مفارقة عجيبة… يحتضِرون في سورية ويحضّرون «لما بعد الأسد!»

هشام الهبيشان

تزامناً مع حديث بعض الشركاء في الحرب على سورية عن التحضير «إعلامياً» لمرحلة ما بعد النظام السوري، والسبب الذي دفعهم إلى ذلك، كما يتحدثون عن نشوة نصر المجاميع الراديكالية العابرة للقارات في جسر الشغور وإدلب «مرحلياً»، ردّ الجيش العربي السوري كان سريعاً على كلّ هذه الأحاديث، فالجيش العربي السوري يستكمل اليوم حسم جملة معارك في محيط بلدة جسر الشغور انتقالاً إلى حسم جملة معارك بمحيط العاصمة دمشق بريفيها الشرقي والغربي وبمناطق واسعة من جرود القلمون لتأمين دمشق وحمص وحماه من جهة الشرق والغرب والجنوب تزامناً مع المعارك الكبرى التي يخوضها الجيش العربي السوري وبحرفية بالجنوب السوري، كما يتم بهذه المرحلة الإطباق على باقي حصون المسلحين بريفي حماة وحمص بشمال وشرق أرياف المدينتين وبعمليات نوعية وخاطفة، أما في حلب فالجيش السوري يستكمل اليوم مخطط عملياته من جديد للإطباق على بعض الأحياء بالمدينة التي يتحصن بها المسلحون الرديكاليون، وبالريف الحلبي هناك أيضاً تقدم ملحوظ للجيش السوري بريفي حلب الشمالي والشرقي، وبريف اللاذقية الشمالي هناك عمليات نوعية وخاطفة للجيش العربي السوري، وهذا الأمر ينطبق كذلك على التصدي للمجاميع الرديكالية والتقدم للجيش بمدينتي الحسكة ودير الزور.

اليوم ما يهمنا بكل هذا هو واقع سورية المعاش بهذه المرحلة، وبعيداً عن حروب الإعلام وكلام المتآمرين وشركاء الحرب على سورية ومع مرور أربع أعوام على حرب أميركا وحلفائها على سورية يتضح في أحيان كثيرة أن الأحداث والمواقف المتلاحقة للمتابع لأحداث الحرب «المفروضة» على الدولة السورية، بأن الدولة السورية استطاعت أن تستوعب وتتكيّف طيلة أربع أعوام مضت مع موجات أكثر صعوبة من الموجة التي نعيشها اليوم، فقد كانت الموجات السابقة متعددة الوجوه والأشكال والفصول «عسكرية اقتصادية اجتماعية – ثقافية إعلامية – دموية»، ومجموع هذه الأنماط هزم وكسر على أبواب الصخرة الدمشقية والسورية الصامدة.

وهنا يجب عدم إنكار أن الحرب على سورية التي كانت رأس الحربة لها الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها بالمنطقة «إسرائيل» الصهيونية وفرنسا وبريطانيا وشركاؤها من الأتراك وبعض القوى الصغيرة والأدوات الأخرى بالمنطقة، قد ساهمت بشكل كبير بمرحلة ما في إضعاف الدولة السورية، وقد كادت كثافة الضغط على الدولة السورية أن تؤدي إلى إسقاط الدولة السورية ككل بحالة الفوضى، لولا حكمة العقلاء الوطنيين من الشعب السوري بغض النظر عن مواقفهم السياسية، وقوة وتماسك الجيش العقائدي العربي السوري، وقوة ومتانة التحالفات الإقليمية والدولية للدولة السورية مع «روسيا – إيران»، فهذه العوامل بمجموعها ساهمت «مرحلياً» في صد أجندة وموجات هذه الحرب الهادفة إلى إغراق كل الجغرافيا السورية بحالة الفوضى.

وكما أنه لا يمكن إنكار دور وحجم الهجمة الأخيرة على سورية بالتأثير في مجمل الوضع العام للمعادلة الداخلية السورية، وهنا لا يمكن كذلك إنكار حجم ودور الرد السوري العسكري والإعلامي السريع وبحرفية على هذه الهجمة للتخفيف من آثارها في المعادلة الداخلية السورية، فتسارع هذه الأحداث وتعدد جبهات القتال على الأرض والانتصارات المتلاحقة للجيش العربي السوري بمحيط دمشق وما يصاحبها من هزائم وانكسارات وتهاوي بعض قلاع المسلحين «المعارضين بحسب التصنيف الأميركي»، سيزيد بشكل واسع من ثقة المواطن السوري بدولته ونظامه وجيشه.

كما أنه في هذه المرحلة تحديداً لا يمكن إنكار حقيقة أن حرب أميركا وحلفائها على سورية ما زالت مستمرة، ولكن مع كل ساعة تمضي من عمر هذه الحرب فإن أميركا وحلفاءها يخسرون أكثر مما تخسر سورية بهذه الحرب، والأميركيون يدركون هذا ويعرفون أن هزيمتهم في سورية سيكون لها مجموعة تداعيات مستقبلاً، فاليوم أميركا مجبرة على استمرار حربها على سورية إلى أمد معين ولكن لن يطول هذا الأمد، فهي اليوم بين خيارين لا ثالث لهما، إما الحرب العسكرية المباشرة بسورية، أو الاستدارة بموقفها بشكل كامل للتفاوض العلني مع الدولة السورية، وبالخيارين كليهما أميركا خاسرة، وهذا ما يؤكد أن الصمود السوري على مدى أربع أعوام قد وضع أميركا بأزمة حقيقية وحالة غير مسبوقة من الإرباك بالسياسة الخارجية للإدارة الأميركية، وهي أزمة ستكون لها تداعيات مستقبلية وستطيح بكل المشاريع الصهيو – أميركية الساعية إلى تجزئة المنطقة ليقام على أنقاضها مشروع دولة «إسرائيل» اليهودية التي تتحكم وتدير مجموعة من الكانتونات الطائفية والعرقية والدينية التي ستحيط بها بحسب المشروع الأميركي.

ختاماً، إن صمود سورية اليوم عسكرياً، ودعم حلفاء سورية لها اقتصادياً بعشرات المليارات من الدولارات التي بدأت بالتدفق أخيراً إلى سورية، وتوسع الجيش العربي السوري بعملياته لتحرير الأرض مدعوماً ومسنوداً من قاعدة شعبية تمثل أكثرية الشعب السوري، هذه العوامل بمجموعها ستكون هي الضربة الأولى لإسقاط أهداف ورهانات الشركاء بالهجمة الأخيرة على سورية، وبحسب كلّ المؤشرات والمعطيات التي أمامنا فاليوم ليس أمام الأميركين وحلفائهم ومهما طالت معركتهم وحربهم على سورية إلا الإقرار بحقيقة الأمر الواقع، وهي فشل وهزيمة حربهم على سورية، والمطلوب منهم اليوم هو الاستعداد والتحضير لتحمل كل تداعيات هذه الهزيمة وتأثيرات هذا الفشل عليهم مستقبلاً.

كاتب وناشط سياسي – الأردن

hesham.awamleh yahoo.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى