مختصر مفيد… كان هجوماً معاكساً محسوباً أصلاً

كلّ ما يجري منذ أول أيار، هجوم معاكس محسوب ومرسوم سلفاً، كما يؤكد مرجع قياديّ في محور المقاومة على صلة بمتابعة المعارك التي تشهدها الساحتان المركزيتان في سورية واليمن، شمال المنطقة وجنوبها، وحيث يختزن مستقبل الصراع بين قوى المحور، خصوصاً سورية وحزب الله والثوار الحوثيين من جهة، والمثلث التركي ـ «الإسرائيلي» ـ السعودي من جهة مقابلة. فمنذ مطلع السنة كانت التوازنات الحاكمة للمواجهات في الساحتين اليمنية والسورية، تنذر مع تقدم المفاوضات التي تنجح خلالها إيران في انتزاع شرعية برنامجها النووي السلمي ومشروعيته، من دون تقديم أيّ تنازلات من ثوابتها أو تفريطٍ بأيّ من حلفائها، بقيام حكومات العدوان الثلاثي بإعداد ما تراهن على قلب الطاولة عبره، ووضعت لذلك سيناريوات وفرضيات.

يؤكّد المصدر أن قيادة محور المقاومة لم تكن تضع فرضية بعينها لتقرر التعامل معها، بقدر ما كانت تتوقّع أن تشهد الشهور الفاصلة عن نهاية آذار الموعد الأول لنهاية التفاوض حول الملف النووي الإيراني. رؤوس الجسور التي ترسم مشهد عدوان منسّق بين الأتراك و«الإسرائيليين» والسعوديين، ليكون شهر نيسان شهر الذروة في محاولة تغيير المعادلات من محور العدوان، ليشكل شهرا أيار وحزيران فرصة محور المقاومة لهجوم معاكس، يعيد رسم المشهد النهائي بالتزامن مع نهاية المفاوضات النهائية بين إيران والغرب في نهاية حزيران، إذ يفترض أن تكون المهل المفتوحة من واشنطن أمام حلفائها لفعل ما يستيطعون، قد انتهت.

كانت الاستعدادت التي اتخذتها قوى حلف المقاومة هي ترتيبات دفاعية، وتوضيع لمقدرات لاستنزاف أي هجوم تشهده محاور القتال والمواجهة على الساحتين اليمنية والسعودية. وهدف هذه الترتيبات من جهة امتصاص الضربات، واستنزاف القوى التي تخوض الهجوم باعتبارها الاحتياط الذي كان متاحاً بيد قوى العدوان الثلاثي، وإبقاء الاحتياط الخاص بمحور المقاومة خارج المواجهة، من جهة مقابلة، للزجّ به ضمن خطة الهجوم المعاكس مع مطلع أيار.

يقول المصدر القيادي في محور المقاومة إن ما شهدته الحرب في اليمن والمعارك في سورية تؤكد أن التعامل مع الهجمات الشرسة والوحشية التي قام العدوان الثلاثي بشنّها، لم يتجاوز حدود الامتصاص، على رغم الأذى والمرارة، مع وقوع خسائر موجعة في الأرواح خصوصاً بين المدنيين في اليمن، وسقوط بلدات ومدن سورية بيد «جبهة النصرة»، التي كان معلوماً أنّها الاحتياط الوحيد الذي يملكه في حروب البرّ أطراف العدوان الثلاثي. كما كان معلوماً أن الإدارة الأميركية قد منحت الضوء الأخضر لهذه الهجمات وأبدت كل الاستعداد لملاقاة ما تحقّقه من إنجازات برفع السقوف التفاوضية من جهة، وتبنّي التغييرات في الميدان لبناء حسابات جديدة للمسارات الممكن سلوكها في كل من سورية واليمن.

سار كل شيء كما كان متوقعاً، يقول المصدر القيادي. وعلى رغم عدم وضوح التوقع حول إقدام السعودية على خوض حرب، إلا أن الحرب في كيفية التعامل معها وقدرة الامتصاص والاحتواء التي أبداها ثوار اليمن طوال شهر متواصل من القتل المفتوح، بما في ذلك الامتصاص الإيراني التحرشات والاستفزازات، وصولاً إلى البرود الروسي في مجلس الأمن. كلّ ذلك كان ضمن ما تم حسابه والتحسّب له. والمُراد ترك جعبة الخصم تفرغ من كل احتياط والوقوع في الإفلاس من دون تحقيق تغيير جوهري في الموازين الكبرى للمعادلات. ومع نهاية نيسان، كان كل شيء يبدو أنّه دخل في حلقة مفرغة، والإفلاس يصير سيد الموقف، والحرب النفسية تتحول إلى حرب إشاعات، فلم يبق ما يمكن فعله. وآن الأوان للبحث عن مخارج تفاوضية تنزل معها قوى الحرب عن شجرتها، فيسعى الأتراك إلى توظيف دخول إدلب وجسر الشغور بحجز مقعد تفاوضيّ في سورية، ويحاول السعوديون ترجمة نهاية حربهم بنجاح رعايتهم تشكيل اليمن الجديد.

دخلنا مطلع أيار، يقول المصدر القيادي في محور المقاومة، والتنسيق على أعلى المتسويات، بين أطراف المحور، فتكفي الإشارة إلى أن زيارة وزير الدفاع السوري وأركانه إلى إيران ووزير الداخلية السورية إلى موسكو، لم يحدث مثيلهما من قبل، وما كان يتولاه سيد المقاومة من شدّ للأضواء الإعلامية كعنوان لاستقطاب نيران هذه الحرب تمهيداً لبدء هجومه المعاكس وحربه الخاصة. كله كان محسوباً، وفي الهجوم المعاكس، الهدف محدد، لا مكان لتركيا في المفاوضات للحلّ السياسي في سورية، ولا رعاية سعودية للحلّ السياسي في اليمن، وهذا يعني سياسياً أن الحوار اليمني لن يكون في الرياض مهما كلّف الثمن، وأنّ الحوار السياسي في سورية لن يسمح بالمشاركة فيه لكل المفردات التي تشكل واجهة سياسية لـ«جبهة النصرة» و«الأخوان المسلمين»، ونواة المعارضة المقبولة هي التي شاركت في موسكو ووفقاً لورقة موسكو.

الأهداف السياسية الواضحة للهجوم المعاكس لمحور المقاومة، ترجمت برسم أهداف عسكرية للهجوم الميداني، وهي جبال القلمون اللبنانية ـ السورية، حيث القوة المركزية لـ«جبهة النصرة» التي ستُسحَق في هذا الهجوم. والتوغل اليمني في نجران المحافَظة اليمنية المحتلة من السعودية، والواقعة على حدود محافظة حجة اليمنية الحدودية، وبعد تحقيق الهجوم الميداني أهدافه الرئيسة، يمكن فتح الباب للبحث السياسيّ مجدّداً.

كل شيء يسير كما هو مرسوم وما هو مقرّر. والسادس من أيار ساعة الصفر، وإطلالتان متزامنتان غير مسبوقتين للرئيس السوري بشار الأسد والسيد حسن نصر الله. وانطلق الهجوم، فتهاوت المواقع السعودية في نجران وبدأت تتساقط مواقع «النصرة» في القلمون.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى