القانون الدولي في فترة المنازعات الدولية

عصام الحسيني

الحرب أو المنازعات الدولية، تنتج علاقات قانونية محددة، بين كلّ الأطراف المتحاربة من جهة، وبين الأطراف غير المتحاربة من جهة أخرى.

لقد عرف قديماً عبر تاريخ الحروب، ما سُمّي بقوانين الحروب وتقاليدها، والتي مثلت في حدّ ذاتها، فرعاً من القانون الدولي… والقانون الدولي في فترة المنازعات المسلحة، الذي يعني كلّ المبادئ القانونية للاتفاقيات والتقاليد الدولية، التي تنظم العلاقات المشاركة في الحروب كأشخاص القانون الدولي العام بسبب استعمال وسائل وطرق إدارة النزاع المسلح، حماية الجرحى والمرضى، أسرى الحرب، السكان المدنيين، ووضعت مسؤولية دولية، ومسؤولية أشخاص محدّدين، لانتهاكهم هذه المبادئ.

من هنا نشأت محاولات عديدة لـ»أنسنة» الحرب مؤتمرات لاهاي وتنظيمها، وانْ كان القانون الدولي المعاصر، يقوم على مبدأ المنع العام باللجوء إلى الحرب ميثاق بريان كيلوغ عام 1928، وميثاق الأمم المتحدة في المادة 22 الفقرة 4، والمادة 51.

لكن هذا المنع القانوني للعدوان، لا يعني اختفاء الأسباب المنتجة والمسبّبة للحروب، والتي بدورها أوجبت ضرورة وجود مبادئ قانونية محدّدة في القانون الدولي، تهدف إلى تنظيم العلاقات بين الدول في فترة المنازعات المسلحة.

ومن الوثائق القانونية الدولية الخاصة بالحروب والمنازعات المسلحة، والتي تعتبر ذات أهمية مميّزة، مؤتمرات لاهاي لعامي 1899 و1907.

وقد أسّست اتفاقيات لاهاي لتطوّر تجلى:

أولاً: في اتفاقيات جنيف لعام 1949 والتي شملت مرضى وجرحى القوات المسلحة، وحماية الضحايا المدنيين، ومعاملة أسري الحرب.

ثانياً: اتفاقيات جنيف لعام 1977 حين جرى اعتماد برتوكولين إضافيين ألحقا باتفاقيات جنيف لعام 1949.

وتناول البرتوكول الأول حماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية، فيما تناول البرتوكول الثاني ضحايا المنازعات المسلحة المحلية.

ومن الاتفاقيات القانونية الدولية المعمول بها:

أ اتفاقية لاهاي عام 1954 الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة المنازعات المسلحة.

ب برتوكول عام 1977 وذلك بإشارتها إلى المبدأ العام الذي يقضي بحماية السكان المدنيين من آثار الأعمال العدائية، وكذلك إلى مبدأي، تجنّب التسبّب بآلام لا مبرّر لها، وحماية البيئة.

قرارات الأمم المتحدة:

أ -الإعلان المتعلق بحماية النساء والأطفال، أثناء حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة، لعام 1974.

ب المبادئ الرئيسية لحماية السكان المدنيين أثناء فترة المنازعات المسلحة، لعام 1970.

وتوجد أيضاً في القانون الدولي المعاصر، مجموعة كبيرة من الوثائق القانونية الدولية التي تنظم المسؤولية القانونية لأفراد محدّدين عن جرائم ارتكبوها، وعن انتهاكهم لوسائل وطرق إدارة الحروب. ومن أهمّ تلك الوثائق:

1 ميثاق المحكمة العسكرية الدولية لعام 1945.

2 اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.

3 اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضدّ الإنسانية لعام 1968.

4 قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة:

أ تسليم ومعاقبة مجرمي الحرب لعام 1946.

ب معاقبة مجرمي الحرب والأفراد المرتكبين لجرائم ضدّ الإنسانية لعام 1970.

ج مبادئ التعاون الدولي الخاصة بكشف، اعتقال، تسليم، ومعاقبة الأفراد المتورّطين في جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية لعام 1973.

إذاً، ومما تقدّم، فإنّ منع الحروب والنزاعات المسلحة، هو أحد أهمّ أهداف القانون الدولي المعاصر، من حيث النظرية، ومن حيث ما يجب أن يكون.

لكن النظرية الأفلاطونية المثالية، لا تتوافق مع الواقع الإنساني منذ وجوده، والذي اقترن دائماً مع النزاع الفردي والجماعي، من حاجاته الإنسانية الأولى المحدودة، إلى مدنيته ذات الحاجات اللا متناهية.

وفي تعامله مع الواقع القائم، هدف القانون الدولي، إضافة إلى محاولته منع الحروب، هدف إلى التخفيف من آثار الحرب على المدنيين، أو تحييدهم، من خلال تنظيمه لهذه القوانين الإنسانية، الراعية لمفهوم حقوق الإنسان في زمن المنازعات المسلحة.

وفي مقاربة للحروب والنزاعات المسلحة، القائمة في منطقة الشرق الأوسط، نستعرض لمثال النزاع المسلح في اليمن، وحالة المدنيين، مقارنة لما نصت عليه القوانين الدولية.

وبعيداً عن شرعية أو عدم شرعية الحرب القائمة، وبعيداً عن طبيعة تسميتها بالحرب أو بالعدوان، نسأل: ما هو وضع المدنيين، وما هي الحماية القانونية الدولية لهم؟

لقد فرضت القوات السعودية، حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على اليمن، منعت بموجبه، أيّ تقديمات إغاثية إنسانية للشعب اليمني المدني بكلّ صوره، معرّضة بذلك حياة آلاف المصابين والمرضى اليمنيين لخطر الموت، بسبب نقص المواد الطبية اللازمة، بحجة الضرورات الحربية، ودون مراعاة لمفهوم حقوق المدنيين.

كما أنّ تقارير المنظمات الدولية الإنسانية الحكومية وغير الحكومية، كانت قد حذرت من كارثة إنسانية وشيكة الوقوع، جراء النقص الحادّ في هذه المواد.

لقد طاول القصف الجوي السعودي، معظم المرافق الحياتية الحيوية الضرورية للمواطن اليمني، من محطات الطاقة، إلى المرافق الصحية، المرافق الاقتصادية، والبني التحتية، مما هدّد بنشوء أزمة إنسانية صعبة، تهدّد حياة الملايين من الشعب اليمني المدني بالموت.

إضافة إلى استهدافه لمجمّعات سكانية مدنية، وقتله للنسبة الأكبر منهم، متذرّعاً بوجود أهداف عسكرية، ومدمّراً لآلاف المنازل، جاعلاً الخيار إما الموت تحت الردم، أو التشرّد داخل الوطن أو خارجه.

لقد تجاوز الاعتداء السعودي، ما نصّ عليه القانون الدولي زمن النزاع المسلح، إنْ لجهة خرقه لقاعدة أساسية، وهي عدم التعرّض للمدنيين وحمايتهم، أو لجهة حماية الأطفال والنساء، أو لجهة عدم التسبّب لهم بأيّ آلام لا مبرّر لها.

لقد مارس الاعتداء السعودي، جريمة الإبادة الجماعية، التي يعاقب عليها القانون الدولي، من خلال قصفه لأهداف مدنية، وفي إجراء غير مبرّر أو مفهوم، لا من الناحية القانونية ولا من الناحية السياسية.

وهذه الظاهرة العنفية بحق المواطنين المدنيين اليمنيين، لم يعرف حالة مشابهة لها، من حيث عدم السماح بوصول الإمدادات الإغاثة الإنسانية، إلا مع حالة حصار غزة من قبل الاحتلال الصهيوني، وهذا يساوي بين الاعتداءين في المفهوم القانوني الدولي.

أما عرابة القرارات الدولية فرنسا ، فقد أكدت على لسان رئيسها بتاريخ 5 أيار الجاري، ومن منبر لقاء القادة الخليجيين، وقوفها إلى جانب السعودية في عدوانها على الشعب اليمني، مع إبرام عقود لشراء طائرات فرنسية حربية لدولة خليجية، تنفيذاً لهذا العدوان وتمادياً فيه.

لقد تحوّل القادة السعوديون، من وجهة نظر القانون الدولي، إلى قتلة للمدنيين اليمنيين، بصفة مجرمي حرب، يمكن ملاحقتهم عبر محكمة العدل الدولية، أو عبر المحكمة الجنائية الدولية، أو عبر المحاكم الوطنية، بصفة أفراد أو جماعة.

لكن ديبلوماسية الشنطة السعودية، تجعل من أمر الملاحقة القانونية مستبعداً، أقله في المدى المنظور، نظراً إلى تغليب المصلحة الخاصة للدول الفاعلة، على المصالح الإنسانية العامة، وانْ كان ذلك في إطار الخروج على المبادئ الأساسية الدولية، لما نصّ عليه ميثاق الأمم المتحدة، أو ما نصّت عليه كلّ المواثيق والعهود والقرارات الدولية، الداعية إلى دعم السلم والأمن الدوليين.

لم يقدّم المجتمع الدولي بكلّ مؤسساته الإنسانية والسياسية حتى اللحظة، أيّ دعم معنوي أو مادّي لحالة المدنيين اليمنيين في حالة النزاع المسلح القائم، بدءاً من المؤسسة الدولية الأولى وهي الأمم المتحدة، مروراً بباقي المؤسسات الدولية الأخرى، مع الاكتفاء بالدعوات الخجولة للأمين العام للأمم المتحدة لوقف الحرب، في موقف غير مبرّر في القانون الدولي، ليترك المواطن اليمني المدني، من دون حقوق تحميه وترعاه، وهي حالة فريدة من نوعها في العلاقات الدولية، لكنها «مفهومة».

لقد اتحد المال الخليجي مع الامبريالية الغربية، على حقوق الشعب اليمني، في حالة استلاب مستمرة لمقدرات العرب الاقتصادية، وفي ظلّ الغياب الكامل لعامل الوعي العربي، لنصبح أمام واقع أليم، يعيش خارج إطار القانون الدولي المعاصر، إنسان بلا حقوق ترعاه أو تحفظ كرامته، من فلسطين إلى اليمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى