أميركا والحلفاء هزائم بالجملة

جمال العفلق

حروب ومعارك تديرها الولايات المتحدة الأميركية، تسعى فيها إلى خلط كل الأوراق وتحويل الحوار العربي ـ العربي إلى حوار مذهبي لا يعترف بأيّ شيء أخر، فأطلق الكونغرس بالون اختبار تسليح طائفي في العراق رفض رسمياً وشعبياً، وجرّب الأميركي تغطية العدوان سياسياً على اليمن ولكن فظاعة المجازر جعلته يخفّف من لهجته ويكفّ عن الدعم العلني على الأقلّ ويسمح بنشر تقارير تتحدث عن إبادة ومجازر ومخالفات بحق الإنسانية، أما في العراق فما زال الأميركي يحاول استنهاض الطائفيين لوقف تحرير المدن العراقية وحماية «داعش» بحجة وقف التمدد الشيعي ومنع التوسع الإيراني. على رغم الادّعاء الأميركي اليومي بتنفيذ غارات جوية يدّعي أنها تستهدف مراكز لـ»داعش» ولكن لا صور ولا إثباتات على الأرض، وفي سورية حسم ما يُسمّى ائتلاف الدوحة انتصاره وادّعى من خلال حالة فرط النشاط التي أصابت رئيسه «التركي» خالد الخوجه، وإطلاقه بيانات النصر والحديث عن مناطق آمنة ومحرّرة، معتبراً أنّ السوريين سلّموا بالأمر الواقع، وأن دمشق أصبحت مدينة تابعة للعثمانيين أسياده.

كلّ هذا من خلال الإعلام المسعور الذي ما زال ينتج انتصارات وهمية ويسجل يومياً مئات «القتلى» من الجيش السوري، حتى وصل بهم الأمر إلى تسجيل «مقتل» خمسمئة جندي سوري بضربة واحدة.

وبين هذه الفوضى الإعلامية والهمجية السياسية التزم السوريون الصمت، وكان صمتهم أعلى من صوت دويّ المدافع، وبدأت معارك تطهير وتنظيف القلمون إذ حقق تحالف الجيش والمقاومة تقدماً سريعاً، ووجدا ما ودّاه من أسلحة فرنسية وأميركية متطورة تركها خلفهم المرتزقة الذين استطاعوا الفرار واكتفى داعمو «النصرة» بالسكوت وعدم الحديث عما يحدث في القلمون، إلا صوت ضعيف أطلقه ما يسمى ائتلاف الدوحة يتباكى فيه ويطالب بوقف القصف حفاظاً على أرواح الأبرياء من «النصرة» و»جيش الإسلام» وآخرين، في وقت تحركت القوات السورية باتجاه جسر الشغور، وأخذت مواقع جديدة تضمن سلامة الجنود وتحقق أهدافها من دون اندفاع أو تهوّر. وعلى رغم ارتفاع أصوات الأتراك وإعلامهم، إلا أنهم عجزوا حتى اللحظة عن الاقتراب من مستشفى جسر الشغور الذي يذكرنا بسجن حلب المركزي وأسطورة القتال التي توّجت بالنصر السوري وسحق المهاجمين.

تزامن هذا مع تحركات الثوار في اليمن وإسقاطهم طائرة سعودية وأخرى مغربية مشاركة في العدوان، وتوسعهم على الأرض وملاحقة فلول «القاعدة» التي يدعمها تحالف العدوان على اليمن، وإعلان إيراني عن إرسال أطنان من المساعدات من دون أخذ الأذن من التحالف المحاصر للموانئ اليمنية، باعتبار أنّ المهزوم لا يؤخذ إذنه ولا يطلب منه تصريح، وبهذا فسّر الإعلان الإيراني عن الشحنة.

هذا الإرباك الميداني احتاج إلى رفع معنويات فأعلن الأردن الرسمي بداية تدريب ما قال عنهم قبائل سورية لمحاربة تنظيم «داعش» هذا الإعلان الذي لا يعتبر بالشيء المفاجئ لأنّ الأردن الرسمي شريك في سفك الدم السوري منذ بداية الحرب، ولكن هذا الإعلان بهذا التوقيت هو لرفع معنويات المهزمين ووعدهم بالمدد المقبل عبر الجنوب.

ونتائج المعارك ستغير من جدول أعمال المجتمعين مع الرئيس الأميركي في منتجع كامب ديفيد سيّئ الذكر عند الشعوب العربية وما أنتجه من اتفاقات إذلال للأمة العربية منذ السادات وحتى اليوم. فحقيقة الأمر أنّ الاجتماع سيطغى عليه بحث عقود التسليح ومنظومة الصواريخ الدفاعية وإعطاء هامش جديد من الأميركي للحلفاء لإتمام عمليات الإبادة قبل التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران، الذي جعلته أميركا بيضة القبان الاقتصادية في فرض مبيعاتها العسكرية وتسويق منتجاتها بعقود آجلة ستضخّ في الخزينة الأميركية مليارات الدولارات حتى سنوات مقبلة، ولكنه لن يمنع الاتفاق ولن يلغيه، وهذا في حدّ ذاته هزيمة دبلوماسية وسياسية لحلفاء أميركا الذين يتجاهلون أنّ سياستها مبنية على أمرين لا ثالث لهما، حماية أمن «إسرائيل» والسير خلف مصالح أميركا فقط من دون النظر إلى الأضرار التي قد تقع على الحلفاء.

لهذا اشتدّت عزيمة شهود المحكمة الدولية الخاصة بقضية الرئيس الراحل رفيق الحريري، وغرقوا بما غرقوا فيه واشتدّت أصوات الإعلام الطائفي وتحوّلت البرامج الحوارية إلى منتدى شحن طائفي مريض لا يمتّ إلى القضايا العربية بصلة.

والأيام المقبلة ستكشف أكثر الهزائم الأميركية على أرض الواقع، إلا إذا اعتبر حلفاء أميركا أن حالة اللا استقرار والفوضى التي تعيشها المنطقة هي نصرهم المنشود، وما عدا ذلك فلا تقدّم يذكر لا سياسياً ولا ميدانياً وأكثر من ذلك فإن شعوب المنطقة أو المحسوبين على هذه التيارات اللا وطنية تشعر اليوم بخيبة أمل كبيرة وتملّ خطابهم الأجوف القائم على صنع الحدث إخبارياً لا واقعياً.

فالهدنة المعلنة في اليمن محاولة لملمة للهزائم لا أكثر، وجيوش المرتزقة التي ضخمها الإعلام في القلمون انهزمت وأصبحت شتاتاً يبحث عن كهوف يختبئ بها وتركيا لم تستطع إنهاء وضع الشمال السوري كما تحب وكما أعلنت مراراً وتكراراً على لسان عاملها خالد الخوجه. حتى السفير الأميركي فورد صرّح بضرورة القبول بالتسوية كما يريد محور المقاومة المتحكم بخيوط اللعبة والمسيطر عملياً على الأرض.

إنه صيف ساخن عسكرياً ولكنه طريق المقاومة نحو النصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى