حمودة لـ«العالم»: إحساس الغرب بالفشل يتراكم
قال عضو المعهد الملكي البريطاني في الشؤون الدولية عبد الله حمودة: «إن موقف الغرب في التعامل مع الاتجاهات الانفصالية التي تظهر اليوم في أوكرانيا ينطلق من إحساسه بالفشل، فالغرب حاول منذ البداية التقدّم شرقاً ومحاصرة روسيا من تحت «بطن الدب» كما يقال، وذلك من خلال محاولة إدخال أكبر عدد من الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي إلى حلف الأطلسي، وعندما لم يتحقّق له ذلك حاول مرة أخرى استعمال القوة الناعمة، ولكن في عهد الرئيس بوتين تجددت الحميّة الروسية وبدأ رفض مثل هذه التوجّهات».
وقال: «جميعنا يذكر ما جرى في جورجيا عام 2008 وما نراه اليوم هو تكرار لنفس السيناريو، ولكن بصورة مختلفة وذلك من خلال محاولة ربط أوكرانيا بالاتحاد الأوروبي اقتصادياً، ولكن موقف روسيا كان شديد الحزم، ولم يكن هناك أي تقدير من قبل الغرب لاحتمالات تفاقم المشكلة إلى هذا الحدّ، ولا أي تقدير لقوة روسيا في الرد وتفادي العقوبات»، مشيراً إلى أن «ما يراه الغرب الآن هو أنه على الأقل نجح في خلق حالة عدم استقرار على الحدود الجنوبية لروسيا يمكن أن تُشغلها إقليمياً عن المشاركة في سياسات ذات طبيعة دولية مثل الموقف من الأزمة في سورية أو الانفتاح الجديد على مصر أو الموقف الداعم للقضية الإيرانية في شأن الملف النووي».
وأكد أن «الإحساس بالفشل لدى الغرب يتراكم بشكل تدريجي ولكن هناك إحساساً آخر بأن الرئيس الروسي يتحرك بطريقة محسوبة ويحقّق تقدماً، فهو لا يقدّم دعماً في الداخل الأوكراني في شكل يمثل استفزازاً كبيراً، ولكن هو يتدرّج في إطار حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، وينشط لاحتواء عدم الاستقرار على حدود روسيا وتكوين جبهة داخلية مؤيدة لروسيا نفسها».
وأضاف حمودة: «إن ما أرادته أوروبا في أوكرانيا هو مصلحة اقتصادية تقود إلى مصالح سياسية وربما علاقات عسكرية بالمستقبل، لكنها فشلت حتى الآن، فالقضية الأساسية الآن هي محاولة خلق زعزعة في الجوار الروسي يفرض على موسكو أن تنسحب من مناطق بعيدة تمارس فيها سياسات إيجابية وتصبح دولة متقوقعة على نفسها، وإن ما جرى في ممارسة السياسة الغربية هو عملية تراكمية بدأت منذ الاتفاق على ضمان استقلال أوكرانيا عندما تخلّت على سلاحها النووي، وشعر الغرب بأنه من خلال مشاركته في هذه الاتفاقية يمكن أن يكون له قول في شؤون أوكرانية أخرى، ولكن من وجهة النظر الروسية ما حدث كان تجاوزاً ومحاولة لزعزعة الأوضاع داخل روسيا».
وأشار إلى أن «الحكومة الموقتة في كييف ترى الموقف من منظور غربي ولا تفكر بالمصلحة القومية العليا لأوكرانيا، ولا تحاول لمّ الشمل، مما فرض على الروس في شرق أوكرانيا التصويت بهذه الغالبية الكبيرة لتقرير مصيرهم».
وأكد أن الانفصال ليس قضية حتمية، فهناك خيارات عدة في ما إذا أبدت كييف مرونة في التعامل مع مواطنيها فيمكن التوصّل إلى اتفاق يحفظ وحدة أوكرانيا ويحقق اتفاقاً مع موسكو ولكنه سيقلّل الوجود الغربي في كييف.
وختم حمودة حديثه قائلاً: «لا أعتقد أن أوروبا تتبع أميركا في شكل أعمى، فأوروبا تراعي مصالحها الخاصة، وهناك نسبة كبيرة تزيد على النصف أحياناً من احتياجات الطاقة الأوروبية تأتي من روسيا، وهناك تعاملات مالية وعلاقات اقتصادية خارج الإطار النفطي مهمة جداً، إضافة إلى أن أوروبا تشعر بأنها قريبة من الجوار الروسي ويمكن أن تتأثر بأي نزاعات من هذا النوع. فالمشكلة هي أن كتلة الدول الأوروبية الشرقية السابقة مثل بولندا التي قبلت نشر الدرع الصاروخية الأميركية التي أزعجت روسيا تتبنّى الآن موقفاً أكثر تشدّداً من ألمانيا وبريطانيا، فانقسام الموقف الغربي ربما يخفّف من اندفاع أميركا، ولكنه في الوقت نفسه يعطيها فرصة لزيادة حدّة الخطاب السياسي في محاولة للتغطية على هذا الضعف، وربما كان ذلك جزءاً من خصخصة الصراع بإرسال مرتزقة من شركة أكاديمي بلاك ووتر سابقاً وهذا كلّه يسيء إلى الموقف الغربي لأن روسيا تتحدث عن حق تقرير المصير، فهو حق من حقوق الإنسان الأساسية. والحكومة في أوكرانيا لا تبدو متبنية لوجهة النظر الوطنية في جمع الشمل، فالغرب يعاني من هزيمة ويحاول التغطية عليها».