الباليه الروسي يودّع «البجعة الخالدة» الراقصة مايا بليسيتسكايا

لا فرق إن فارقت هي الحياة، أو الحياة فارقتها، فإن الخسارة واحدة، وأدمعت عيون ملايين الروس، لا سيما محبّي رقص الباليه. إنّها الراقصة الروسية الشهيرة مايا بليسيتسكايا، التي توفيت منذ أيام قليلة في ألمانيا، عن عمر يناهز تسعين سنة.

ويعتبر أشهر أعمال البلارينة الروسية، دور «أوديليا» في باليه «بحيرة البجع» لتشايكوفسكي الذي أدّته بليسيتسكايا عام 1947، بحسب ما ذكرته صحيفة «غازيياتا» الروسية.

أما عن مسيرتها الفنية، فقد انضمت مايا مبكراً إلى عالم ارقص، وذلك عقب تخرّجها، إذ انضمّت إلى فرقة «كوردي باليه»، وبدأت بأدوار صغيرة على رغم قدرتها على أداء أدوار أكبر. وكان أول أدوارها الكبيرة، دور الجنية في باليه «زولوشكا» لسيرغي بروكوفييف، ثم قامت بالدور الرئيس في باليه «رايموند» لغلازونوف، وحينئذ أصبحت الراقصة الأولى في مسرح «البولشوي»، وهكذا أدّت أهم أدوارها على الإطلاق في باليه «بحيرة البجع».

حصلت بليسيتسكايا على عدد من الأوسمة والألقاب. منها لقب «فنانة الشعب»، وبطلة العمل الاشتراكي، ووسام «كوماندوز» الفرنسي، ووسام «إيزابيلا الكاثوليكية» الإسباني، ولقب «مواطن الشرف» في إسبانيا، وجائزة «بلدية باريس في الأناقة» عام 1986، وجائزة «فخر روسيا الوطني»، كما حازت الدكتوراة من جامعة السوربون.

ولدت مايا بليسيتسكايا في 20 تشرين الثاني عام 1925. وكان أبوها ميخائيل إيمانويلوفيتش بليسيتسكي يشغل منصب القنصل العام السوفياتي في شبيتسبيرغن النرويج ، ثم اعتقل وأعدِم في فترة القمع الستاليني. أمّا أمها راحيل ميخايلوفنا ميسيرير ـ بليسيتسكايا، فكانت ممثلة في أيام السينما الصامتة، واعتقلت بعد سنة من اعتقال زوجها، وزُجّ بها مع ولدها في سجن «بوتيرسكايا» في موسكو، ثمّ نُفيت إلى كازاخستان. ولم يسمح لها بالعودة إلى موسكو إلّا عام 1941. بينما تولت خالتها سولاميف وزوجها عساف ميسيرير ـ وهما من كبار راقصي الباليه في مسرح «البولشوي» ـ تربية مايا وشقيقها، وأدخلاهما في مدرسة الباليه التابعة للمسرح. وتتلمذت هناك على يد راقصة الباليه الشهيرة إغريبينا فاغانوفا إلى جانب أساتذة آخرين.

انضمت مايا بعد التخرّج إلى مجموعة «كوردي باليه» في فرقة الباليه، على رغم أنّها كانت تتمتع بالمؤهلات لأداء الأدوار الفردية. ثم أعطيت لها تدريجياً الأدوار التي تناسب اهتماماتها في «الربرتوار» المسرحي. وكان أول أدوارها الفردية، دور الجنّية في باليه «زولوشكا» للموسيقي سيرغي بروكوفييف، ثم قامت بالدور الرئيس في باليه «رايموند» للموسيقيّ غلازونوف تلميذ ريمسكي كورساكوف . وعندئذ، توفرت جميع الظروف لكي تصبح مايا الراقصة الأولى في «البولشوي» بعدما تركت جالينا أولانوفا خشبة المسرح المذكور حين بلغت السنّ التي تتوقف فيها راقصات الباليه عن العمل في المسرح. وهكذا رقصت عام 1947 للمرّة الأولى في باليه «بحيرة البجع»، حين أدت دورَين في آن واحد، هما «أوديتا» و«أوديليا».

عام 1948، أدّت مايا دور «زاريما» في باليه «نافورة بقجة سراي»، وعرفت آنذاك بقدرتها على القفز والبقاء في حالة تحليق طويل، والمعروفة في لغة الباليه بحركة «البالون». كما أنّها شاركت في ثلاثة إخراجات لباليه «سبارتاك» للموسيقيّ آرام خاتشارويان، وفي عروض كثيرة في باليه «البولشوي». وفي الستينيات من القرن الماضي، بدأت مرحلة جديدة في إبداع مايا بليسيتسكايا، حين أدّت الدور الرئيس في باليه «كارمين ـ سويتا» التي أعدّ موسيقاها خصّيصاً من أجلها زوجها المؤلف الموسيقيّ الروسي روديون شيدرين. وصوّر العرض بشكل فيلم سينمائيّ ثم تلفزيونيّ. وبعد ذلك، ألّف شيدرين الموسيقى لباليه «آنا كارينيا» وباليه «السيدة والكلب» خصّيصاً من أجلها أيضاً، وتم تقديمهما على خشبة «البولشوي» عامَي 1972 و1980.

في مطلع ثمانينات القرن الماضي، غادرت مايا بيلسيتسكايا الاتحاد السوفياتي للعمل في أوبرا روما، ثمّ في أوبرا مدريد، حيث مارست إخراج عروض الباليه والمشاركة فيها في آن.

استقر بها المقام عام 1990 في ميونيخ ـ ألمانيا، حيث كان يعيش زوجها شيدرين. ومنذ ذلك الحين، تنقل الزوجان بين ميونيخ وموسكو ولتوانيا حيث كان بيتهما الريفي.

إلى ذلك، أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء السبت الماضي، عن تعازيه الحارة لأقرباء مايا بليسيتسكايا، معتبراً أنّها خسارة كبيرة لروسيا ولمحبّي الباليه عبر العالم أجمع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى