«ثقافة المقاومة» أطلق فعالياته في قصر الأونيسكو ويختتمها اليوم في زحلة

لمى نوّام

ضمن إطار إحياء فعاليات يوم العودة إلى فلسطين، نظّم تكتّل الجمعيّات والهيئات الأهلية في لبنان، والملتقى الثقافي الجامعي، برعاية وزير الثقافة ريمون عريجي، المؤتمر السنوي الثالث بعنوان «ثقافة المقاومة»، وذلك في قصر الأونيسكو.

حضر المؤتمر مدير عام وزارة الثقافة فيصل طالب ممثّلاً عريجي، مسعود جابري زاده ممثّلاً السفير الإيراني في لبنان محمد فتحعلي، والنوّاب: الوليد سكرية، كامل رفاعي، ومروان فارس، وحشد كبير من المثقّفين والأدباء وممثّلي الجمعيّات والمنظّمات.

استهلّ المؤتمر بالوقوف للنشيدين اللبنانيّ والفلسطينيّ، ثم كلمة ترحيب ألقتها الإعلامية عفاف علوية.

وألقى الدكتور عبد الملك سكرية كلمة بِاسم تكتّل الجمعيّات والهيئات الأهلية في لبنان قال فيها: إن مؤتمرنا الذي ينعقد اليوم تحت عنوان «ثقافة المقاومة» لهو امتداد لمؤتمرات سابقة عقدت تحت عنوان «الأدب المقاوم»، الذي هو شكل من أشكال المقاومة التي تشمل في ما تشمله، مقاطعة العدو الصهيوني وداعميه. ويشرّفني بتواضع واعتزاز، أن أقول لكم إنّنا في حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» خطونا خطوات نوعيّة وخاصة على صعيد تقديم المعلومات الدقيقة والموثّقة عن أبرز الشركات العالميّة الداعمة للكيان الصهيوني، ووضعناها في خدمة كلّ الناس والمسؤولين، والمعنيّين مباشرةً بممارسة الدور الطبيعي في مقاومة العدو. وهذا الجهد المتواضع ما هو إلّا شكل من أشكال المقاومة الثقافية التي تدعونا إلى تعزيز وتطوير ونشر الوعي ليساهم في بناء المجتمع المقاوم.

وأضاف سكرية: إننا اليوم، وأمام حالة «أمة إقرأ التي لا تقرأ»، لا بدّ من إعادة توجيه الدعوة إلى قراءة العقل الصهيوني الإجرامي الذي يعتبر اغتصاب الأرض وتهجير السكّان وقتلهم، جزءاً من ثقافته المحرّكة لبلدوزر الاستيطان التوسّعي على أرض فلسطين. فإن عنوان «إعرف عدوّك» سيكون محوراً أساسياً في أبحاث مؤتمراتنا المقبلة، التي ندعو إليها كل المثقّفين القابضين على جمر الصراع مع الاحتلال.

ثم كانت كلمة لأمين عام اتحاد الكتّاب اللبنانيين الدكتور وجيه فانوس قال فيها: نجتمع اليوم لأنّنا نريد المقاومة في زمن كثرت فيه الاعتداءات، وتعاظم فيه الغضب، حتى صار كل شيء مهدّداً بألّا يكون، حتى صارت الثقافة فعل تشتّت وتنصّت، حتى أصبح الأدب والفن والرسم والنحت أكذوبة في الحياة، نجتمع اليوم للسنة الثالثة على التوالي لنفكّر بثقافة المقاومة، نحن بحاجة ماسة إلى ثقافة المقاومة، كما نحن بحاجة ماسة إلى المقاومة بالبندقية، نحن بحاجة ماسة إلى المقاومة بالقلم وبالريشة وكل أنواع الفن والابداع.

وطالب فانوس بالعمل على تحصين فلسطين كي نحصن مساحتنا الداخلية. متمنياً للمؤتمر كل التوفيق، خصوصاً أنّ غالبية المشاركين في أوراق المؤتمر، هم أعضاء في اتحاد الكتّاب اللبنانيين.

وألقى ممثّل الهيئة التحضيرية للمؤتمر الدكتور علي مهدي زيتون كلمة قال فيها: ترتبط كلمات أيّ لغة من اللغات عموماً، بسلّم القيم التي تحكم حياة المجتمع الذي نشأت فيه تلك اللغة. وتشير إلى أنّ كلمة مقاومة مفعمة بالوقوف والعدل والثبات والصبر ومنازلة الظالم. فهي غير قابلة للترجمة من خلال كلمة واحدة، هي غير منفكّة عن القيود الأخلاقية التي تحيط بها. لا يصبح المعتدى عليه مقاوِماً إلّا إذا صبر وعزم على التصدّي. فالمقاومة ثقافة مقيّدة بقيم أخلاقية تمنحها حين نحقّق أهدافها الايديولوجية لتلك الثقافة. ولكي نتعرّف إلى مقاومتنا وأهدافها البريئة، ولكي نعرفها معرفة علمية، علينا أن نتعرّف إلى الايديولوجيا الغازية وما أنتجته من سدود سياسي وعسكري واقتصادي.

وأضاف: حتى الفلسفة أصبحت مع الماركسية فلسفة علمية، ولقد استطاع الغرب وبقوّة العقل العلمي أن يبني أقصى قمته، وجاء الغرب الاستعماري ليسخّر هذه الثقافة في سبيل الهيمنة على المجتمعات الضعيفة.

وأشار إلى قوة القتل في الغرب، والتي استخدمها في فائض قوته العلمية ثم في الهيمنة على المجتمعات الاخرى، ومنها مجتمعاتنا، وجعل بها سوقاً استهلاكية لمنتجات ممانعة.

ورأى زيتون أن اتفاقية «سايكس ـ بيكو» لم تشفِ غليل الغرب في تقسيم بلداننا، بل سارع إلى زرع «إسرائيل»، وعمل على توظيف الحداثة التي أوجدها في خدمة مصالحه الاستعمارية.

كما ألقى طالب كلمة وزير الثقافة وجاء في متنها: في زمن الانكسار والاحباط، في زمن الاعتلال والاختلال والعبث، في مثل هذا اليوم الرديء، نسأل أنفسنا أين نحن من قضيتنا الكبرى فلسطين، وهل أنستنا الأزقّة والزواريب وحروب القبائل والملل وحالات التمزّق والانتحار الجماعي من هو العدوّ الحقيقي ومن هو الصديق؟ فلسطين والمقاومة قدر واختيار وثقافة. ولا شيء يعيد تصويب الاتّجاه غير الثقافة قاطرةً ورافعة للحراك المقاوم الذي يستهدي بنور الحقّ، ويستهدف ظلم الباطل وظلامه لإزهاقه ودحره.

وأضاف: ما أحوجنا إلى تعميم ثقافة المقاومة بدلاً من ثقافة» الانهزام والتطرّف والتبعية. ثقافة مقاومة لكلّ أشكال استلاب شخصيتنا الثقافية، بأبعادها الوطنية المفتوحة على الإنسانية التي تقدّس الحقّ، وتقيم له الوزن، في عالم يرزح تحت وطأة القوّة المتفاتة من قيود الضمير والعدالة والواجب. ثقافة مقاومة عمادها حقّ العودة الراسخ وغير القابل للصرف إلّا في أرض فلسطين، ما دام مفتاح البيت لمّا يزل أيقونة معلّقة على جدار الشّتات يختصر الأرض، ويتفيّأ ظلّ الزيتونة العتيقة قرب المصطبة. المفتاح لم يصدأ كما الحنين إلى البيت الذي يحتضن الذكريات ودفء الأماسي وألق الصباح، ويتّكئ على جذع التينة ويعطّر أنفاسه بعطر الزيتونة والصعتر البرّي، ويهنأ في حضن الكروم، ويستنير بضوء العناقيد المسروق من أشعة الشمس، ويلعب على بيادر الخير في مواسم العطاء. و«يا أمّنا انتظري أمام الباب. إنّا عائدون، نزحف اليك من كلّ فجّ عميق، وقد جفّ الدمع في المآقي، لا نحمل معنا غير الارادة والايمان بأن الحقّ لا يضيع ما دام الدم يجري في العروق، أو ما دام يسقي التراب المتعطّش إلى أصحابه، وما دامت السماء تمطر والأرض تبرعم، والهواء ينسم، والشمس تطلع، واللّيل ينقضي، والكرامة تنتصب.

سنرجع يوماً إلى حيّنا

ونغرق في دافئات المنى

سنرجع مهما يمرّ الزمان

وتنأى المسافات ما بيننا

وختم طالب كلمته قائلاً: أيّها الغاصب… لن تأخذ منّي مفتاحي، ولن تسلب منّي صباحي، ولن تهيض منّي جناحي، إنّي قد أطلقت سراحي. إنّي قد وجّهت سلاحي. إنّي قد ضمّدت جراحي. حيّ على الصّلاح! حيّ على الفلاح!

لقاءات على هامش المؤتمر

«البناء» التقت الدكتور عبد الملك سكرية، وكان هذا التصريح: عنوان المؤتمر السنة هو «ثقافة المقاومة»، وهو موضوع أوسع وأعمق من موضوع أدب المقاومة، الذي تقدّم في المؤتمرين السابقين. والهدف من المؤتمر نشر الوعي والثقافة وقيم المقاومة في مواجهة ما يسمّى «الحرب الناعمة» التي تشنّ علينا منذ زمن طويل عبر التضليل والتشويه وقلب الحقائق. ولذلك لا بدّ من مواجهة هذه الحرب بنشر الوعي كي نجنّب مجتمعاتنا وشعوبنا الكمائن والفِخاخ التي ينصبها لنا العدو، سواء عبر إثارة الفتن الطائفية، كما حاولوا خلال الحرب الأهلية اللبنانية، أو عبر الحروب العرقيّة.

وختم سكرية حديثه قائلاً: نحن كمنظّمي المؤتمر ومشاركين، نحضّر لكتاب يوزّع على وسائل الإعلام في نهاية المؤتمر، تعميماً للفائدة، ويجمع كلمات المشاركين في الندوات، والمداخلات، وذلك لتسليط الضوء على هذا النوع من الأنشطة الثقافية، لمواجهة ثقافة الانحطاط الأخلاقي والسموم والبرامج التي تبثّها بعض الفضائيّات، والتي هدفها تسخيف عقل الإنسان لجعله يهتم ببرامج التسلية غير الهادفة، والبعيدة عن مخاطبة الثقافة والوعي. وهنا لا بدّ أن أعلن أن مفهوم «إعرف عدوّك» سيكون محوراً أساسياً في المؤتمر المقبل.

كما التقت «البناء» الدكتور وجيه فانوس، الذي أدلى بتصريح جاء فيه: تكمن أهميّة المؤتمر في موضوعه. نحن شعب يتعرّض للقهر والسلب والقمع، ومن هنا، إنّ المقاومة ركن أساس من أركان مواجهة المعتدي والسعي إلى الخلاص من عدوانه. وإذا لم تكن هناك مقاومة، فنحن أمام موت، ونحن نرفض الموت.

وأضاف: المقاومة بالسلاح الحربي كما أنّها بسلاح الفكر، الأدب والثقافة. ولعلّ المقاومة بالفكر ذات تأثير وقدرة على الفعل المستمر في حياة الإنسان والشعوب.

ورأى فانوس أنّ فلسطين هي القضيّة المركزية والأساس. وإنّ مؤتمراً كهذا لا يعني إلّا فاعلية وطنية تؤكّد التزام المثقّف والكاتب في لبنان، بالقضية الفلسطينية ووعيه أهميّتها الوطنية والقومية وعمق وجودها الإنساني.

وأكّد فانوس: نحن في اتّحاد الكتّاب اللبنانيين نعتبر الاتّحاد شريكاً أساساً في هذه النشاطات، ونحن نعمل على دعمها برفدها بمشاركات أعضاء الاتحاد ومساهماتهم.

وختم: تنسيقنا مع اتحاد كتّاب فلسطين قائم، إذ نعتبر أنفسنا في خندق واحد مع كتّاب فلسطين في حمل مشعل القضية الفلسطينية والعمل على دعمهم في نضالهم ضدّ المغتصب الصهيوني. وللأسف، كان من المفترض حضور أمين عام اتحاد الكتّاب الفلسطينيين مراد سوداني، لكن قوات الاحتلال منعته من مغادرة الأراضي المحتلة.

جلسات

ناقشت جلسةُ المؤتمر الأولى، التي أدارها عميد المعهد العالي للدكتوراه طلال عتريسي، تحت عنوان «المقاومة وقضايا الفكر» عدداً من الإشكاليات، وسُلّط الضوء على الفكر الذي تستند إليه المقاومة وثقافتها، والأفكار التي تنتج عن العمل المقاوم. كما عرض المفكّر والكاتب ساسين عساف إلى خطر ثقافة الاستلاب التي تقوم على الإذعان والتبعية وتدمير ثقافة الآخر.

واعتبر عساف أن العلاقة باللغة العربية تكوينية، بينما العلاقة مع اللغات الأجنبية وظيفية. أما العربي فإنه إذا ما وعى شكل هذه العلاقة وتبنّاها، فهو يقوم بمقاومةٍ ثقافيةٍ أساسيةٍ، ويقطع الطريق أمام الطامعين بسلخه عن هويته اللغوية والثقافية.

واستمر المؤتمر وفعالياته مع محاور المقاومة مجتمعاً وحقوقاً، والمقاومة في مواجهة الحرب الناعمة، والمقاومة وأدبها. ويختتم فعالياته اليوم في زحلة ـ كلّية الآداب والعلوم الإنسانية، إذ يناقش الشقّ الأدبي للمقاومة من خلال الرواية والقصة والشعر. كذلك للكتّاب والمفكرين الفلسطينيين، حصة وافرة في المؤتمر، من مشاركة لاتحاد الكتّاب الفلسطينيين، إلى تخصيص محاور عن الطفل الغزّاوي في مواجهة العنفين الحداثي وما بعد الحداثي. وفيه أيضاً الخطابان الأدبيان في صوغ الحق الفلسطيني ومقاومة الاحتلال. إلى جانب مناقشة نماذج عن المقاومة بالثقافة مثل رواية «عائد إلى حيفا» لغسان كنفاني وقصة «حسن حميّد وتسعة أيام في جنين».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى