نهاية مملكة الحزم: ربيع أميركي في الخليج
ناصر قنديل
– لم تنته حرب اليمن بعد ولم يمرّ الوقت اللازم لتترك بصمات الفشل على بنى الأنظمة في الخليج، ولم ينعقد لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة وحكام الخليج ليشرح لهم مقصده بأنّ سخط شعوبهم هو مصدر الخطر على استقرار بلادهم، وعلى رغم ذلك بدأت نتائج فشل الحرب وتداعيات الحسابات الأميركية بالظهور، فما شهدته السعودية من بداية مشروع هندسة نظام الحكم، ليس حدثاً عادياً، ولا هو استحقاق فرضته تطورات معينة.
– من جهة تعلّم الملك سلمان من تجربة أخيه الراحل الملك عبدالله، وما فعله به بعد رحيله من تجاهل الميثاق بينهما بتسمية نجله متعب بن عبدالله قائد الحرس الوطني، ولياً لوليّ العهد يعقب الأمير مقرن في ولاية العهد، فسمّى فور رحيل عبدالله محمد بن نايف، وطوي ملف متعب في النسيان بعدما عيّن سلمان نجله محمد ولياً لوليّ العهد مع قبول تنحّي شقيقه مقرن من منصب ولي العهد.
– من جهة مقابلة، تنحّي مقرن وتقدّم محمد بن سلمان من منصب وليّ العهد، كثبات في الحكم، وتقرّب محمد بن نايف من العرش كملك قادم، يعنيان أنّ سلمان قرّر التنحي، أو أجبر عليه، وأنه ضمن لنجله محمد ما لم يفلح شقيقه عبدالله بضمان مثله لنجله متعب.
– السؤال يدور اليوم بعد رحيل مقرن وسعود الفيصل، رجلي الاستخبارات والديبلوماسية لربع قرن مضى، مع تكريس رحيل بندر بن سلطان رجل المهمات السوداء السرية لربع قرن مماثل، حول هوية الرجل الثالث الذي سيحلّ ولياً لوليّ العهد عندما يتنحّى سلمان ويصير محمد بن نايف ملكاً ومحمد بن سلمان ولياً للعهد، هل هو عبد العزيز بن عبد الله أم عبد العزيز بن فهد؟
– ثلاثة من موظفي البيت البيض يستعدّون لتسلّم دفة الحكم في الرياض، وإنهاء حكم العائلة، والدخول في مسار تغيير، سينقل المملكة إلى نظام دستوري يحمل نسخاً منه الرئيس باراك أوباما وسيوزعه على ضيوفه في فطور «كامب ديفيد»، هو دستور تقاسم الثروة والسلطة بصورة مديدة بين الأسرة السعودية، التي ستحتفظ بوزارات الدفاع والخارجية والداخلية، والمجتمع السعودي الذي سيدخل للمشاركة وفقاً للدستور الجديد بحكومة موسعة تتقاسم فيها العائلات التقليدية والطوائف، والفاعليات الاقتصادية، مناصب الحكم والبرلمان، والتصرف بإدارة الثروة، هذا ما قاله نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في لقاء مع ورشة عمل أقامها أحد مراكز الدراسات في واشنطن عن مستقبل السعودية.
– ما لم يخفه بايدن هو أنّ دول الخليج ستتغيّر جميعها انطلاقاً من السعودية، وأنّ هذه ليست مجرّد رغبة أميركية، بل خطة ولها روزنامة، لافتاً نظر محدّثيه، إلى أنّ حرب اليمن كانت آخر فرص النجاح في إثبات قدرة النظام الخليجي القديم على الحياة، وأنّ كلّ لقاء أميركي سعودي كان يسبقه تغيير في مراكز الحكم، من دون صدف ولا أسباب موجبة تبتعد عن أن هذه هي الرؤية الأميركية، فهكذا عيّن مقرن عشية زيارة الرئيس الأميركي العام الماضي، وعيّن محمد بن نايف ولياً لوليّ العهد عشية التعزية التي قدّمها أوباما بعد وفاة عبدالله، وقبيل فطور «كامب ديفيد» تأتي الدفعة الأخيرة من التغييرات، في «مملكة الحزم والقرار المستقلّ».
– ربيع أميركي يبدأ في الخليج ونهاية لمملكة الحزم.