لماذا يحقّ لحزب الله حسم معركة القلمون؟
محمد حمية
مع اقتراب ساعة الصفر لمعركة القلمون، عاد الانقسام السياسي ليسيطر على المشهد الداخلي، فحزب الله يرى في المعركة أنها استراتيجية ومصيرية في الصراع مع الإرهاب وحماية للبنان، في حين يرى تيار المستقبل أنها دفاع عن النظام وتؤدي إلى المزيد من توريط لبنان في الصراع الإقليمي وأنّ لها تداعيات سلبية على البلد.
فأي من الرؤيتين تشكل مصلحة للبنان؟
للإجابة عن هذا السؤال، لا بدّ من طرح سؤال آخر: هل تمكنت سياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا الذي نادى به الرئيس السابق ميشال سليمان وفريق 14 آذار من حماية لبنان من الإرهاب، أم أنّ تدخل حزب الله هو الذي حقق ذلك؟
صدر إعلان بعبدا في الحادي عشر من حزيران عام 2012، وتمّ التوافق على تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة، إلا أنّ الأحداث التي حصلت بعد هذا التاريخ برهنت عكس ذلك، فالمجموعات الإرهابية تمادت في اعتداءاتها حتى بلغت ذروتها الصيف الماضي مع الهجوم الذي شنته تلك المجموعات على بلدة عرسال ومراكز القوى الأمنية فيها وخطفها 35 عسكرياً واحتلال أرض لبنانية، فضلاً عن تدفق مئات الآلاف من النازحين السوريين إلى لبنان، ما رتّب نتائج سياسية وأمنية واقتصادية كارثية.
دفع فشل سياسة النأي بالنفس وتهديد لبنان وتدخل بعض القوى اللبنانية لدعم المعارضة المسلحة في وجه النظام في سورية حزب الله وقوى أخرى إلى دخول المعركة، فقد تمكن الحزب مع الجيش السوري من تحرير العديد من المناطق من المسلحين وأبرزها القصير ويبرود، وإبعاد المسلحين عن البحر المتوسط، إضافة إلى توقف العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة في الضاحية والبقاع ومناطق أخرى، ومنع المسلحين من الاقتراب نحو العاصمة بعد أن هدّدت «جبهة النصرة» باحتلالها.
قبل أن يعدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الأسباب الموجبة لانخراط الحزب في هذه المعركة، أدلى الرئيس سعد الحريري بجملة من المواقف الرافضة لهذا الانخراط، واعتبر أنّ «المعركة المرتقبة لبنانية على الأراضي السورية، بحجة الحرب الاستباقية وأن لا وظيفة لها سوى حماية الظهير الغربي للرئيس السوري بشار الأسد واستدعاء الحرائق السورية إلى الداخل اللبناني وأنها لا تضمن سلامة العسكريين المخطوفين».
لكن، هل يعرف الحريري جيداً الطبيعة الجغرافية للحدود اللبنانية السورية؟ وهل هناك ترسيم حدود بين الدولتين، وهل تفرّق التنظيمات الإرهابية بين أرضٍ لبنانية وأخرى سورية، وخصوصاً أنّ تنظيم «داعش» يعلن حدود دولته «العراق والشام» أما «جبهة النصرة» فحدودها أوسع وأشمل وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة العالمي؟ هل يريد الحريري أن ينتظر اللبنانيون «داعش» و«النصرة» كي يشنّا الهجمات على القرى الحدودية وتتكرّر أحداث عرسال ويتكرّر معها إرسال السيارات المفخخة إلى مناطق لبنانية مختلفة، فيما هو يتنقل بين عواصم العالم في رحلات سياحية وتجارية ومالية؟
هل يقنع الحريري اللبنانيين بأنه خائف على العسكريين المخطوفين وهو وتياره السياسي كانا وراء تأمين البيئة الحاضنة للإرهابيين، ليصولوا ويجولوا في طرابلس وعكار وعرسال؟ ألم يكن لرئيس بلدية عرسال علي الحجيري الذي ينتمي إلى «المستقبل» دور في عملية خطف العسكريين اللبنانيين؟
تجدر الإشارة إلى تزامن موقف الحريري الأخير مع التهديد الذي أطلقته «جبهة النصرة» بقتل العسكريين اللبنانيين المحتجزين لديها، إذا لم تفتح السلطات اللبنانية المعابر بين عرسال والجبال الحدودية مع قرى القلمون السورية.
لماذا يعتبر الحريري أنّ مشاركة حزب الله في معركة القلمون مصلحة للنظام في سورية، ولا يرى، في المقابل، المصلحة اللبنانية من خلال القضاء على هذه المجموعات الإرهابية التي تحتل أرضاً لبنانية تبلغ مساحتها حوالى 600 كيلومتر مربع وتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية تقتل لبنانيين، بحسب ما قال رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أيد خوض حزب الله الحرب؟ ما الذي يخسره الحريري إذا تمّ القضاء على الإرهابيين، أكان بتدخل حزب الله أو الجيش أو الاثنين معاً؟ وهل يملك الجيش القدرة على حماية كامل الحدود وحده بلا دعم حزب الله والتنسيق مع الجيش السوري؟
حذر السيد نصرالله في شباط الماضي من أنّ معركة القلمون آتية لا محالة، فماذا فعل الحريري وفريقه لحماية لبنان؟ وهل استعدّت الدولة جيداً لكي نقول لحزب الله: «من كلفك»؟ فالربيع قد حلّ ولم يتسلّم الجيش سوى دفعة واحدة من سلاح الهبات، فهل يستطيع الجيش أن يواجه آلاف الإرهابيين بما يملك من سلاح؟
إذاً ما الذي يفسّر مواقف الحريري؟
يؤكد قطب رئيسي في قوى 8 آذار لـ«البناء» أنّ الجانب السوري يعلن، منذ وقت طويل، للجانب اللبناني استعداده لحسم جبهة القلمون لكنّ ذلك يحتاج إلى تنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمصلحة لبنان لأنّ المجموعات الإرهابية الموجودة في منطقة عرسال يمكن أن تصل إلى الداخل اللبناني في أي لحظة لتجعل الوضع أكثر تعقيداً، إضافة إلى أنّ للبنان عسكريين مخطوفين، واعتبر أنه «منذ شعار النأي بالنفس حتى الآن تفاقمت هذه الأزمة في شكل كبير».
وأضاف القطب نفسه: «من الواضح أنّ حزب الله من خلال الدور الذي يقوم به في لبنان وسورية سيقوم بتصفية هذه المجموعات، بمساعدة الجيش السوري، أما الجيش اللبناني فرغم أنه لا ينسق مع الطرف السوري، إلا أنه يقوم بدوره بقصف مواقع الإرهابيين. لكنّ حزب الله والجيش اللبناني من جهة، وحزب الله والجيش السوري من جهة ثانية، يستطيعون تنظيف منطقة القلمون أكان من الجهة اللبنانية أو السورية».
وشدّد المصدر القيادي نفسه على أنّ «كلام الحريري وغيره في هذا السياق معزوفة مستمرة»، مبدياً عدم استغرابه، مستذكراً ما قاله الحريري عندما انتصرت المقاومة على العدو الصهيوني في عدوان تموز 2006 حيث اعتبرها مغامرة.
وجزم المصدر القيادي بأنّ «الحريري وفريقه السياسي لديهم اربتاطاتهم الإقليمية والدولية ويتعرضون لضغوط للإدلاء بتلك التصريحات، لا بل ساهموا في نمو وانتشار فكر «القاعدة» في عرسال وغيرها، مشيراً إلى باخرة «لطف الله2» وإلى تهريب المسلحين من عكار إلى عرسال.
ولفت المصدر إلى أنّ تيار المستقبل أرسل مسلحين إلى سورية قبل حزب الله، متسائلاً: «كيف يسمح هذا الفريق بإرسال مسلحين إلى سورية وينكر ذلك على حزب الله الذي له فضل كبير على لبنان، والذي قاتل إلى جانب النظام في سورية آلاف المسلحين الذين جاؤوا من 22 دولة ليشنوا حرباً كونية على سورية؟»