لؤي حسين: عندما تصبح الوطنية صفة للتمييز
عامر نعيم الياس
«المعارضة الوطنية في الداخل»، بهذه العبارة اختصر كل من يقود نشاطاً معارضاً للدولة السورية داخل البلاد حتى من استقبلوا السفراء الأميركي والبريطاني والفرنسي في مكاتبهم وسط العاصمة دمشق عند اندلاع عاصفة تدمير سورية في آذار من عام 2011. علينا التمييز بين معارضة داخلية وأخرى خارجية، وارتأى على هذا الأساس بعض القائمين على تسيير الشؤون الإعلامية أو السياسة قبل الإعلامية التمييز عبر استخدام النعت المفضّل «الوطنية» فالفرق بين الطرفين الوطنية القائمة على رفض التدخل الخارجي في سورية، أما باقي المواقف والخلفيات لا تعدو كونها تفصيلات صغيرة لا يجوز التوقف عندها.
المطلوب احتواء هذه المعارضة وإفساح المجال لها إعلامياً، وعليه تم طرد فريق «الإخبارية السورية» والفضائية وقناة «الدنيا» من اجتماع للمعارضة في فندق «سميراميس» وسط دمشق عام 2011، واتهمهم منذر خدام بالعمالة في الوقت الذي ألقى هو ولؤي حسين وحسن عبد العظيم خطباً عصماء حول الرأي والرأي الآخر، وسورية التعددية الديمقراطية المتاحة لكافة أبنائها وطوائفها، ما عدا «الشبيحة» الذين يعدّون بالملايين وفقاً للإحصاؤات الأولى والأخيرة، فالعدد لم يتراجع بالنسبة إلى المكون «التشبيحي» الذي اختار البقاء في البلد ولم يحمل السلاح، واختار انتقاد كلّ من حطم تمثالاً لشاعر هنا وفيلسوف هناك أو مقاماً أو كنيسة، وابتسم ساخراً من مؤتمر للديمقراطية حول سورية من الدوحة والرياض.
على رغم كل ذلك، وعلى رغم وصف أيمن عبد النور الذي كان يدور في أحياء دمشق متبجّحاً بكونه «وزيراً» مستقبلياً، وصفه لرجال الدين المسيحيين، والكنيسة السورية بأنها في المجمّل عميلة للاستخبارات السورية. متوعداً إياها بالعقاب الوهابي إن لم تتراجع عن مواقفها، أصرّ الإعلام السوري الرسمي على نعت الوطنية الخاص بمعارضة الداخل، متناسياً في لقاء أجراه هاتفياً مع ما يسمى «رئيس تيار بناء الدولة» لؤي حسين تعليقاً على مجزرة جسر الشغور الأولى في عام 2011 بحق مفرزة الأمن العسكري التي راح ضحيتها 120 من خيرة رجال سورية، استخفاف هذا السياسي المزعوم بأرواح سوريين مواطنين، وبالمشاهدين وبالوسيلة الإعلامية التي أجرت معه اللقاء عندما قال حرفياً «ليس لدي معلومات عن الطرف الذي ارتكب جريمة جسر الشغور ربما تكون إسرائيل».
هذا المعارض «الوطني» الذي هرب كـ«المخنّثين» من داخل سورية تبنّى أول من أمس وجهة نظر الائتلاف القطري ـ التركي. ووقف إلى جانب التركي خالد الخوجة رئيس الائتلاف، رافضاً الحوار مع الدولة السورية واصفاً إياها «بالميليشيا»، متوعداً بإنشاء «جيش وطني»، ومطالباً بضرورة إقامة مناطق «آمنة» داخل سورية بحماية أنقرة وتحالف دولي.
لؤي حسين الذي اتضح أن تيار بناء دولته يتألف من 40 عضواً «عقائدياً» فقط أقاموا الدنيا ولم يقعدوها عندما كان رئيسهم قيد التحقيق بتهمة اتضح فعلاً أنها لا تساوي قيمة الحبر الذي كتبت به في جريدة «الحياة»، تُركوا وحيدين استغربوا من ميول مرشدهم ونائبته منى غانم، لكن لم يتحركوا عندما ابتسم هذا الرئيس ساخراً من أرواح شهداء مفرزة جسر الشغور في 5/6/2011، ولم يروا كما الدولة أي ضيرٍ من اللقاء مع السفير الأميركي والفرنسي والبريطاني، فهم معارضون وطنيون ينتمون للمعارضة الوطنية، وما قام به لؤي حسين فعل فردي، ربما ناتجٌ عن ظروف الاعتقال الصعبة التي عاشها قبيل مغاردته دمشق إلى مدريد برعاية الاستخبارات التركية عن طريق الصدفة البحتة.
ظهر لؤي حسين الذي لا يملك في سورية سوى أربعين مناصراً اضطروا للانشقاق عنه ربما بحسن نيّة أو لحسابات سياسية خاصة، ظهر صاحب دار النشر بهيئة قائد عسكري يريد الانضمام إلى الائتلاف وضمّ فرقته العسكرية الخاصة إلى «الجيش الوطني»، هو انتقل إلى العسكرة بعد «نعيق» امتد أربع سنوات من الرفض العلني لها، انتقل إلى التحالف مع الائتلاف الذي انتقده أكثر من مرة لارتباطاته الخارجية، وإذ به ينتظر قبول الخارج له ليصير حليف الائتلاف والخوجة.
ما العمل اليوم، هل أصبح حسين معارضاً غير وطني؟ هل سيتم إخراج ملفات تتعلق بعمالته من الأدراج تمهيداً لقصفه إعلامياً؟
لا ينفع كلُّ ما سبق، إن نزع صفة الوطنية لا يتم ببساطة إطلاقها للتمييز بين طرفين، فالوطنية ليست صفة، هي حالة ثابتة تتعلق بالهوية والانتماء والثقافة والتربية، وأيّ محاولة للهجوم على لؤي حسين اليوم لا تعدو كونها تعويضاً عن فشل في التعامل مع أشخاص اعتُبِرَت خيانتهم وجهة نظر.
كاتب ومترجم سوري