الضاحية للجيش: الأمر لك
محمد حمية
بعد نجاحها النسبي في البقاع والشمال، شقت الخطة الأمنية طريقها، بنجاح، إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، وتمثل ذلك في عدم حصول أيّ إشكال أو احتكاك مع القوى الأمنية التي داهمت منازل مطلوبين في مناطق حيّ السلم وحارة حريك والليلكي وأوقفت عدداً منهم، في حين لم يكن المشهد مشابهاً في مناطق أخرى، كطرابلس على سبيل المثال، حيث تعرّضت القوى الأمنية إلى مقاومة، بل اعتداءات، من بعض القوى المتطرفة.
أعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق في مؤتمر صحافي من الضاحية أن «لا سقف سياسياً فوق أيّ مرتكب وسنطال الرؤوس الكبيرة»، ودحض انتشار القوى الأمنية الشرعية في الضاحية ادّعاءات قوى 14 آذار المتكرّرة بأنّ حزب الله وحركة أمل يرفضان تواجد المؤسسات الرسمية، ويريدان تغطية المخلين بالأمن والمطلوبين للعدالة، وإنشاء دولة ضمن الدولة في هذه المنطقة، وقد تبين أنّ حزب الله وحركة أمل كانا أول المرحبين، لا بل الداعمين للخطة. فهل منع حزب الله أو أيّ قوة أخرى القوى الأمنية من دخول شوارع وأزقة الضاحية؟ وهل وجدت القوى الأمنية مخازن للسلاح أو مراكز تدريب لحزب الله خلال عمليات الدهم؟
إنّ ما يلفت الانتباه، هو الترحيب والتأييد الشعبي الواسع لهذه الخطة من المواطنين وتجاوبهم مع إجراءات القوى الأمنية، في حين بذلت القوى السياسية في طرابلس جهوداً كبيرة من أجل إقناع من بقي من قادة المحاور والمسلحين الذين اعترضوا على دخول الجيش وقوى الأمن الداخلي إلى منطقة باب التبانة بعدم مواجهتها، وقد أعلن زياد علوكي أحد قادة المحاور، في حديث تلفزيوني آنذاك أنه لا يزال في منطقة باب التبانة في طرابلس ولن يسلّم نفسه للجيش.
لا شكّ في أنّ نجاح الخطة الأمنية في الضاحية، في إطار الخطة الأمنية في كلّ لبنان، كان أحد ثمرات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، إلا أنّ السؤال الذي يُطرح هنا هو: ما السبب الذي كان يحول دون تنفيذ هذه الخطة سابقاً؟
هذا الانتشار الأمني الرسمي اليوم، لم يكن الأول من نوعه، فقد شهدت الضاحية خطة أمنية في 24 أيلول 2013، أعدّها وزير الداخلية السابق مروان شربل، بالتنسيق مع حزب الله وحركة أمل، عقب التفجيرات التي شهدتها بعض مناطق الضاحية، وأعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري حينها ترحيب أمل وحزب الله بالخطة، معلناً أنّ «جميع الأحياء والأزقة ستكون مشرّعة أمام القوى الأمنية»، كما أعرب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ترحيب الحزب بهذا الانتشار، داعياً الدولة إلى تحمّل مسؤولياتها في الضاحية وكلّ المناطق، إلا أنّ الخلاف السياسي بين تيار المستقبل وحزب الله عرقل استكمال واستمرار تنفيذ هذه الخطة ما يعني أنّ عدم دخول الدولة إلى الضاحية لم يكن سببه رفض حزب الله، بل غياب القرار السياسي للدولة، إضافة إلى الخلافات السياسية على ملفات أخرى، وهذا الأمر أيضاً يطرح علامات استفهام عديدة حول اتهام قوى 14 آذار لحزب الله بذلك. فهل كان تأخير القرار السياسي مقصوداً لكي يبقى غياب الدولة عن الضاحية ذريعة تتخذها قوى 14 آذار لاتهام حزب الله وابتزازه وتصويره على أنه دويلة خارج الدولة وتشويه صورة الضاحية التي صمدت 33 يوماً في حرب تموز عام 2006 والتي وقفت اليوم لتقول للجيش: الأمر لك؟