سباق السيطرة على سوق الطاقة العالمية

فارس سعد

بالتزامن مع الحراك الذي يبديه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديقته الخلفية ـ أوراسيا، تسلمت روسيا اعتباراً من أول نيسان ولمدة عام كامل رئاسة مجموعة «بريكس» للاقتصادات الناشئة التي تضمّ إلى جانبها، البرازيل والهند والصين وجنوب أفريقيا، وما يعنيه هذا التسلّم من الدور الحيوي لموسكو في المرحلة المقبلة من حرب السيطرة على مصادر الطاقة، وجاء الاتفاق النووي بين إيران والدول الست، ليضيف إلى هذا المحور الدور الجديد الي ستطلع به طهران كوسيط لوجيستي ومركز لتخزين ومرور الطاقة، خاصة أن إيران تشكل في احتياطاتها من النفط والغاز 14 في المئة و36 في المئة من احتياطيات الشرق الأوسط، و9.3 في المئة و13.1 في المئة من احتياطيات العالم على التوالي.

ويتقاطع المشروع الروسي الأوراسي مع المشروع الصيني في تأسيس البنك الآسيوي الذي يهدف إلى تمويل «طريق الحرير الجديد» الذي يصل شرق آسيا وجنوب شرقها بعضها ببعض وبأوروبا، براً عبر وسط آسيا، وبحراً عبر سلسلة من الموانئ انطلاقاً من شرق وجنوب آسيا، ولهذا نشاهد الهجمة الغربية للانضمام إلى هذا البنك كألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، وقد أنضمّت أوستراليا وتركيا ومصر وحتى كوريا الجنوبية وتايوان إلى قائمة حلفاء واشنطن الذين طلبوا الانضمام إلى البنك الآسيوي. وفي هذا السياق كان توقع الرئيس الصيني شي جينغ بينع في التاسع والعشرين من آذار الماضي أن تتجاوز التجارة مع الدول المشاركة في خط بكين لإنشاء «طريق الحرير الجديد» 2.5 ترليون دولار خلال عشرة أعوام.

في كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى- السيطرة الأميركية وما يترتب عليها جيواستراتيجياً»، يرى زبيغنيو بريجنسكي المستشار السابق للأمن القومي الأميركي أيام الرئيس جيمي كارتر بين عام1977 و1981، يرى أن أوراسيا أوروبا – آسيا تشكل مكمن التحدي السياسي والاقتصادي للسيادة الأميركية على العالم، وأن قوة أوراسيا تفوق بشكل كاسح قوة أميركا.

ويعلن بريجنسكي أنّ أفضل روسيا بالنسبة للأميركيين هي روسيا غير الموجودة، روسيا المحطمة التي يستغلها جيرانها.

ولفهم ما قاله بريجنسكي فمن الضروري النظر إلى الأمور من منظار الجغرافيا السياسية. فأوراسيا تمتد من حدود أوروبا الغربية على المحيط الأطلسي حتى ضفاف الصين وروسيا على المحيط الهادئ في الشرق. وتضم أوراسيا ثلاثة أرباع مصادر الطاقة في العالم، وهي أكبر قارات العالم، وفيها معظم ثرواته وفيها ست دول ضخمة من الناحية الاقتصادية والعسكرية، والدولتان الأكثر سكاناً هما الصين والهند، والدولة الأكبر مساحة وهي روسيا 17.1 مليون كلم2.

ولكن الأوراسيا ليست جغرافيا وحسب، لقد باتت ايدولوجياً تجتاح روسيا، وصارت « موضة» فكرية تجمع حولها الحالمين بتحدي الهيمنة الأميركية في العالم، والذين لم ينسوا قط الإمبراطورية القيصرية، وأمجاد الاتحاد السوفياتي القوة الثانية المناوئة للقوة الأميركية، وهو ما أعلنه بوتين في الأول من تشرين الأول عام 2000 «أن روسيا هي دولة أوراسية» وهذا التعبير على إيجازه يحمل برنامجاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً لسياسة بوتين ولمستقبل روسيا. ويرى بوتين أن في هذا الاتحاد تكاملاً لصيقاً على أساس قيمي وسياسي واقتصادي، ويقترح وحدة عابرة وقوية للقوميات من شأنها أن تصبح أحد أقطاب العالم المعاصر. وهنا بيت القصيد، أن يصبح قطباً مؤثراً في العالم المعاصر، والاتحاد الأوراسي ليس أي قطب، إنه قطب كاسح للهيمنة الأميركية في العالم.

سباق السيطرة على مصادر الطاقة

منذ اللحظات الأولى لتفكك الإتحاد السوفياتي رأت الولايات المتحدة أن من الضروري إقناع روسيا، وبعض دول الاتحاد السابق بعدم جدوى الطموح للاضطلاع بدور سياسي كبير، وكان الهدف الرئيس لهذه الرؤية هو روسيا «الدولة الوحيدة في العالم التي يمكنها تدمير الولايات المتحدة». ومنذ ذلك الوقت تعمل واشنطن على اقتحام الفضـاء المباشر لروسيا بإغراء دول الاتحـاد السابق للإنضمام لدول الاتحـاد الأوروبي، أو لحلف «الناتو»، وقد أشار إلى ذلك مجلس الأمن الروسي في الخامس والعشرين من آذار الماضي، والذي أعلن خلاله «أن الولايات المتحدة لا تزال متمسكة بتطلعها إلى إبقاء هيمنتها في العالم، وعزل روسيا سياسيا واقتصاديا».

تعتبر روسيا أكبر دولة في العالم من حيث المساحة 17.075.400 كلم2 وهي تمتد من أوروبا غرباً وحتى المحيط الهادئ شرقاً، وتغطي شمال قارة آسيا كلها مع أجزاء من القطب الشمالي، ويمثل الجزء الأوروبي من روسيا أكثر من ثلث مساحة أوروبا 3.9 مليون كلم2/ 10.4مليون كلم2 ،

لروسيا مصالح في محيطها القريب، خصوصاً تلك الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي، ولن تقبل بتدخل الآخرين في هذا المحيط، الذي تعتبره «فضاءها الحيوي»، وخط دفاع أول عن أمنها، وميدان مصالحها. وفي هذا السياق فإنّ قضيتي نشر الصواريخ على أراضي هذه الدول، ومدّ أنابيب النفط عبر أراضيها، هما أساس في حفظ أمن روسيا ومصالحها الاقتصادية ونفوذها السياسي المباشر.

تتمتع منطقة آسيا الوسطى والقوقاز بموقع استراتيجي هام وثروات طبيعية كبيرة، جعلتها مركزاً للتنافس الدولي والإقليميي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وتكتسب الطاقة أهميتها كمحرك للاقتصاديات الغربية التي تعاني من أزمة اقتصادية طاحنة. ومن هنا فإنّ السيطرة على الغاز وعلى خطوط نقل الغاز يعدّ أولوية للولايات المتحدة وروسيا.

ولكن كيف نقرأ الأهداف الروسية والأميركية في السباق القائم في منطقة أوراسيا:

الأهداف الروسية

أولاً، استعادة دور روسيا في المنطقة: تعتبر روسيا المنطقة حديقتها الخلفية، ومنطقة نفوذها الحصري. حيث خضعت المنطقة للسيطرة الروسية منذ القرن التاسع عشر. وقد خرجت أذربيجان من الحظيرة الروسية عام 1994، بينما شهدت قرغزيستان صراعاً على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا أسفر عن فوز روسيا وتصفية القاعدة الأميركية في عام 2010، بينما شددت روسيا من قبضتها على طاجيكستان، ودعمت علاقاتها مع كازاخستان وتركمانستان، وتأرجحت علاقتها مع أوزباكستان. ويزداد الصراع حدة مع اقتراب موعد انسحاب قوات الناتو من أفغانستان، واستعداد روسيا لملء الفراغ.

ثانياً، ضمان السيطرة على سوق الطاقة الأوروبي: تمدّ روسيا أوروبا بـ25 في المئة من احتياجاتها من الغاز. وتسعى أوروبا لتنويع وارداتها الغازية بعيداً عن روسيا، لذا لجأت إلى غاز ونفط آسيا الوسطى كبديل ومنافس. وتبدّى هذا في الدعم المطلق الذي يبديه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لخط نابوكو ، ليكون الغاز الآذري هو المنافس للغاز الروسي في أوروبا الوسطى والشرقية مع خطط لتوصيله لإيطاليا. كما يحاول الاتحاد الأوروبي إقناع تركمانستان وكازاخستان بالانضمام لخط نابوكو. من هنا كانت الاستراتيجية الروسية لمواجهة الالتفاف الأوروبي عبر التعاون مع كازاخستان، والسيطرة شبه المطلقة لشركة «غازبروم» على غاز تركمانستان عبر خط الأنابيب المشترك، حيث تقوم روسيا بإعادة تصدير الغاز التركماني لأوروبا عبر خطوط الغاز الروسية. فمواجهة مشاريع الأنابيب الغربية بمشاريع مضادة هو جوهر السياسة الروسية لتأكيد هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي. ومن هنا يجب النظر إلى الاتفاق الروسي التركي لمدّ أوروبا بمصادر الطاقة عبر شركة «غازبروم».

ويظهر مشروع مخطط تنمية قطاع الغاز الروسي حتى عام 2035 أن حجم استثمارات شركة «غازبروم» قد يصل ما بين عامي 2015 و2035 إلى 26.803 تريليون روبل ما يقارب 456 مليار دولار .

ومن الأمور الدالة أن الطاقة الإجمالية لخطوط الغاز الروسية الأوروبية الآن تبلغ 250 مليار متر مكعب سنوياً، تخطط موسكو لرفعها إلى 380 مليار متر مكعّب، بينما تبلغ التوريدات الروسية 150 مليار متر مكعب فقط.

الأهداف الأميركية

أما الأهداف الأميركية فيمكن حصرها باستراتيجية تنويع والسيطرة على مصادر الطاقة بعيداً عن الخليج العربي والشرق الأوسط، ثم في مرحلة ثانية تقليل الاعتماد على النفط الخارجي، خاصة بعد اكتشاف الغاز الصخري وبكميات كبيرة في الولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى