بين الحزم والأمل أذيال من الخيبة
جمال الكندي
بدأت عملية «عاصفة الحزم» من واشطن بتصريح من السفير السعودي في أميركا يعلن بدء العدوان على اليمن. وفي ذلك دلالات سياسية مهمة أرادت السعودية إيصالها إلى العالم، مفادها أن أقوى دولة في العالم تبارك هذه العملية وأنها تحت مظلتها.
وتبيّن بعد أكثر من شهر من القصف المتواصل أنه عدوان من دولة واحدة ومحاولة إظهار بأنه إجماع من القوى العربية تكشف زيفها خلال هذا العدون، فالمخطط أميركي والمنفذ سعودي والغرض مكاسب سياسية قبل توقيع الاتفاق النووي النهائي مع الإيراني، ولو كان ذلك على حساب اليمنيين وتدمير البنى التحتية لبلد هو في الأصل يفتقدها.
انتهت عملية «عاصفة الحزم». ولكنّ الغريب أنّ أول من بشّر بقرب انتهائها مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان، حينما قال في تصريح قصير: «إنّ عاصفة الحزم سوف تتوقف خلال الساعات القليلة المقبلة»، ولم تكن هنالك بوادر سعودية بقرب إنهاء هذه الحملة التدميرية على اليمن، بل كانت المؤشرات تدلّ إلى أنّ هناك مزيداً من التصعيد السعودي من خلال التصريحات اليومية للمتحدث العسكري لحملة «عاصفة الحزم»، ورفضت دول مجلس التعاون طلب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقف الحملة وأصرّت على مطالبها التي تزعم أن الحملة لم تحققها بعد، وكذلك أُصدر الأمر الملكي بإشراك الحرس الوطني السعودي من ضمن القوات المشاركة في «عاصفة الحزم». كل ذلك نُسف بإعلان توقف «عاصفة الحزم» بعد أن دمرت كل شي في اليمن وقتلت الأطفال والنساء والشيوخ وأفرغت غلاً دفيناً على الشعب اليمني الشقيق.
توقفت حملة «عاصفة الحزم» وبدأت حملة «إعادة الأمل»، وأتمنى على مُنظّري هذا العدوان أن يشرحوا ماذا يعني توقف «عاصفة الحزم» وبدء «إعادة الأمل». فالقصف الجوي لم يتوقف، والذي تغيّر هو فقط الاسم، فبدأ عدوان جديد بِاسم جديد، وماذا يعني أنّ من بشر بوقف عملية «عاصفة الحزم» هو الإيراني؟ أعتقد أن هذا بدوره يعطي إيران أوراق ضغط كبير على قادة هذه الحملة ومشغليها، وهو الذي لم يعجب السعودي وأوقف حملة وبدأ بأخرى. والخاسر في لعبة السياسة والمصالح هو الشعب اليمني الذي يعاني من القتل والحصار في لقمة عيشه في كلّ يوم، وما زال على رغم تغيّر اسم هذا العدوان الغاشم على اليمن التقدم لمصلحة الجيش اليمني واللجان الشعبية التي تكبد أدوات هذه الحملة في عدن وتعز خسائر كبيرة يتكتم عنها الإعلام المطبل لعدوان على اليمن.
فماذا حققت حملتهم غير الدمار ودماء الأبرياء؟ هل عاد الرئيس الشرعي إلى اليمن بحسب مزاعمهم؟ وهل يوجد عاقل في اليمن سيقبل بأنّ يرجع هذا الرئيس المستقيل والذي تسبّب بكلّ هذا الدمار إلى اليمن، ويحكم كأنّ شيئاً لم يكن؟
إنّ من بوادر صمود الشعب اليمني التنازل عن هادي مقابل رئيس وزرائه السابق البحاح والذي أصبح ورقة تتداول من خلف الكوليس ليكون الشحصية البديلة من هادي، وهذا أول تنازل لقوى العدوان على اليمن.
إنّ التماسك والصمود الداخلي للشعب اليمني وعدم رضوخه لمن قاد حملة عاصفة الحزم والأمل، هي التي ستنهي هذه الحملة الظالمة على اليمن، وسيجر أصحابها الخيبة والخسران، والمراقب يلاحظ تصدّع بنيان هذه الحملة. فالسعودية أصبحت وحيدة في الميدان وذلك الزخم الإعلامي في بداية الحملة، وتصورها بأنها وحدت العرب استخفاف بعقولنا، فهل توحيد الكلمة العربية بحسب زعمهم يكون بتدمير بلد عربي فقير وزيادة فقره؟
إن المطالبة الأخيرة من دول مجلس التعاون، أن وقف الحملة على اليمن يشترط التوجه إلى الرياض لحلّ الأزمة اليمنية، وأن يكون الحل بحسب الهوى الخليجي هو أمر محيّر ومضحك في الوقت نفسه. فعاصفة الحزم وبعدها الأمل تقصف وتدمر وتقتل، وإذا أردتم أن تتوقف فلا بد من أن يكون الحل من الرياض، وبحسب هواها، وهذا هو منطق المنتصر. فهل يعتقد قادة هذا الحملة أنها انتصرت؟ وهل هنالك شواهد على انتصارها غير القتل والدمار الذي أحدثته في اليمن؟ وقد بدأت المنظمات الدولية بعد سبات شهر تتحدث عنه وتطالب بمحاسبة مرتكبيه وبخاصة بعد تثبّتها من استخدام قنابل محرمة دولياً في اليمن من قبل هذا التحالف السعوأميركي.
أعتقد أن ذهاب أنصار الله إلى الرياض وهو المحال بعينه هو الانتصار لهذه الحملة فقط، أما الذهاب إلى أي دولة أخرى لحل هذه الأزمة بتوافق اليمني ـ اليمني هو الانتصار الحقيقي للإرادة اليمنية الحرة التي تقاتل على الأرض أدوات هذه الحملة، وعلى رغم الحصار والقصف الجوي نرى تقدم الجيش اليمني واللجان الشعبية واضحاً في الميدان وبدأت مرحلة جديدة، وهي التحرك لاستهداف العمق السعودي من قبل قبائل يمنية وليس الجيش اليمني واللجان الشعبية، وهذا التحرك سوف يغير من المعادلة ويجبر على أن يُؤمر بوقف هذا العدوان، فتداعيات الاستهداف الأخير خطيرة ولن يتحمله قادة هذه الحملة، وهذه هي أول بوادر الانتكاسة، والتي حذرت منها دول إقليمية ودعت إلى الحل السلمي التوافقي بين اليمنيين.
النصر آتٍ لا محالة، بصمود شعب اليمن الشقيق أمام هذا العدوان، وسوف تظهر الأيام القليلة المقبلة تغيرات في المشهد اليمني لأن بنيان هذه الحملة بدأ يتصدع من الداخل، لأن أساسه باطل وضعيف وما يقوم على الباطل مهما طال فهو إلى زوال.