جسر الشغور: هل تخلى حلفاء سورية عنها؟

حميدي العبدالله

بعد سيطرة الجماعات الإرهابية على مدينة جسر الشغور، تردّدت مقولتان حول أسباب سقوط هذه المدينة، ما عدا المستشفى الوطني، في أيدي الجماعات الإرهابية، المقولة الأولى، تتحدّث عن أنّ سبب السقوط هو تخلي حلفاء سورية عنها، والمقصود بحلفاء سورية، إيران وروسيا وحزب الله. المقولة الثانية، أنّ الجيش العربي السوري بعد أربع سنوات من الحرب بات مستنزفاً وغير قادر على خوض الحروب والصمود في مواجهة هجمات الجماعات الإرهابية المسلحة، لا سيما أنّ سقوط مدينة إدلب استتبع بسيطرة المسلحين على جسر الشغور وعلى معسكر القرميد.

للأسف ترداد هاتين المقولتين لم يعد محصوراً بالقوى المعادية، بل إنّ بعض أشدّ المتحمّسين للدولة والجيش السوري شاركوا في الترويج لهما، بل إنّ بعض هؤلاء المؤيدين بات على قناعة بصحة هاتين المقولتين.

ولكن هل صحيح ما تمّ الترويج له على هذا الصعيد؟

بالنسبة إلى مقولة تخلي حلفاء سورية عنها، ليس الأمر صحيحاً، بدليل مشاركة مقاتلين من حزب الله في مواقع كثيرة منتشرة على امتداد الأرض السورية، أثناء وبعد سقوط إدلب وجسر الشغور ومعسكر القرميد في القتال إلى جانب الجيش السوري. ولعلّ زيارة وزيري الدفاع والداخلية، الأول إلى طهران والثاني إلى موسكو، والاتفاقات التي تمّ توقيعها، والتصريحات التي تمّ الإدلاء بها على لسان المسؤولين عن تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب والدفاع عن سورية يدحض ما ذهب إليه الأعداء الذين درجوا على بث الإشاعات للنيل من معنويات المواطنين والتأثير على التحامهم وتأييدهم للدولة والجيش السوري، ويبعث برسالة واضحة تطمئن المؤيدين إلى عدم صحة ما يُشاع حول تخلي حلفاء سورية عنها.

من حق سورية شعباً ودولةً، ومن واجب الدول الحليفة لها أن تقدّم دعماً أكثر فعالية، وأن يرتقي هذا الدعم إلى مستوى انخراط الدول الغربية ودول المنطقة في الحرب على سورية، ولكن هذا شيء، وتخلي حلفاء سورية عنها شيء آخر.

أما بالنسبة للمقولة الثانية، حول استنزاف الجيش وعدم قدرته على خوض المعارك والانتصار فيها، دليلهم الوحيد على ذلك هو خسارة إدلب وجسر الشغور ومعسكر القرميد، ولكن ليست هذه هي المرة الأولى في سياق الحرب على سورية التي تستطيع خلالها الجماعات الإرهابية تحقيق مكاسب في مناطق قريبة من الحدود، ولكن سرعان ما استطاع الجيش استعادتها.

ففي عام 2014 قامت الجماعات الإرهابية بدعم مكشوف ومباشر، وجاءت عبر الحدود التركية، بالاستيلاء على كسب وقرية السودا ومواقع استراتيجية أخرى في محافظة اللاذقية، ووصلت الجماعات الإرهابية إلى البحر كون قرية السودا قريبة من الشاطئ، ولكن بعد أشهر قليلة استعاد الجيش العربي السوري مدينة كسب وقرية السودا والمواقع العسكرية في الجبال والتلال الاستراتيجية التي سيطروا عليها، فهل عندما هاجموا كسب ومحيطها وحققوا ما حققوه كان الجيش مستنزفاً؟ وإذا كان مستنزفاً فكيف له استعادتها بعد سيطرة الإرهابيين عليها، وهم الذين كانت خطوط دعمهم وإمدادهم مفتوحة وملاصقة للحدود التركية أكثر من جسر الشغور وإدلب؟ معروف أنّ الجيش العربي السوري ينتشر اليوم على الجغرافية السورية من القامشلي في أقصى الشرق، إلى درعا في أقصى الجنوب، ومطلوب منه تأمين المدن والمنشآت الحيوية والطرق الدولية والفرعية، وهذا يضطره إلى توزيع قواته إلى مجموعات صغيرة نسبياً، وبالتالي يسهل على الإرهابيين مهاجمة بعضها والاستيلاء عليها، ولكن الجيش عندما يعيد تجميع قوات كافية لاستعادتها فإنه يقوم باستعادتها هذا ما حصل بعد حصار حلب، وعندما سيطر الإرهابيون على حقل شاعر وغيرها الكثير من المعارك وكسب مثالٌ آخر.

من يتحدث عن أنّ الجيش السوري بات مستنزفاً وغير قادر على الصمود يعكس أمنيات الجهات المعادية لسورية، ويهدف إلى زرع إسفين بين الجيش والشعب، وهو على أيّ حال لا يعرف ما حقيقة الجيش العربي السوري والقضية التي يدافع عنها، وسيفاجئه الجيش هذه المرة كما فاجأه في السابق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى