ماذا يفعل الحريري في موسكو وهل دقت ساعة المشنوق؟

روزانا رمّال

مؤشران يدفعان المعنيين بكيفية التعامل السعودي والأميركي مع تيار المستقبل إلى التساؤل عمّا إذا كانت ساعة التغيير في قيادة التيار الذي غطى مساحة تمثيل واحدة من الطوائف الثلاثة الكبرى في لبنان لعقدين متتاليين ويطوي سنة ثالثة من العقد الثالث.

الواضح أنّ زمن التغييرات السعودية يتسارع على إيقاع ضغوط أميركية تنطلق من قناعتين متزامنتين عبّر عنهما كلّ من الرئيس باراك أوباما ونائبه جو بايدن، حيث اعتبر الأول أنّ السخط الشعبي في دول الخليج عائد إلى احتكار السلطة والثروة من قبل العائلة الحاكمة، في حين رأى الثاني أنّ سببه الرهان على الفكر المتطرف وتصدير الإرهاب. وفي رحم هاتين المعادلتين، كيفية فكفكة المنظومة الثقافية لدول الخليج وعلى رأسها السعودية التي يتغذى منها الإرهاب، وخصوصاً فكر التكفير والتطرف، وما تمثله الوهّابية، على هذا الصعيد، وكيفية إعادة صياغة آليات توزيع المال والسلطة بصيغ دستورية تسمح بمشاركة نخب العشائر والتجار والطبقات الوسطى في إدارة الحكم والتنعم ببعض من عائدات الثروة.

يبدو أنّ اختيار واشنطن قد وقع على محمد بن نايف لتنفيذ هذه المهمّة، وأنّ الملك سلمان، سواء بقي أم تنحى، لن يكون أكثر من واجهة للحكم بعد هزيمة بلاده في اليمن، ويبدو أنّ نجله محمد هو ضريبة نجح في اقتطاعها لقاء تسهيل مهمّة محمد بن نايف.

أصبح النفوذ السعودي في لبنان، وفقاً للنظرة الأميركية، آخر معاقل الحضور السعودي الإقليمي، بعد هزيمة اليمن والحضور الهزيل داخل الملفين العراقي والسوري، فيما عدا الحضور السلبي الناتج عن تأثير التمويل والثقافة والوافدين من السعودية لحساب المجموعات الإرهابية.

إنّ النفوذ السعودي في لبنان يهمّ واشنطن كثيراً لاتصاله بالعمقين الأهم في المنطقة: لبنان، حيث حزب الله العمود الفقري للمقاومة التي تتحول إلى قوة إقليمية، وتيار المستقبل القوة المقابلة على الضفة الأخرى من المجتمع والحكم، وسورية، القوة التي ستجري صياغة التسوية السياسية فيها على توازنات لن يكون للجوار التركي والأردني والعراقي قدرة على التفاعل معها. ويراد للجوار اللبناني أن يوزان تفاعل حزب الله معها بوزن طائفي سياسياً، جوار لبناني يخاطب فريقاً سورياً يرى الأميركيون أنه المعارضة المعتدلة التي لا زالوا يبحثون عنها.

تراجعت زعامة آل الحريري بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من كونها ثابتة لا حياد عنها مع تكليف رئيس الحكومة تمّام سلام بتشكيل حكومته، وهو حليف من العائلات التقليدية في طائفته، ذات التاريخ في الزعامة، وهو ليس مجرد امتداد حريري، وما نقل عن السفير السعودي علي عواض عسيري بعد ذلك بأنّ نهجاً سعودياً جديداً ينطلق من أنّ زمن الرئيس رفيق الحريري غير زمن الرئيس سعد الحريري في زعامة الطائفة وآن الأوان للانفتاح على أدوار العائلات التقليدية، التي جرى تجاهلها فيما مضى.

تنقل مصادر متابعة لوضع تيار المستقبل، عن السفير الأميركي نظرة إلى وجود تيار المستقبل، كإطار مؤسساتي، ومصدر للارتياح يتيح تناوباً على القيادة في وجود الرئيس سعد الحريري كزعامة مهاجرة، واختيار الأنسب، وفقاً للمتغيرات، من بين رموز مثل الرئيس فؤاد السنيورة والرئيس تمّام سلام والوزير نهاد المشنوق.

في عهد محمد بن نايف، يقول الكثيرون أن لا مكان محفوظاً لزعامة الرئيس سعد الحريري، وأنّ العلاقة لم تتحسن ولن تتحسن بين الشخصين، وأنّ الاستقبال الحافل بالحفاوة للوزير نهاد المشنوق كان متعمّداً لإيصال رسالة مفادها أنّ المشنوق أكثر من وزير داخلية، بل هو ولي عهد أيضاً، يُستقبل تمهيداً لدور يتزامن مع مرحلة تولي بن نايف العرش والتي سيكون فيها المشنوق الرمز الأول في طائفته.

أميركياً، لقي المشنوق استقبالاً واهتماماً تخطيا حدود ما كان متوقعاً، قياساً بوزير داخلية عادي، أو بشخصية من الصف الثاني في تيار المستقبل. كانت المواعيد وبرنامج الزيارة يشبهان مواعيد وزيارات الوزير الياس المرّ الذي اعتُبر لزمن طويل أحد الرجالات الخفية للسياسات الأميركية في لبنان، والتمهيد الذي قيل أنّ المشنوق تولاه لزيارة الحريري لواشنطن يزيد الفرضية ويقويها بدلاً من أن يضعفها، فمنذ متى صارت للمشنوق علاقات وثيقة بواشنطن تتيح له تولي الترتيب والتمهيد لزيارة الحريري؟ والمفترض أنّ ملف العلاقات مع الأميركيين هو ملفه الأبرز كملف العلاقة مع السعوديين.

أن يصبح للمشنوق رصيد سعودي بارز وآخر أميركي وازن، أمر يشغل بال الحريري وهو يبتسم أمام من يلفت نظره إلى أنّ المياه تجري تحت قدميه مستهزئاً، وهو من الداخل يعيش التوتر والغليان، ويسعى إلى تفادي قدوم اللحظة الصعبة فيطلب منه التنحي الذي طلب من الملك سلمان، لحساب ولي عهده، ولا يجد الحريري من يستعين به من حسّاد المشنوق في التيار لمساندته، فلا فؤاد السنيورة ولا أشرف ريفي يفيدان، لذلك يتجه إلى موسكو وباريس محاولاً إقفال بابيهما في وجه المشنوق.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى