بعدما بلغ السيل الزبى… جنرال الرابية إلى ساحة المواجهة

تحقيق محمد حمية

طفح الكيل وبلغ السيل الزبى، تحت هذا العنوان أطلق رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون معركة التعيينات الأمنية والعسكرية وحسم الموقف برفض مبدأ التمديد.

«التمديد ممنوع وكل الإجراءات متاحة»، قال عون بعد اجتماع التكتل الأخير في الرابية، وأكد أن التمديد خارج عن القانون، وقال بمرارة وأسف إنّ الدولة اللبنانية في حالة من الانهيار وأصبحت شبه دولة، كالجسم الذي يموت ولا يبقى منه إلّا «هيكله العظمي»، لقد سقط دستور الدولة اللبنانية وسقطت قوانينها.

وأضاف: «إنّ ما يحصل اليوم، هو السعي إلى إفراغ رئاسة الجمهورية من القرار وإفراغ قيادة الجيش من الكفاءات باشتراك الجميع في تكوين هذه اللعبة، إنّ كلّ الهدف من عملية التمديد، بعاد بعض الأشخاص والإبقاء على أشخاص آخرين».

رفع عون الصوت عالياً في وجه الحلفاء وحليف الحليف قبل الخصوم، إيذاناً ببدء المعركة. لكن اللقاء الأخير الذي جمع عون وأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، أثمر عم حسم حزب الله موقفه بدعم عون في هذا الملف حتى النهاية، ما جعل التيار الوطني الحر واثقاً ومطمئناً من موقف حليفه كما يقول القيادي في التيار بسام الهاشم. الذي أكّد موافقة التكتل على طرح الملف على التصويت وفقاً للاصول، ولن ينسحب وزراء التيار الوطني الحر من الحكومة، ولكن إذا تم التمديد فكل الاحتمالات واردة. في حين يكشف مصدر قيادي في التيار الوطني الحر في حديث لـ«البناء» عن اتفاق بين تيار المستقبل و«التيار» في 18 شباط الماضي خلال تلبية العماد عون دعوة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى مأدبة الغداء، يقضي بأن يعيّن العميد شامل روكز قائداً للجيش مقابل تعيين العميد عماد عثمان مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي وبموافقة جميع الأطراف.

فهل يسير هذا الملف إلى التسوية أم إلى الفراغ أم إلى أزمة حكومية؟ وما جدّية التيار الوطني الحر بالاستقالة؟ وما هي مخاطر ذلك في ظل خطر الارهاب وقرب معركة القلمون؟ وهل تحوّل الخلاف على تعيين قائد الجيش إلى معركة بين عون والعماد جان قهوجي على رئاسة الجمهورية؟

يحال قائد الجيش الحالي العماد جان قهوجي إلى التقاعد في 22 أيلول المقبل، أما مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء إبرهيم بصبوص فيحال في 5 حزيران إلى التقاعد، ما يجعل معركة التعيينات قريبة. لأنه في حال مرّ التمديد لبصبوص فإن ذلك سينسحب تمديداً لقهوجي.

على رغم الضجيج السياسي والإعلامي الذي يرافق هذا الملف، الا انه ليس جديداً، فقد سبق أن فتح على مصراعيه في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تحوّلت إلى تصريف أعمال. ووقّع وزير الدفاع فايز غصن في العاشر من أيلول 2013 على تأجيل تسريح مدير الاستخبارات العميد الركن إدمون فاضل من الجيش لتمتد مدة خدمته إلى 20 آذار 2014 بناء على اقتراح قائد الجيش العماد جان قهوجي، وفي 31 أيلول من السنة نفسها، وقّع غصن على قرار تأجيل تسريح قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان لمدة سنتين، وعلى رغم معارضة تكتل التغيير والإصلاح حينذاك. فهل يمر التمديد مرة أخرى في ظل حكومة أصيلة وقادرة على إجراء تعيينات؟

معركة إعادة الحقوق بدأت

القيادي في التيار الوطني الحر الدكتور بسام الهاشم رأى في حديث لـ«البناء» أن هناك اغتصاباً للسلطة وإصراراً في التمادي بالاغتصلاب لا يمكن أن نسكت عنه. مشيراً إلى أن ملف التعيينات الأمنية يتعلق بمنطق دستوريّ وقانونيّ يرسي مبادئ ويترجم في القوانين. ولفت إلى أن السلطة السياسية تستمر في تجاوز أحكام القوانين من تمديدٍ لمجلس النواب إلى الوظائف العامة، وفي الوقت نفسه ترفض البت بقضايا الناس المعيشية والاجتماعية كسلسلة الرتب والرواتب وملف النفط والغاز وغيرها من الملفات التي تخصّ المواطن.

وتحدّث الهاشم عن انقلاب على الدستور، وأكد «أننا سنقاومه بكل الوسائل الشرعية. الملف سيطرح على مجلس الوزراء وكل طرف يتحمل مسؤوليته في التصويت، لكننا لن نسمح بأن يقوم الوزير المختص بالتمديد لأيّ من القادة الأمنيين والعسكريين».

واثقون بحلفائنا

وتحدّث الهاشم عن لقاء السيد والجنرال، معبّراً عن ثقته التامة بموقف حلفاء التيار، لافتاً إلى «أن الكلام الذي قيل في لقاء الرجلين عبّر عن هذه الثقة ولم نكن نتوقع من حزب الله غير هذا الموقف، السيد نصر الله أعلن أنه مع الدستور والقانون على رغم الاختلاف في وجهات النظر بين التيار والحزب في بعض الملفات كموضوع التمديد للمجلس النيابي وملف الرئاسة، إذ كان لحزب الله اعتبارات الظروف الأمنية في البلد وتفهمنا موقفه آنذاك. لكن هذا المنطق اليوم لا ينطبق على موضوع التعيينات الأمنية. اليوم هناك تعطيل لمنطق القانون وروحيته ونقض لمبادئ الدستور الذي يؤكد الحق بالمساواة بين جميع اللبنانيين، فهناك 500 عميد في الجيش لا نستطيع أن نختار منهم قائداً للجيش، إذا لم نستطع ذلك فيجب أن يُحلّ الجيش مع الاحترام الكامل لقائد الجيش الحالي جان قهوجي».

ورفض الهاشم تحوّل الخلاف على قائد إلى معركة على رئاسة الجمهورية، وقال: «عندما يعجزون عن المنطق يتحدثون عن صهر العماد عون العميد شامل روكز، ويحوّلون هذه القضية إلى شخصية مع العماد قهوجي». متسائلاً: «ألم يكن روكز ضابطاً في الجيش قبل أن يكون صهر عون؟ روكز أثبت نفسه ببطولاته واستقامته وكفاءته القتالية».

وكرّر الهاشم أن هذا الملف حسم في لقاء السيد والجنرال، فالسيد مع تنفيذ القوانين، فليطرح الملف على التصويت وفقاً للاصول ولن ننسحب من الحكومة ولكن إذا تم التمديد فكل الاحتمالات واردة، وأوضح: «لن ننسحب من الحكومة إذا طرح الملف على التصويت أو إذا طرحنا اسماً لقائد الجيش ولم يوافق عليه. لكننا نرفض التمديد بقرار من وزير الدفاع، وحينئذ سنطلع الرأي العام على مواقف كل الاطراف، لدينا ثقة بجميع حلفائنا بانهم مع تطبيق القانون».

لن نخضع للمقايضة

تحدّثت معلومات عن مقايضة يسعى إليها التيار الوطني الحر مع الرئيس نبيه برّي من خلال موافقة التيار على حضور الجلسات التشريعية في المجلس النيابي مقابل رفض برّي التمديد للقادة الأمنيين وتعيين جدد، فما حقيقة هذا الأمر؟

الهاشم جزم أن التكتل قرّر بزعامة عون رفض أيّ أشكال من المقايضة والمساومة في هذا الأمر. مشدّداً على أن الملف يسير باتجاه الحسم قانونياً، وإذا ارتأت الاكثرية الوزارية عدم التعيين، «حينئذٍ نبني على الشيء مقتضاه».

لكنه طالب الرئيس برّي بتطبيق منطقه الذي ينادي دائماً به بأنه لا يعقد جلسة نيابية غير ميثاقية بلا وجود المكوّنات المسيحية في موضوع التعيينات. ودعاه إلى أن يضيف مشاريع قوانين تنطبق عليها صفة الضرورة في الجلسات النيابية كقانون الجنسية وقانون الانتخابات لأن كل المؤسات تتعلق بقانون الانتخابات. «نحن ضد مبدأ التعيينات وضد مبدأ المساومة ولن نخضع للمقايضة، وإذا مددوا للقادة الأمنيين سيزيد ذلك المشكلة تعقيداً، وبالتالي سيؤثر بشكلٍ سلبي على صيغة الهرمية في المؤسة العسكرية».

الإحراج للإخراج

بعد الفراغ في رئاسة الجمهورية، تتزايد المخاوف من انسحاب وزراء التيار الوطني الحرّ من الحكومة إضافة إلى خطر الفراغ في قيادة الجيش إذا لم يتم التوافق على مرشح. وتكبر المخاوف أكثر مع مقاطعة وزراء التيار والمكوّنات المسيحية الأخرى الجلسات التشريعية. فهل ثمّة محاولة لإحراج عون من أجل إخراجه استكمالاً لتهميش المسيحيين من الدولة؟

الهاشم ردّ على هذا الواقع قائلاً: «هذه مخاوف حقيقية وواقعية، هذا واقع مؤسف في البلد، في 13 تشرين عام 1990 أُخرِجنا بالقوة من بعبدا. وحينذاك تلقينا ضربة وقاومنا عن الجميع وجاء اتفاق الطائف فأرسى اتفاقاً سعودياً أميركياً سورياً وكان الأميركي الراعي لهذا النظام، وقام بتوزيع المغانم في الحكم على الطوائف. وفي عام 2005 حصل ما حصل مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخرجت سورية من لبنان وظنّت أميركا ومعها السعودية أنهما قادرتان على وضع أيديهما على كل شيء في لبنان، لكن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر، فحصل ما لم يكن متوقعاً، إذ تم توقيع وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر وبدأ عون ينفذ تعهداته بأنه عندما تخرج سورية من لبنان لا مشكلة لنا معها. ثم انفتح على محور المقاومة وبدأت مسيرة إعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها. المعركة ظاهرها مسيحي ولكن طابعها وجوهرها وطنيان لأن لبنان لا يمكن أن يستمر بلا وجود مسيحيّ. لذلك إن إعادة الحقوق إلى المسيحيين تبدأ من ملف التعيينات الأمنية وصولاً إلى رئاسة الجمهورية وهذا لمصلحة لبنان أولاً».

مع التعيين ولكن!

تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي أعلن استقالته في آذار عام 2013 بسبب عدم التمديد للواء أشرف ريفي في منصب مدير قوى الامن الداخلي.

اليوم تحدثت المعلومات عن اتفاق يقوم على تعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش والعميد عماد عثمان مديراً عاماً للأمن الداخلي، وذلك خلال زيارة مدير مكتب رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري نادر الحريري إلى الرابية ولقائه عون.

عضو كتلة المستقبل النائب عمار حوري نفى في حديث لـ«البناء» أي زيارة لنادر الحريري إلى الرابية، معتبراً ذلك سيناريو مختلَقاً لا أساس له من الصحة. كما نفى الحديث عن أيّ تسوية أو مقايضة بين روكز لقيادة الجيش وعثمان للأمن الداخلي.

ورفض حوري الحديث عن أن استقالة حكومة ميقاتي كانت بسبب عدم التمديد للواء أشرف ريفي في مديرية قوى الامن الداخلي.

ولفت إلى أن «الذهاب إلى أزمة حكومية في ملف التعيينات الأمنية يتوقف على مدى ذهاب العماد عون حتى النهاية في هذا الموضوع من خلال تقديم وزراء التيار استقالاتهم من الحكومة».

واعتبر حوري أن «هناك إجماعاً وطنياً على ضرورة تعيين قادة أمنيين وعسكريين جدد، كما أن هناك إجماعاً وطنياً على أن الشغور او الفراغ خط أحمر لا سيما في القيادات الأمنية والعسكرية».

ورفض حوري المنطق السياسي والقانوني الذي يتحدث عنه الفريق الآخر، معتبراً أن النصوص القانونية واضحة ومجلس الوزراء هو الجهة الصالحة لتعيين قائد الجيش وكل القيادات الأمنية الاخرى.

وأضاف حوري: «موقفنا يتمثل في أن تعيين قيادات أمنية وعسكرية جديدة أولوية، لكن إذا لم يتم التوافق على اسم في مجلس الوزراء، وإذا لم ينل أيّ من المرشحين ثلثَي أصوات المجلس، فإننا نرفض الفراغ ونؤيد التمديد للقادة الحاليين».

ورفض حوري الكلام الذي يتحدث عنه التيار الوطني الحر بأن المواقع الاساسية للطائفتين الشيعية والسنّية يتم تعيينها بتوافق هذه القوى، أما المواقع المسيحية فتتحول إلى مواقع وطنية، مكرّراً القول إن مجلس الوزراء هو الذي يعيّن.

وحذّر حوري من أنه إذا انسحب وزراء تكتل التغيير والإصلاح من الحكومة يكون عون قد انسحب من حكومة المصلحة الوطنية وبالتالي انسحب من المصلحة الوطنية، ما يشكل مزيداً من الخلل في الحياة الوطنية في ظل الشغور في موقع الرئاسة الاولى. واستغرب إدخال المراكز الأمنية والعسكرية في التجاذبات السياسية.

اتفاق بين عون والحريري!

مصدر قياديّ في التيار الوطني الحر أكد في حديث لـ«البناء» أن هذا الاتفاق بين تيار المستقبل و«التيار» تم في 18 شباط الماضي خلال تلبية العماد عون دعوة الحريري إلى الغداء. والتزم الحريري حينذاك الاتفاق وقال لعون: «أنا أقنع حلفائي»، وقال عون للحريري: «أنا أقنع حلفائي». ثم قام عون بزيارة إلى النائب وليد جنبلاط وقال الأخير لعون: «إذا تم هذا الاتفاق بينك وبين الحريري فأنا موافق».

ولفت المصدر إلى أن الرئيس نبيه برّي أيضاً وافق على هذا الاتفاق. وحزب الله أيضاً، إلا أن أحد الاشخاص جاء ليقول إن الرئيس برّي لا يريد وصول روكز إلى قيادة الجيش. «لكننا كتيار لم نصدق هذا الامر، لأننا أخذنا وعداًً من جميع الاطراف. لذلك نطلب طرح الموضوع على مجلس الوزراء لنعرف من يلتزم ومن لا يلتزم».

وعن الاستقالة رأى المصدر البرتقاليّ أنّ الحل الأنسب يكمن في توقيف عمل الحكومة لأنها غير قادرة على ممارسة صلاحياتها، لذلك فقدت مبرّر وجودها، معتبراً أن الاستقالة ليست الحلّ، بل توقيف عمل الحكومة وسيلة ضغط لممارسة صلاحياتها.

الإشكالية السياسية في ضوء القانون

لا شك أن الخلاف على هذا الملف سياسيّ، لكن كيف ستحلّ هذه الإشكالية السياسية في ضوء الدستور والقانون؟ وهل يمكن للحكومة التعيين في ظل شغور الرئاسة الأولى؟

المادة 55 من قانون الدفاع الوطني تجيز لقائد الجيش الطلب عبر وزير الدفاع تأجيل تسريح العسكريين لضرورات الخدمة، ويرفع وزير الدفاع الطلب بعدئذ إلى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للموافقة.

الخبير الدستوري الوزير مخايل الضاهر اعتبر في حديث لـ«البناء» أن «الحكومة الحالية هي حكومة أصيلة وليست حكومة تصريف أعمال، وبالتالي يمكنها أن تمارس دورها وتقوم بالتعيينات للقادة الأمنيين والعسكريين الذين يعتبرون موظفين من الفئة الأولى، وتعيينهم بحاجة إلى ثلثَي أعضاء مجلس الوزراء، ولكن في حال عدم التوافق داخل المجلس على اسم، يمكن حينئذ اللجوء إلى خيار عدم التسريح، لا التمديد. لأن لا نصّ في الدستور أو القانون يتحدث عن التمديد».

ولفت الضاهر إلى أن الوزير المختص هو الذي يعطي قراراً بعد التسريح للاعتبارات الوطنية التي تذكر.

وشدّد الضاهر على ضرورة التعيين حفاظاً على طموح جميع الضباط الذين يحق لهم الوصول إلى هذه المناصب، ولإعطائهم دوراً. مؤكداً أن الحكومة يحق لها إجراء التعيينات في ظل شغور موقع الرئاسة الأولى لأن مجلس الوزراء تناط به صلاحيات الرئيس. كما أوضح أن الوزير المختص يستطيع أن يرجئ تسريح أي رئيس جهاز أمني أو عسكري من خارج مجلس الوزراء، لأنه لا يجوز للوزير أن يعطل مجلس الوزراء أو يختزله.

وأوضح الضاهر من جهة أخرى أن العادة درجت على أن رئيس الجمهورية له الرأي الأول في اختيار قائد الجيش، لا بل يجب أن يرضى عنه ويكون مقرّباً منه بكونه القائد الأعلى للقوات المسلحة.

مصادر مراقبة حذّرت من أيّ فراغ في أي مؤسسة أمنية، لا سيما في المؤسسة العسكرية. نظراً إلى الدور الذي تلعبه في حفظ الامن الداخلي. إضافة إلى عملها في حفظ الأمن على الحدود، لا سيما في مواجهة التنظيمات الإرهابية. مع الحديث عن قرب انطلاق معركة القلمون، إضافة إلى استكمال تنفيذ الخطوات الأمنية على كامل الاراضي اللبنانية، لأن الجيش هو ضامن السلم والاستقرار الداخليين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى