همزة وصل بوتين القومي
نظام مارديني
كان للاستعراض العسكري في عيد النصر على النازية، الذي شهدته الساحة الحمراء في العاصمة الروسية، مذاق خاص هذا العام. أعاد من جديد الحديث عن الرئيس فلاديمير بوتين ودوره في استنهاض الروح القومية عند الشعب الروسي عبر استحضار التاريخ والجغرافيا.
الطبيعة السوريالية الخيالية لهذا الاستعراض تعكس الطبيعة المتزايدة القوة التي تتسم بها روسيا اليوم، وقد أراد بوتين من هذا الاستعراض الإشارة إلى أن الغرب اليوم لا يختلف عن ألمان الأمس الذين غزوا روسيا عام 1941، وهو يعيدنا هنا إلى إعلان جوزيف ستالين في بداية الحرب العالمية الثانية عن أن «العدو يهدف إلى تدمير الطبيعة الثقافية لروسيا، وفرض الطابع الألماني على شعبها، وتحويلهم إلى عبيد».
وبوتين هنا يرى نفسه القيصر الجديد الذي من ضمن مهامه إعادة الروح القومية إلى الشعب الروسي. وقد أشار إلى ذلك كتاب الفيلسوف ميشل التشانينوف الصادر مؤخراً تحت عنوان «في رأس فلاديمير بوتين»، الذي يتميز بنظرة خاصة إلى سيد الكرملين، من منظور قومي، يراعي الدوافع الوطنية الداعمة لطرحه لدى قطاعات واسعة من النسيج الشعبي الروسي.
وفي ضوء هذا التوجه فاجأ بوتين، في مناسبة حلول عام 2014، أعضاء الحكومة الروسية وكبار الموظفين وحكام الأقاليم، بهدية «استثنائية» بالعام الجديد. كانت الهدية مجموعة من كتب الفلسفة تضمّ أعمال المفكرين الروس في القرن التاسع عشر والقرن العشرين.
ويشرح التشانينوف أن استخدام بوتين مرجعيات المفكرين والفلاسفة الروس القدامى الكبار يندرج في البحث عن «نقاط استناد إيديولوجية» ولذلك بعدٌ ذو دلالات وطنية. هكذا اختار أن تكون «نقاط استناده» من الفلاسفة والمفكرين الروس في القرنين التاسع عشر والعشرين. وبهذا المعنى يريد بوتين أن يظهر في شخصيّة من يكتب «تاريخاً وطنياً» روسيّاً جديداً.
وعبر الرجوع إلى أفكار المفكرين والفلاسفة الروس الكبار، يتم التعبير «ضمناً» عن إرادة إيجاد «نموذج/ موديل ــ روسي»، وبحيث يكون في الوقت نفسه تعبيراً «حضارياً» له خصوصياته.
ويشير المؤلف إلى أن بوتين رسّخ في «رأسه» فكرة تقول بـ«التعارض العميق بين روسيا وأوروبا الغربية»، وهو يجد مرجعيته الفكرية من أجل ذلك لدى «نيكولاي دانيليفسكي» الذي عاش في القرن التاسع عشر.
ويشرح أن الخطّة التي يبنيها بوتين «في رأسه» من أجل «الوقوف بوجه الغرب»، هي العمل على بناء «مجال أوروبي ــ آسيوي» يُعبّر عنه بـ«أوراسيا»، وتكون بمنزلة «الرئة» التي يتنفّس منها المجال المعني.
هكذا يريد بوتين إعادة الروح لدى شعبه من خلال وصل روسيا بماضيها القومي الممتد إلى العهد القيصري، وهذا ما أدى إلى اصطدامه مع الغرب.