«داعش» إلى يمين القاعدة
عامر نعيم الياس
الخلافات بين المتطرّفين الإسلاميين في سورية ليست الأخيرة على مذبح الفخ السوري، فبعد تعدّد «البيعات» ومعركة حصر التمثيل واستلام زمام الوكالة الحصرية للعمل الجهادي في سورية، ومع اندلاع ما أسمته «ليبيراسيون» الفرنسية «الحرب بين القاعدة والقاعدة» خرج أبو محمد العدناني زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام عن صمته واضعاً حداً لعلاقة جماعته مع تنظيم القاعدة الذي يقوده أيمن الظواهري، مشيراً إلى أن «الحل الوحيد لحقن دماء المجاهدين وإنهاء الانقسام في صفوف الجهاد العالمي لا يكون إلا بالاتفاق على اختيار خليفة». فالظواهري «جعل نفسه أضحوكة بيد صبيٍّ غادر زعيم النصرة أبو محمد الجولاني وضيّع هيبته وتاريخه». وبحسب العدناني فإن القاعدة وبعد أن «بدّلت منهجها على يد أيمن الظواهري لم تعد أهلاً لقيادة الجهاد العالمي، خصوصاً أنها تهادن الشيعة في إيران والطواغيت في السعودية، وتنخرط في ممارسات الكفر كالانتخابات والديمقراطية، وبالتالي فإن الدولة هي القاعدة التي حافظت على نهج أسامة بن لادن وهي المؤهلة لمهمة القيادة».
من الواضح أننا في سورية وانطلاقاً منها، في ضوء «فشل إدارة أوباما في تعزيز طريق ثالث في البلاد غير نظام بشار الأسد والإسلاميين المتطرفين» بحسب «لو فيغارو» الفرنسية، من الواضح أننا في مواجهة المشهد «الجهادي» التالي:
ـ خروج إسلام الثمانينات الذي صيغ في أفغانستان أميركياً لمواجهة الاتحاد السوفياتي حينذاك، خروج هذا الإسلام أكثر فأكثر عن نطاق السيطرة في منطقة حيوية وأساسية لنفوذ الولايات المتحدة الأميركية، فالصراع القائم اليوم على الأرض السورية وفشل الظواهري في إيجاد حل لما يجري من خلافات بين مريديه، يظهر تنظيم القاعدة بمظهر العاجز عن التأثير في توجيه الاستراتيجيات العامة للإرهاب الجهادي، وبالتالي يساهم هذا بشكل مباشر في فقدان القاعدة رمزيتها الكونية التي وصلت إلى القمة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول.
ـ إن فقدان القاعدة رمزيتها من شأنه رفع منسوب الخطر الإرهابي على الغرب ومصالحه في أكثر من بقعة من العالم، في ضوء عدم القدرة على اختراق كافة القيادات المؤثرة في التنظيمات التي باتت من جهة تتكاثر كالفطر في كافة أنحاء العالم، ومن جهة أخرى باتت في سباق محموم على التطرف والذبح حتى النهاية من أجل اجتذاب قاعدة شعبية انتحارية معادية بالمطلق للغرب وكل ما عداها من طوائف على وجه المعمورة، وهنا نلحظ بشكل واضح أن العدناني زعيم «داعش»، اتهم الظواهري بالتواطؤ الضمني مع إيران، وهو أمر كفتيل صاعق التفجير بالنسبة إلى القنابل البشرية الموقوتة التي تشكل السلاح النوعي الأهم بيد التنظيمات الإرهابية المتطرّفة.
ـ وقع الغرب في الفخ الذي نصبه في سورية التي تضغط الآن باتجاهين: الأول، تصدير الأزمة إلى دول الجوار وهنا تحديداً يبرز الإعلان السعودي قبل أيام عن إلقاء القبض على شبكة جهادية إرهابية كانت تحضّر لعمليات اغتيال داخل أراضي المملكة الوهابية، كما يبرز التحرك الأردني العسكري في المنطقة الحدودية مع سورية والإعلان عن عدد من الاستهدافات المباشرة لمركبات تحاول عبور الحدود الأردنية السورية. أما الثاني، فيكمن في عودة الجهاديين إلى الغرب وتحديداً أوروبا، وهنا وفي هذه النقطة تحديداً، كانت وزيرة الداخلية البلجيكية واضحةً في توصيف هذا الخطر حين اعترفت للمرة الأولى بأن «القاعدة باتت على أبواب أوروبا».
ـ الأزمة السورية والداخل السوري سيشهدان في الفترة المقبلة ارتفاعاً في منسوب التدمير جراء الحرب الطاحنة بين أخوة مذهب الجهاد القاتل سواء في شمال وشرق البلاد وحتى في جنوبها، صراع لا يقتصر على حرب «النصرة والكتائب الإسلامية المقاتلة» و«جهاديي داعش» كما يحلو للغرب تسميتها كي لا يقترب من توصيف الإرهاب، بل ستتعداها، إن لم تكن تعدتها، إلى حرب شاملة بين كافة التنظيمات سابقة الذكر بحسب رقعة الانتشار ورجحان عوامل قتال أحد ما على عوامل العداء والتكفير التي تحكم أداء التنظيمات الإسلامية المتواجدة على الأراضي السورية من الإخوان والجبهة الثورية، مروراً بالقاعدة ممثلة بالنصرة والجبهة الإسلامية، وليس انتهاءً بالدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش» التي «لم تكن يوماً فرعاً من القاعدة» بحسب العدناني.
«داعش» إلى يمين القاعدة في سورية والعراق، والانقسام حول الخليفة الذي رأى العدناني أنه الحل، ليس سوى إشارة البدء لصراع ولاءات وأجنحة بين «قاعدتين»، صراع حول الخلافة سيؤدي إلى بحر من الدماء، ويكفي العودة إلى تاريخنا لرسم ملامح الصورة المقبلة.
كاتب سوري