نزار قباني في ذكرى رحيله… قصائد لم تنل منها آراء النقّاد

محمد خالد الخضر ووعد جزدان

تمتزج القصيدة لدى الشاعر الراحل نزار قباني بعبير الياسمين الدمشقي وحبق الحارات الشامية العتيقة، ليحمل وطنه في شعره وقلبه في مختلف الأساليب والأشكال الأدبية والشعرية التي كتبها، إضافة إلى مواقفه رافضة التطبيع مع العدوّ الصهيوني، من دون أن يبتعد عن قضايا المرأة التي جسّدها في كثير من دواوينه الشعرية منذ بداياته، حتى أصبحت شريكة له في الهمّ الوطني والقوميّ إلى غاية وفاته في لندن في 30/4/1998 على إثر ذبحة قلبية.

لكنّ بعض النقاد الذين درسوا أدب نزار قباني، خرجوا بآراء جانبت الصواب، وتحتاج إلى التمهّل والتأنّي قبل الأخذ بها، والتي لم تستطع الأخذ بزعامة نزار للنصّ الشعري مثل الناقد الفلسطيني الراحل الدكتور ماجد أبو ماضي الذي اعتبر نزار شاعر المرأة بلا منازع، فهو يحمل قلبه بين يديه ويقدّمه خبزاً يومياً على مذبح الحبّ، يصوّر فيها الكثير من الجرأة التي لم يعتد عليها شعر الغزل، معتبراً أن الأسلوب «النزاري» مفعم بالعاطفة الخاصة شعراً ونثراً، ويتموّج رقّة وعذوبة خالعاً على الكلم الدارج أجواء من العفوية الأخّاذة، واللحن الجميل، مستشهداً بقوله:

أتحبّني… بعد الذي كان… إني أحبك رغم ما كان

ماضيك… لا أنوي إثارته… حسبي بأنك ها هنا الآن

عن أمس لا تتكلمي أبداً… وتألقي شعراً وأجفان

إني أحبك كيف يمكنني… أن أشعل التاريخ نيران.

لم تكن البنية التحليلية التي اشتغل عليها ماجد أبو ماضي ذات منهج تطبيقيّ، فليس ما ذهب إليه دقيقاً لأن النصّ الذي استشهد به اعتمد فيه نزار قباني على المعادل الموضوعي وفق القصّ الشعري الذي اعتاد أن يعالج فيه مشاكله الاجتماعية، إضافة إلى أن القصيدة ليست ذاتية، إنما تسلسلها المنطقي بشكل كامل يدل على أنها تعالج قضية اجتماعية تمثّل وجهة نظر.

في حين رأى الشاعر محمد منذر لطفي أن نزار قباني خلال مسيرته تجاوز جميع العوائق والحواجز التي وضعت في طريق تقدّم عرباته الشعرية، واجتازها كلّها بنجاح تامّ، لسبب بسيط واحد أنه اجتاز من حيث الفنّية الشعرية مرحلة وضع الحواجز والعوائق وأحاديث الآخرين عنه منذ زمن بعيد، ولم يعد يلتفت إليها أو يهتم بها ولا بأصحابها، سواء كانت عن قصد وسوء نيّة، أو عن جهل وحسن طويّة. لافتاً إلى أنه شاعر متمرّد له أصباغه وألوانه وصوره وتعابيره ومزاميره وأنغامه الخاصة به. مستشهداً بدواوينه «الرسم بالكلمات» و«قالت لي السمراء» و«سامبا»، ودلّ على صحة ما جاء إليه بقول نزار:

المسا شلال فيروز ثري… وبعينيك ألوف الصور

وأنا منتقل بينهما… ضوء عينيك وضوء القمر

أعقد الشال فلو أنت معي… مرّة غيّرت مجرى القدر.

أما الكاتب الراحل جورج هرموش فرأى أن نزار قباني سمح لنفسه أن يتخلّى عن «موسقة الشعر»، ورضي أن يخلع الشعر على يديه كل ثيابه وزينته وحُسن مظهره وعمق جوهره.

وفي واقع الأمر، أنّ نزار قباني كان شاعراً ملتزماً الموسيقى، لم يتمرّد على موسيقى الشعر. وكان يفرّق بين القصيدة الموزونة والنصّ النثري. وفي غالبية مواطن شعره ظلّت قصائده ملتزمة زينتها ومظهرها وجوهرها، وهو الذي أسقط التاريخ على كثير من قصائده الشعرية.

أما إخريستو نجم، الناقد والإعلامي اللبناني فقال: «إن شاعرنا الطالع من بيئة شامية محافظة وحضارة شرقية موسومة بالعطش والجوع لا بدّ أن يتأثر بالمرحلة الغمّية وما فيها من نكوص إلى الطفولة الحافلة بينابيع الغذاء والارتواء». لافتاً إلى أن أعمال نزار قباني الأولى جسّدت المرأة موضوعاً خالياً من الذات الإنسانية وآية ذلك في قصائد للشاعر تدور حول المرأة من الخارج ولا تتسرب إلى داخلها.

والواقع أن نجم فشل في قراءة نزار قباني لأن ما أراد أن يعبّر عنه، نقل واقع مغلوط كان يجسّده شاعرنا ليسلّط الضوء على بعض أغلاط المرأة ومساهمة الرجل في ذهابها إلى منزلقات غير مستحبّة. وإن كان الانحياز إلى المرأة واضحاً إلا أن هذا الانحياز ناجم عن قناعة فكرية، لا عن نزعة غريزية كما جاء في قصيدته «رسالة من امرأة حاقدة» ومعظم قصائده في ديوان «أنت لي» وديوانيه «قصائد» و«الرسم بالكلمات».

أما الأديبة والشاعرة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي، فإنّ الشاعر نزار قباني في منظورها شخص يحب الجمال والنساء، لكنه لم يقع في حبائل الحبّ. إلا أنها تعتبر أنه تغيّر بعد عام 1957 ووصفته بـ«القنّاص المرهف». هذا الحكم ذاتيّ ولم يلامس شعر نزار قباني الذي وصفته الجيوسي بقوّته، وأنّ نزار قباني يعامل النساء بإجلال وتقدير، وهذا ما تجلّى في مطالع قصيدته «ترصيع بالذهب على سيف دمشقيّ»، وقصيدته «مرحبا يا عراق» وقصائد أخرى.

أما الروائية السورية غادة السمّان فكتبت بعد وفاته: «أبكيك يا نزار بلا تحفّظ، والياسمين في حداد وقد ارتدى السواد. أبكيك ونباتات أمك خالتو فايزة أم اليد الخضراء تبكيك معي، والنارنج والنرجس والفلّ والحبق والهرجايا والكباد والشاب الظريف يبكونك معي».

والشاعر نزار قباني اهتمّ بقضايا المرأة الاجتماعية إضافة إلى بعض الغزل… بعد نكسة حزيران عام 1967 وقف ضدّ قضايا التطبيع ما عرّضه للمواجهة مع أدباء مطبّعين كثيرين مثل نجيب محفوظ وجمال الغيطاني. وتميّز شعره بعطاء المرأة وجهاً حضارياً نضالياً كقوله في قصيدة «غرناطة»:

في مدخل الحمراء كان لقاؤنا… ما أطيب اللقيا بلا ميعاد

سارت معي والشعر يلهث خلفها… كسنابل تركت بغير حصاد

عانقت فيها عندما ودّعتها… رجلاً يسمى طارق بن زياد.

كما ساهمت المرأة في شعر نزار قباني بتنمية الدلالة الشعرية في الحسّ الوطني الذي كان يترجمه نزار قباني بأسلوبه الخاص الذي دلّ على موهبة فذّة وارتكاز على الأصالة وعراقة في الأسلوب، على رغم أنه في السنوات الأخيرة من عمره تراجع ألَقه الشعري فلجأ إلى النثر والتفعيلة المباشرة كما في قصيدتيه «المهرولون» و«الديك».

يذكر أن للشاعر نزار قباني عدداً من الكتب والدواوين الشعرية أهمها الأعمال السياسية، و«قالت لي السمراء» و«حبيبتي من تكون»، و«أنت لي». وله مؤلفات نثرية جُمعت في كتاب من جزئين بعنوان «الكلمات تعرف الغضب».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى