الحسم في القلمون وجسر الشغور … والمشهدية المرتقبة
معن حمية
تنبئ تطورات الميدان في منطقة القلمون السورية وجبالها، أنّ قرار الحسم قد اتخذ، بطرد المجموعات الإرهابية المتطرفة من هذه المنطقة، في موازاة قرار مماثل بتحرير مدينتي جسر الشغور وإدلب شمال سورية.
العارفون بجغرافية منطقة القلمون وأهميتها الاستراتيجية، يتوقعون معارك صعبة، لكنهم يجمعون على أنّ الحسم حاصل لا محالة، وفي موعد قريب، وقريب جداً، قد لا يتعدّى الخامس والعشرين من أيار، وأنّ لهذا الحسم تأثيراً على مسار المعركة التي تخاض ضدّ قوى الإرهاب في كلّ المناطق السورية.
كذلك، فإنّ مدينة جسر الشغور على موعد مع الحسم، والحسم هناك هو بالأهمية ذاتها، كونه يُسقط أوهام العثمانيين الجدد في إمكانية إقامة مناطق خاضعة لسيطرتهم في الشمال السوري، أو بالأحرى يسقط مخطط التقسيم الذي تسعى إليه تركيا وقوى دولية.
ويشكل التخلص من المجموعات الإرهابية المتطرفة في منطقة القلمون، تحوّلاً في مسار المعركة على كلّ المستويات، حيث ستصبح دمشق محصّنة، والأكثر أماناً بين كلّ العواصم العربية، وحتى الدولية من مخاطر التهديدات الإرهابية المؤثرة. بالتالي فإنّ انتصار القلمون هو انتصار عسكري ميداني، ومعنوي وسياسي، يفرض معادلات ووقائع جديدة من شأنها دفع القوى الشريكة في العدوان على سورية إلى إعادة حساباتها جيداً. كما أنّ أهميته المضافة، تكمن في إفشال المخطط «الإسرائيلي» لإقامة شريط أمني يبدأ من الجولان حتى القلمون وضمناً السلسلة الشرقية لجبال لبنان.
استكمال خطوات الحسم التي تحصل بوتيرة عالية في منطقة القلمون وجرودها، سيجعل دمشق مكاناً لـ«حجيج» دولي، تحت عنوان بذل الجهود من أجل الوصول إلى حلول سياسة للأزمة السورية، وهذا ليس أمراً مستبعداً، فكلّ انتصار يتحقق في الميدان تتبعه مشهدية سياسة تكرّسه وترسّخه في المشهد العام.
ما هو مؤكد، أنّ تطورات القلمون وجسر الشغور هي جزء من مشهد عام دولي، إقليمي، وعربي، لأنّ هناك ما يقارب المئة دولة متورّطة في الحرب على سورية من خلال دعم المجموعات الإرهابية المتطرفة تحت مسمى «المعارضات السورية المعتدلة»، وخروج ورقتي القلمون وجسر الشغور من أيدي دول العدوان وأدواتها الإرهابية، تترتب عليه حسابات جديدة ومقاربات قد تكون مختلفة، خصوصاً في ظلّ «النزاع» العالمي الذي تصاعد على خلفية النفوذ والمصالح وقضايا دولية عدة، من ضمنها أوكرانيا واليمن والدرع الصاروخية الأميركية وصولاً إلى ملف إيران النووي.
وما بات راسخاً وواضحاً هو أنّ صمود سورية شكل عقبة كأداء في وجه توسع النفوذ والتأثير الأميركي ـ الغربي ـ الصهيوني في المنطقة والعالم، بالتالي فإنّ كلّ نصر سوري يتحقق على الأرض السورية ضدّ قوى الإرهاب، ستظهر نتيجته جلية في المسار الانحداري للمشروع الذي تبنّته الدول المشتركة في الحرب ضدّ سورية.
وعليه، فإنّ الولايات المتحدة الأميركية لن تعدم وسيلة للتخفيف من حجم التداعيات والإخفاقات، وفي هذا السياق يأتي اللقاء الذي تستضيفه في «كامب ديفيد»، والذي يجمع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة دول الخليج وجلهم من الصف الثاني.
فاللقاء الأميركي ـ الخليجي في «كامب ديفيد» هو لطمأنة دول الخليج بأنّ توقيع الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي لن ينتج منه تخلٍ أميركي عن هذه الدول، وهو لتجديد الالتزام بأمن هذه الدول، بما يترتب على ذلك من زيادة غير مسبوقة في مبيعات أسلحة، ونشر الدرع الصاروخية. وفي هذا الالتزام تمارس واشنطن تصعيداً، لا يمكن أن يمرّ من دون تصعيد مقابل.
واللافت أن اختيار «كامب ديفيد» مكاناً للقاء بين أوباما والقادة الخليجيين، قد يحمل في طياته رسائل عدة، ففي هذا المكان قبل 35 عاماً رعت واشنطن خروج مصر من الصراع العربي ـ الصهيوني، لتبقى دمشق وحدها رأس حربة في احتضان ودعم خيار المقاومة من أجل فلسطين، ولذلك فإن السؤال المطروح هل يكون هذا اللقاء إعلاناً بخروج دول الخليج علنياً من دائرة هذا الصراع؟
خصوم واشنطن وأعداء «إسرائيل» ينظرون بقلق شديد إلى النوايا المبيّتة التي تستبطنها واشنطن من وراء اجتماع «كامب ديفيد»، بالتالي ليس مستبعداً أن يكون هناك مشهد آخر مقابل يحمل مضموناً قوياً، وليس هناك أبلغ وأقوى من أن تحتضن دمشق اجتماعاً تحضره روسيا والصين وإيران وحلفاء هذه الدول، ويكون بمثابة احتفالية كبرى بالحسم المقبل في القلمون وجسر الشغور، وفي موعد يتزامن مع احتفال قوى المقاومة بمناسبة عيد المقاومة والتحرير.
وكما هو معلوم، فإنّ الخامس والعشرين من أيار عام 2000، يشكل محطة مفصلية في التاريخ الحديث، حيث أن تراكم عمليات المقاومة ضدّ الاحتلال الصهيوني أثمر تحريراً ناجزاً لمعظم الأراضي اللبنانية، إضافة إلى المعادلة الردعية التي فرضتها المقاومة على أرض الواقع وتكرّست في عام 2006 بانتصارها على العدو الصهيوني.
بالتأكيد، الحسم في القلمون وفي جسر الشغور سيرسم مشهدية جديدة، وأنّ 25 أيار لناظره قريب.
مدير الدائرة الإعلامية في الحزب السوري القومي الاجتماعي