«الطريق إلى الشمس» تعيد مجد المسرح الغنائي إلى الخشبة السورية

شذى حمّود

حشدٌ فنّي لافت ختم عروض مسرحية «الطريق إلى الشمس» على مسرح القاعة الرئيسية في دار الأوبرا السورية، مستعيناً بجوقة كبيرة من الراقصين والممثلين والمغنين. إذ كان هذا العرض بمثابة تحية لبطولات الأجداد منذ أيام الثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش، وعبر رؤية الفنان ممدوح الأطرش وإخراجه، هو الذي وضع بدوره مخيلة فنية راقية لهذا العرض مستخدماً كل العناصر التي من شأنها تحقيق أشعار الفنان كفاح الخوص ونصه على خشبة بضخامة مسرح الأوبرا.

العرض الذي استمر ثلاثة أيام متواصلة حقق انطباعاً كبيراً لدى المهتمين والجمهور بضرورة إعادة الألق الى المسرح الغنائي الذي انقطعت أخباره منذ أفول نجم مسرح الأخوين رحباني في لبنان، ورحيل آخر أعمدته الفنان منصور الرحباني، ليكون الجمهور السوري على موعد مع ما يشبه ملحمة غنائية استعراضية راقصة لعبت بطولتها كوكبة من فناني سورية ومطربيها كان في مقدّمهم كل من المغنية نورا رحال والمغنية ميس حرب والمغنّي حسين عقلة والفنان فيصل الراشد وعباس الحاوي ووسيم قزق، وفق رؤية موسيقية وضعها الموسيقي السوري طاهر مامللي.

موسيقى مامللي حققت بدورها ما يشبه حلّاً إخراجياً ساهم فيه كل من الفنانين كفاح الخوص بدور الراوي، والكريوغراف معتز ملاطي ليه، والمخرج المساعد عروة العربي، ليكون الجمهور أمام سيرة وطن كانت حبكته الأساسية بإبراز قيمة الشهادة ومنزلة الشهداء في الوعي الجمعي السوري المعاصر من حيث استحضار تاريخ من البطولات التي امتدت منذ إعدام الاحتلال العثماني والد المقاوم سلطان باشا الأطرش الشهيد ذوقان الأطرش، ووصية الأب الشهيد لابنه بمتابعة النضال من بعده وحمل راية الثورة ضدّ المستعمر الظالم.

كما استعرضت «الطريق إلى الشمس» تاريخ معركة ميسلون في تموز 1920 ووقوف البطل يوسف العظمة ومن معه من أبطال الاستقلال في وجه المستعمر الفرنسي، في إسقاط لافت على تضحيات الجنديّ السوري ضدّ الإرهاب على كامل الجغرافيا السورية في يومنا هذا إذ نجح هذا العرض المسرحي الغنائي الراقص في الدمج ببراعة بين عدة مستويات من الأداء، مستفيداً من فضاء مسرح الأوبرا لتحقيق سينوغرافيا لافتة، وصوغ إسقاطات مهمة على صعيد الأغنية واللحن والحركة، وعبر قصة حب بين كل من: زهرة، وأسعد، ووقوف ميثا في وجه الوالي العثماني وانكشاريته.

التوليفة التي أعدها الأطرش لهذا العرض اتكأت على الشعر المحكي للتقرب من كل شرائح الجمهور مناغمة بينه وبين الأغنية والزجل وبتواتر مستمر بين أداء الممثلين والراقصين، من دون أن يكون ذلك على حساب إيقاع المشهدية المسرحية التي اقتربت هي الأخرى من الملحميات الكبرى من حيث الاشتغال على المجاميع وتحريكها ببراعة على خشبة المسرح، متنقلة بين المشاهد واللوحات وفق جمل درامية تم تخديمها بإضاءة ريم محمد وأزياء بصرية متحركة للفنانة ميرال ديرأكليان، جنباً إلى جنب مع أداء حيّ ومباشر من الفرقة الموسيقية بقيادة الفنان باسل صالح.

في المستوى البصري، قدّم الفنان يزيد السيد رؤية بصرية لفيلم قدم في عمق الخشبة كافتتاحية للعرض كان من بطولة كل من ممدوح الأطرش وكفاح الخوص والطفلة ريان شامية وأطفال «روضة زهرة المدائن» في حمص ومدرّسيها، إذ دُمج بين المستويين المسرحي والسينمائي في هذا العرض، محققاً نقلات في عالم المسرح الغنائي الاستعراضي، لا سيما على صعيد قطع الديكور الكبيرة التي حققها الفنان نزار بلال، خصوصاً في مجسمَي برج إيفل وعمود البرق الشهير في ساحة المرجة.

بانوراما تاريخية

تروي المسرحية التي تشبه بانوراما تاريخية من حياة الشعب السوري ونضاله، حكاية بطولات الشعب السوري من مرحلة الاحتلال العثماني، مروراً بالاحتلال الفرنسي وقيام الثورات السورية ضد المحتل في كل الأراضي السورية واللبنانية، والتي توجت بالثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش.

وتصل أحداث المسرحية إلى ما يمر به العالم العربي، وسورية من وقائع متواترة ومن مؤامرات على هذا الشعب وصولاً إلى واقعنا الحالي.

وشخصية «ميثا»، بطلة العرض التي تجسّدها الفنانة نورا رحال، شخصية واقعية كانت حكايتها مع الوالي التركي ممدوح باشا سبباً لبداية الثورات ضد الاحتلال العثماني، إذ تتحوّل «ميثا» التي هي من لحم ودم في التاريخ، إلى الرمز فتكون هي الارض والامل حتى يرحل الاحتلال العثماني.

ولا تلبث فرحة الناس أن تدبّ في قلوبهم حتى يأتينا المحتل مرة أخرى فيدخل الجنرال الفرنسي غورو دمشق ويستشهد البطل الهمام يوسف العظمة ويعاني الشعب السوري من ظلم المحتل. ولكن هيهات أن يرضخ هذا الشعب ويستسلم لمن يغزو أرضه، فتعمّ الثورات سورية بقيادة رجال سوريين عظماء: الشيخ صالح العلي وابراهيم هنانو وفوزي القاوقجي وأحمد مريود والشيخ الاشمر وملحم قاسم المصري وغيرهم لطرد الغازين عنها.

وتتواتر الاحداث سريعاً لنصل إلى ما يمر به الآن شعبنا من تآمر على هذه الارض الطهور، ولكن السوريين لن يستسلموا ويرضخوا للذل والهوان. فكما ضحّوا في الماضي، ها هم الآن يواجهون الغزاة الجدد. فالمستعمر واحد مهما غيّر أشكاله وبدّل ألوانه وأساليبه.

وتخلل المسرحية فيلم سينمائي قصير أخرجه يزيد السيد ومثّل فيه كل من ممدوح الأطرش وكفاح الخوص وريان شامية، إضافة إلى أطفال ومدرّسين من «روضة زهرة المدائن» في حمص، تحدث عن الأمان الذي كانت تنعم به سورية، وأن هذا الشعب مصرّ على الحياة والبقاء والانتصار على رغم كل أدوات الارهارب والاجرام التي تحاول النيل منه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى