لم تكن نكبة فلسطين… الأخيرة!!

د. سلوى خليل الأمين

منذ نكبة فلسطين في العام 1948، وإعلان قيام دولة «إسرائيل» من قبل بن غوريون في تمام الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الجمعة في 14 أيار 1948 في قاعة متحف مدينة «تل أبيب»، والعرب ما زالوا يدورون في فلك النكبات والحروب الأهلية وحديثاً ما أطلق عليه زوراً وبهتاناً «ثورات الربيع العربي».

فالنكبات ما زالت تتابع صعداً منذ احتلال الصهاينة لفلسطين، على إثر إعلان البريطانيين إنهاء انتدابهم عليها وتسليمها لقمة سائغة لعصابات «الهاغاناه» الإرهابية الصهيونية، التي استطاعت بدعم مباشر من السلطة البريطانية السيطرة على المدن الرئيسية والبلدات والقرى الممتدّة من المطلة إلى حيفا والسهل الساحلي والنقب الشمالي وجنوب بحر الميت، وذلك بعد إدخالها ما لا يقلّ عن نصف مليون يهودي إلى فلسطين، ومساعدتهم في إنشاء قواتهم المسلحة، التي سيطرت في ما بعد، أي بعد انسحاب البريطانيين وبدعم مباشر ومنظم منهم، على المرافئ والمطارات ومعسكرات الجيش والمراكز الاستراتيجية، بالرغم من تدخل الجيوش العربية التي وجدت نفسها مضطرة إلى التدخل في فلسطين، من أجل مساعدة سكانها على السلم والأمان وإنشاء دولة يتمتع فيها الجميع بالمساواة وفق الأسس الديموقراطية، لهذا دخلت الجيوش العربية ومنها: اللبنانية والسورية والعراقية والمصرية والأردنية لمساعدة الأخوة الفلسطينيين، فاستطاعت أن تحقق تقدماً على كلً المسارات والجبهات، بحيث وصل الجيش العراقي إلى مسافة 10 كلم جنوب تل أبيب والجيش السوري واللبناني اللذين حققا تقدماً في الشمال والجليل، والجيش الأردني في القدس، وكالعادة تدخلت الولايات المتحدة الأميركية وفرضت الهدنة التي استمرّت من تاريخ 11 حزيران حتى 8 تموز 1948، مما جعل الإسرائيليين يستكملون تسليحهم وتدريبهم وتعبئة كل الطاقات البشرية لديهم القادرة على حمل السلاح، لدرجة فاق تعدادهم المائة ألف محارب، هكذا فشلت الهدنة، واستمرت الحرب فاستطاع الإسرائيليون السيطرة على 80 بالمائة من الأراضي الفلسطينية، بعدها فرضت الهدنة الثانية التي أدّت إلى قيام دولة «إسرائيل»، وكان أول المعترفين بها الرئيس الأميركي هاري ترومان، في الوقت الذي كانت فيه منظمة الأمم المتحدة تدرس إمكانية وضع فلسطين تحت الوصاية الدولية.

هذه العودة بالذاكرة إلى ما جرى في فلسطين وخسارة العرب معركتهم فيها، التي أدّت إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، لا يجوز إسقاطها من يومياتنا الوطنية، لأنّ «إسرائيل» آفة شيطانية ووباء معد، وقد زرعت في قلب هذه الأمة العربية، كي يتم تفتيتها وتقسيمها وشرذمة شعوبها، من أجل تحقيق الهدف الصهيوني الأكبر، وهو السيطرة الصهوينة الكاملة على المنطقة العربية وتحقيق شعاراتهم التوراتية القائلة بأنّ: «حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».

لهذا ما زلنا نشهد أنّ التاريخ يعيد نفسه في عالمنا العربي، وذلك عبر هذه الحروب المفتعلة والانتفاضات المنظمة والثورات الملتبسة، فلبنان هذا البلد الصغير الواقف على خطوط الجبهات النارية في الجنوب، استطاع أن يسجل أهمّ انتصارين في تاريخ العرب على دولة «إسرائيل»، عبر تحطيم اسطورة الجيش الذي لا يُقهر بفضل مقاومة شجاعة، استطاعت تحرير الأرض في العامين 2000 و2006 من رجس الاحتلال الصهيوني ومجازره المتواصلة، التي لم تردع لتاريخه بعض سياسيّي هذا البلد، الذين يعملون في السرّ والعلانية ضدّ المقاومة الوطنية الشريفة، الواقفة على خطوط النار من أجل حماية السيادة اللبنانية، فما يؤسف له أنهم ما زالوا يتحفوننا بتصريحاتهم المتوافقة مع العصابات الإرهابية من «النصرة» إلى «داعش» إلى «القاعدة»، مما يدلّ على أنهم لا يشعرون بالخطر المحدق بلبنان وشعبه كافة، امتداداً من حدوده البقاعية حتى الجنوبية المتاخمة للعدو الصهيوني، ولا يؤمنون بتضحيات المقاومة في حزب الله، الواقفة بالمرصاد لأيّ احتلال داعشي لمناطق لبنانية، كما انهم لم يوافقونها سابقاً على تصدّيها لغطرسة بني صهيون واجتياحاتهم التدميرية المفاجئة للجنوب اللبناني ولكلّ المناطق اللبنانية، خصوصاً في هذه الآونة التي تدار فيها معركة القلمون السورية المتاخمة للحدود البقاعية، التي يخوضها هؤلاء المقاومون دفاعاً عن لبنان واللبنانيين، بحيث يتطلب الواجب الوطني الوقوف صفاً واحداً خلف المقاومة والجيش اللبناني المبتلي بهكذا سياسات شخصانية، تدمّر معنوياته العالية، وتحدّ من دعمه بالسلاح والعتاد، وتخلق له المشاكل في توجهاته القيادية، التي يجب أن تراعي التراتبية الوظيفية والكفاءة التي هي الأهمّ.

أما سورية، قلعة العروبة وقلبها النابض بالحياة، الحاملة قضية فلسطين على رؤوس سيوفها ومهود قلوب أبنائها، فإنها تستحق من كلّ العرب وقفة جهادية أخوية تمنع تفتيتها وتقسيمها، وكذلك العراق الذي ابتلي بالاحتلال الأميركي دون رفة جفن من القادة الأعاريب الذين شجعوا صدام حسين على محاربة إيران على مدى سبع سنوات، إضافة إلى ما يجري حالياً من حرب سعودية مدمّرة على اليمن السعيد، أضف إليها النكبات التي ما زالت تتماهى في ليبيا ومصر وتونس، والقلق الذي تعيشه الشعوب العربية في تلك البلدان التي عرفت الأمن والأمان في فترات سابقة شابتها العديد من التجاوزات والأخطاء، التي كانت تغطيها دوائر القرار العالمي، عبر خطط مدروسة غايتها الوقوع في الفخ الصهيوني الأميركي التوراتي المسيطر على قرارات منظمة الأمم المتحدة، التي لم تستطيع لتاريخه اتخاذ القرارات الآيلة إلى الحفاظ على سيادة الدول وحرية شعوبها.

إنّ العالم العربي المقبل على ذكرى نكبة فلسطين في 14 أيار، يرزح حالياً تحت نير نكبات متنقلة ما لم يسارع الحكام والمسؤولون إلى لملمة الواقع المشرذم، عبر تجاوز المناكفات والأحقاد والغباء المستشري في العقول، الناتج عن عدم الغوص في عمق السياسات العالمية المرسومة والمعدة بدقة لتفتيت العالم العربي، والتي نشهدها حالة لاإستقرار في طول المنطقة وعرضها، امتداداً من لبنان وسورية والعراق وصولاً إلى اليمن ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية، التي عرفوا كيف يغرقوها في مشاكلها الداخلية وأحقادها القبلية وجهل بعض حكامها الذين يدورون حالياً في فلك الصهيونية العالمية، مسقطين من أجنداتهم قضية فلسطين وشعبها المشرّد في الشتات.

نعم لم تكن نكبة فلسطين الأخيرة ولن تكون الأخيرة، إذا لم تتغيّر المعادلات القائمة على مهادنة «إسرائيل» وعقد المعاهدات معها، وزجّها في الحروب الداخلية العربية الممتدّة على طول الحدود من لبنان مروراً بسورية وصولاً إلى العراق فاليمن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى