السعودية «الجديدة» عنوان قيد الكتابة… داخلياً وإقليمياً
خضر سعادة خرّوبي
شملت التطورات الأخيرة داخل السعودية أعلى هرم السلطة مثلث الأضلاع فيها تمثل أبرزها في إدخال نجل العاهل السعودي وزير الدفاع محمد بن سلمان في تلك «المعادلة الذهبية»، إلى حدّ جعل البعض يعتبره «نصف ملك». ولا نبالغ في القول بأنّ ما جرى الحدث ليس صدفة عابرة، ودلالاته تحمل ما يفيض بمعان لا تنفصل عن سياق داخلي سعودي، وإقليمي متسارع الوتيرة، وملتهب المآل.
لم يعد خافياً أنّ كلّ الملفات في المنطقة اليوم وحتى حزيران المقبل، تُقرأ من زاوية «النووي الإيراني». فمن «غزوة إدلب» وإغلاق معبر نصيب الحدودي بين سورية والأردن، وصولاً إلى مقتضيات «التصعيد المنضبط» على جبهة الجولان المحتل، مروراً بآخر إنجازات «عاصفة الحزم» بمقاييس هي أقرب إلى الإجهاز وليس الإنجاز.
وفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية الدولية، تحاول أطراف إقليمية تحسين مواقعها مستفيدة مما ينظر إليه على أنه ضيق هامش مناورة إيراني، يرزح تحت وطأة جهد دبلوماسي طويل الأجل يقترب من نهاياته التي تتضارب التقديرات في شأن ما إذا كانت ستكون سعيدة أم لا.
دينامية جديدة في المنطقة واكبت انطلاقة العهد الجديد في السعودية ينطلق منها بعض الأقلام للكلام عن تحوّل قرار المحور الذي تنضوي فيه الرياض على المستوى الإقليمي إليها على حساب أطراف أخرى كتركيا ومصر. أما سلسلة القرارات الملكية الأخيرة فمن شأنها خلط الأوراق أكثر، مع تولي الأمير محمد بن نايف ولاية العهد في المملكة وهو القرار المؤجل منذ زمن. على ما يبدو، فإنّ هناك ترقباً لتبعات «الحزم» على الداخل السعودي، والمناخ العام فيه لا يخلو من قلق هو في متن القرارات الملكية الأخيرة التي أشارت، ليس من باب المصادفة، إلى أهمية الوحدة وجعلت من محمد بن نايف المعروف القدرات والمهمّات يتبوأ مكانة الرجل الثاني في المملكة، مع العلم أنه الأقوى في طبقة الحكم. وفي وقت قد لا يبدو مؤكداً ما إذا كان الإجراء السعودي نابعاً ممّا دأب محللون على وضعه في إطار استقلالية نسبية بات عليه النظام العربي الأكثر قرباً من واشنطن، أم استجابة لـ «نصيحة أوباما» قبل أسابيع حين شخص المخاطر على السعودية بعيداً من إيران، فمن الواضح أنّ مصير السعودية ومصير وحدتها باتا مشرعين للرياح العاصفة في المحيط الإقليمي. من هنا، تأتي ترتيبات انتقال السلطة إلى الجيل الثالث وإسناد ولاية العهد إلى أول حفيد من أحفاد الملك المؤسّس، وتحديداً لرجل بمواصفات بن نايف «سرّ والده»، من دون إغفال المؤشرات حول الانقلاب على إرث الملك الراحل عبد الله واعتلاء السديريين سدّة المشهد عن جديد، في ظلّ أقاويل كثيرة عن صراع مستفحل في صفوف العائلة المالكة، وهو ما لا يمكن فصل تصريحات الأمير طلال بن عبد العزيز حيال المستجدات عن سياقه.
وسبق أن أشار نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إلى الاتصالات الاستراتيجية بين رودس وإلى أنّ إدارته تعتبر أنّ الأمير محمد بن نايف الذي كان قد زار العاصمة الأميركية مرتين في العام المنصرم، وهو شخص ذو كفاءة عالية، وصديق وثيق للولايات المتحدة، لا سيما أنّ وزير الداخلية صاحب الخبرة الشخصية في مكافحة الإرهاب، إلى جانب احتفاظه بعلاقات قوية مع الاستخبارات المركزية الأميركية، يدير بتوجيهاتها الملفات في سورية واليمن.
في هذا السياق، يذكر الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، سايمون هندرسون أنّ رؤية بن نايف الأمنية تتفق مع الرؤية الأميركية في موضوع الإرهاب، وإن كان يختلف مع رؤية سلفه الأمير المثير للجدال بندر بن سلطان في التعامل مع «الإسلاميين» عموماً، معترضاً على النهج السعودي في دعمهم في سورية، حيث يبدو، في نظر محللين، أنه تغلب رؤيته حول «التوازن» بدل أساليب التصعيد والتدخل المباشر التي كانت متبعة من جانب سلفه بندر بن سلطان.
ومما لا شك فيه، أنّ اللجوء إلى تمكين الأمير الخمسيني داخلياً، سيعني في المقابل، مساراً تصعيدياً لا تبدو الرياض في صدد العودة عنه مع بزوغ نجم الأمير محمد بن سلمان وزير الدفاع، أقله في القريب العاجل، وستتصاعد سخونته تباعاً تبعاً لمجريات المفاوضات بين إيران و«الأسرة الدولية». فالتناقض السعودي ـ الإيراني صارخ، وواشنطن على ما يبدو، تعمل على استغلال مساحات في هذا التناقض للإبقاء على أوراق ضغط بيدها في وجه طهران من جهة، ومن أجل تثمير الخلافات المستعرة، من جهة أخرى، لاستنزاف الفوائض المالية في الخليج لحساب صفقات تسليحية جديدة تحدث عنها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن كطبق رئيسي سيحضر على طاولة القمة الأميركية الخليجية المرتقبة في كامب دايفيد.
إلى الآن، تبدو مؤشرات المواجهة الإيرانية السعودية واضحة في حدة التصريحات المتبادلة في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد اعتراض سلاح الجو السعودي طائرة مساعدات إيرانية ومنعها من الهبوط في اليمن.
وبحسب ما تنقل مصادر عن بعض أعضاء العائلة الحاكمة، فإنّ الرياض ينبغي أن تكون أكثر فاعلية في فرض مقاربتها الخاصة كما فعلت بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى ، بدلاً من الانتظار ومعرفة نتيجة المحادثات التي يقودها الغرب مع خصومها الإيرانيين. ومع ما يقال عن تنسيق تركي ـ سعودي ـ «إسرائيلي»، ربما تكون غارات القلمون إحدى تجلياته، من المرجح أن تتسع رقعة المواجهات بين المحاور الإقليمية المتصارعة على أكثر من ساحة في المنطقة مع لحظ حركة أميركية مشبوهة على طريق تفكيك التحالفات والتوازنات وإعادة تركيبها على نحو يلائم «هواها الانكفائي» في رحلتها إلى «القرن الباسيفيكي» وصولاً إلى البحث في حلول قد تكون دعوة المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا طهران إلى حضور لقاء جنيف- 3، والتلميحات المتبادلة بين الإيرانيين والأميركيين حول إمكان البحث في ملفات الشرق الأوسط المختلف في شأنها جزء من اقتراب إضافي منها، وإن كان أوانها لم يحن بعد. من وجهة نظر محللين أميركيين، يبدو مستغرباً تجنب إدارة أوباما إغضاب إيران لما تتيحه من انعكاسات على صدقيتها كحليف لدول الخليج. ينبغي، كما يقول الديبلوماسي والمستشار السابق لأوباما دينيس روس، في دراسة بعنوان: «فهم الفوضى في الشرق الأوسط: حروب متعدّدة، وتحالفات متعدّدة» أنه «ينبغي على الإدارات الأميركية المستقبلية طمأنة الحلفاء الإقليميين بأنّ هناك مزايا لمصادقة الولايات المتحدة، كما أنّ هناك عواقب لمعاداتها».