اليمن والهدنة المحتملة
حميدي العبدالله
الهدنة التي بدأ الحديث عنها أثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض ولقائه المسؤولين في المملكة، وعاد وزير الخارجية السعودي ليعلن موعد هذه الهدنة التي تمتدّ لخمسة أيام وقابلة للتمديد، وهو 12 أيار الجاري، أيّ قبل ساعات قليلة من القمة التي سوف تجمع الرئيس الأميركي بقادة الدول الخليجية، كانت متوقعة منذ اللحظة الأولى لبدء «عاصفة الحزم» على اليمن، وتحديد الرئيس الأميركي لموعد القمة مع الدول الخليجية في 13 أيار، أيّ بعد أكثر من شهر على بدء الحرب، هذا الوقت سيكون كافياً لامتحان قدرة السعودية وحلفائها على تحقيق الأهداف التي أعلنوها في لحظات بدء الهجوم، وهي القضاء على حركة أنصار الله، وإرغامهم على تسليم أسلحتهم والانسحاب من المدن والمواقع التي سيطروا عليها، هذه هي على الأقلّ الأهداف المعلنة، ولكن ثمة أهدافاً غير معلنة وهي التي كانت تشكل أساس بدء الحرب على اليمن، وأبرز هذه الأهداف منع تقدّم الجيش وحركة أنصار الله في المحافظات الجنوبية، ولا سيما في مدينة عدن، لكي تظلّ المدينة معقلاً للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والعمل على حمايته وتثبيت سيطرته في المحافظات الجنوبية، حتى لو أدّى ذلك إلى تقسيم اليمن، على الأقلّ تقسيم أمر واقع على غرار تقسيم قبرص.
لكن بعد مرور حوالي 45 يوماً على الحرب لم تتمكن السعودية من تحقيق أيّ هدف من أهدافها، سواء كانت الأهداف المعلنة، أو الأهداف الخفية. جلّ ما تحقق فعلاً هو سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف المدنيين، وإلحاق أذى كبير بالمرافق العامة، ولا سيما المطارات والمصانع والطرق الواصلة بين المحافظات، وسقوط عدد من القتلى في صفوف الجيش وحركة أنصار الله، ولكن هذه الخسائر، المادية والبشرية، لم تحل دون تحقيق تقدّم من قبل الجيش وأنصار الله وسيطرتهم على غالبية المحافظات الجنوبية، بما في ذلك سيطرتهم على أكثر من 90 في المئة من مدينة عدن.
اليوم الحرب بعد مرور كلّ هذا الوقت لم تفشل في تحقيق أهدافها العلنية والخفية وحسب، بل إنّ لها تداعيات تشكل تهديداً خطيراً للاستقرار داخل السعودية وعلى مستوى المنطقة، ففي الأسبوعين الماضيين بدأ القتال على طرفي الحدود بين السعودية واليمن، وتوغلت قوات من القبائل وسيطرت على مناطق داخل حدود المملكة العربية السعودية، واستمرار الحرب بات يشكل استنزافاً للسعودية وحلفائها المشاركين في الحرب بقدر ما يمثل استنزافاً لليمن، وإطالة أمد الحرب لن يغيّر في التوازنات والمعادلات التي كانت قائمة قبل عاصفة الحزم، بل إنه كرّس هذه المعادلات بقوة وسرعة لا تختلف عما كان عليه مسار الأزمة قبل ذلك.
ولأنّ الولايات المتحدة ملتزمة بأمن السعودية والدول الخليجية، ولأنّ لديها مصالح ضخمة في هذه المنطقة، فهي لا تريد أن تستمرّ الحرب فترة أطول، وقد تخرج عن السيطرة، وتضع الولايات المتحدة أمام خيارات صعبة، وبين هذه الخيارات التورّط في المشاركة المباشرة في الحرب، وليس الاكتفاء بالتأييد والدعم اللوجستي، وبيع الدول المشاركة في الحرب المزيد من الأسلحة. ولهذا جرى تحديد موعد الهدنة مع قمة «كامب ديفيد»، وربما يكون تمديد الهدنة لمرات هو المخرج من هذه الورطة.