجهزة الامنية حكماً.

مراعاة عون لحلفائه تتطلب في الوقت عينه مراعاة حلفائه له، فهل سيقف هؤلاء معه في أيّ قرار حتى النهاية؟ وهل يستقيل وزراء التيار الوطني الحرّ إذا «حُشروا» في الزاوية؟

في هذا السياق تحدثت تقارير إعلامية «خليجية» لها متابعتها للشأن اللبناني، سواء لقول ما يضعف علاقة العماد عون بحلفائه، أو لنقل وقائع حقيقية عن لسان حلفائه، فتتحدّث عن استبعاد حركة أمل وتيار المرده الانسحاب من الحكومة في حال قرّر عون ذلك، وأنّ الأمر سيان بالنسبة الى حزب الله حسب مصادر الصحيفة الخليجية، لذا قد يعمد الى التغيّب عن الجلسات في أقصى الحدود لا أكثر ولا أقلّ…

مصادر حلفاء عون في «تكتل التغيير والإصلاح» تقول لـ«البناء» أنّ الحلفاء لم يدرسوا بعد أيّ خطوة في هذا الإطار، وإنهم لم يعلنوا أيّ موقف من هذا القبيل حتى الساعة، لأنّ هذا ملف حساس ويحتاج مزيداً من الدقة والتمعّن في تطوّراته، وإنه لا يمكن الحديث اليوم عن أي قرار متخذ».

أما حزب الله، فكما هو واضح يشارك التيار الوطني الحر في تأكيد مشروعية مطالبه، ومن خلال التجربة فإنّ موقفه واضح، وتحمّله اتهامات فريق 14 اذار بتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية بسبب تمسّكه بالجنرال عون مرشحاً، ليس لأنه حليف بل لأنّ الأمر حق بالنسبة إليه، وبالتالي فإنّ كلّ شيء يبقى مفتوحاً عندهم، وحزب الله وفقاً لمصادر نيابية معنية، لم يدرس الأمر أبداً، ويرى أنه من المبكر الجواب، لكن الأكيد أنّ الحزب متمسك بالعماد عون حليفاً، وكل موقف سيتخذه الجنرال ويتخذه الحزب، سيعبّر عن هذه الحقيقة وهذا الحرص المتبادل، فعناصر التفاهم كبيرة ورئيسية، ولا مجال لتوقع ما يصيبها بأيّ عثرة.

من جهة أخرى يؤكد النائب الأسبق لرئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي لـ«البناء» لدى سؤاله عما اذا كان حلفاء عون سيراعونه خصوصاً حزب الله، انّ المطلوب من حلفاء عون اليوم مراعاته، فهو أمضى وقته يراعيهم!

ويؤكد الفرزلي أنهم سيدعمونه في مطلبه، لأنه مطلب استراتيجي وليس تكتيكياً يتعلق بموقع وزاري او بخلاف بين شخصين، فهذا مطلب يتعلق بطائفة ووجودها في البلد، اما الاحتمالات فكلها واردة وفق الفرزلي حول الانسحاب من الحكومة او كلّ ما تتطلبه المصلحة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى