ضبط الاستقرار: لا رهان أميركياً على التقدم في شمال سورية
عامر نعيم الياس
القلق والشك، صفتان ميّزتا الصحافة الأميركية الصادرة هذا الأسبوع، والتي تناولت في مقالاتها مآلات تدريب «المعتدلين السوريين» في ضوء التقدم الميداني الأخير الذي أحرزته الميليشيات المرتبطة بالغرب، والمنضوية تحت لواء «النصرة» في محافظة إدلب، وتحديداً في مدينتَي إدلب عاصمة المحافظة، وجسر الشغور الخاصرة الرخوة للساحل السوري وتحديداً مدينة اللاذقية.
وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر قطع الشك باليقين وأشار إلى «تعقيد» إقامة منطقة عازلة في سورية، والحاجة الملحّة إلى قوّات أميركية على الأرض السورية كشرط لنجاح هذا السيناريو، وهو أمر غير ممكن في ضوء انكفاء إدارة أوباما عن التدخل العسكري المباشر واختيارها الحرب بالوكالة وفقاً للنمط الذي تدار به الأمور على الأرض السورية. ما سبق يعود بالدرجة الأولى إلى عملية «ضبط الاستقرار» التي قام بها الجش السوري والقوات الرديفة في شمال البلاد لاستعادة مدينة جسر الشغور من قبضة «القاعدة»، وشنّ عملية واسعة في القلمون لضرب القواعد الخلفية لـ«جبهة النصرة» في سورية، وهو ما كان حذّر منه معهد واشنطن في دراسة صدرت الأسبوع الماضي في خضمّ التجييش الإعلامي والضغط النخبوي للعودة إلى نغمة «تغيير الحكم» في سورية، واعتماد استراتيجية جديدة لإدارة أوباما، بديلة عن بعض الواقعية السياسية التي باتت تطبع السياسة العامة للإدارة في الملف السوري، إذ جاء في دراسة للمعهد أعدّها الضابط السابق في الاستخبارات الأميركية جيفري وايت والباحثة السورية علا عبد الحميد الرفاعي، أنّ تطور المعركة إدلب في الأيام المقبلة يعتمد على عدد من العوامل منها: قدرة «الثوار» على الحفاظ على اندفاعهم ووحدة جهودهم خلال التصدي للهجمات المضادة التي يشنّها النظام. إضافةً إلى قدرة النظام على تفادي خسارة المزيد من المواقع المهمة، ونقل التعزيزات إلى المنطقة، والنجاح في هجماته المضادة.
نجح الجيش السوري في قلب الموازين في معركة الشمال، إذ احتوى الهجوم وشنَّ هجوماً مضاداً لاستعادة مدينة جسر الشغور والدخول إلى مشفاها الوطني الذي تحوّل إلى رمز ذي تأثير حاسم في معركة المدينة، وهذا ما يفسّر استماتة العصابات المسلحة في الدخول إليه، من دون جدوى حتى اللحظة.
وبالتوازي مع ما سبق، وكنتيجة من نتائجه، لوحظ في الصحافة الأميركية الصادرة هذا الأسبوع تشكيك واسع النطاق في جدوى الرهان على التقدّم الميداني الأخير للدفع بسيناريو تغيير الاستراتيجية الأميركية في سورية، وقد تجلّى هذا التشكيك بجملة أمور أهمها:
ـ عدم وجود شريك موثوق وقويّ على الأرض السورية الأمر الذي «يفرض قيوداً على قدرة الولايات المتحدة على جمع المعلومات الاستخبارية على الأرض» بحسب صحيفة «لوس آنجلس تايمز».
ـ الخلافات حول الاستراتيجية الأميركية في سورية بين الدول الأربع المكلّفة بمهمة تدريب العصابات الإرهابية في سورية، وبين الولايات المتحدة، ففي الوقت الذي ترى فيه الإدارة الأميركية أن الأولوية لمحاربة «داعش»، ترى تركيا والسعودية وقطر والأردن أن الأولوية لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد. لذلك، بدأت هذه الدول، بحسب «لوس آنجلس تايمز»، «بتسليح جيش الفتح الذي يتألف من جماعات تتبع تنظيم القاعدة».
ـ السرعة التي تطبع برنامج تدريب «معتدلي» واشنطن في سورية، والتي وفقاً للرقيبة شيريل وري المتحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية «ستؤدي إلى نتائج عكسية».
ـ عقد البديل في سورية، وإمكانية أن تأتي إلى الحكم «قوات جهادية من داعش والقاعدة كما حصل في شرق سورية» وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية.
ـ قوة الدولة السورية وقدرتها على شن عمليات عسكرية مركزة وناجعة على الأرض السورية. فعلى رغم الحملة الإعلامية المنسقة لهزّ معنويات الشارع المؤيد للدولة السورية، إلا أنه من الواضح أن النخب الأميركية تدرك أن «نظام الأسد ليس على وشك الانهيار» الكلام هنا لـ«واشنطن بوست».
يضبط الجيش السوري والقوات الرديفة الاستقرار على جبهات متعددة في سورية، فيما يحاول في جبهات أخرى كسر خطوط التماس مع الميليشيات المسلحة، جملة أمور تساهم بشكل تلقائي في قطع الطريق على أيّ سيناريو بديل لتطوير العدوان على سورية في المدى المنظور.
كاتب ومترجم سوري