صباحات
رأى الصباح في الطريق حفراً كثيرة، وتوقع تأرجح عربات الخيل على أطراف الوديان، ومخاطر السقوط والترنّح للفرسان، فتابع السير على رؤوس أقدامه ليكتشف أنها نهاية الطريق، وأنّ المتبقي مجموعة منعطفات قصيرة لا تحتاج إلّا إلى قلوب هادئة ونفوس هانئة وأعصاب من جليد وأيادٍ من حديد، فالتفت نحو القافلة وقال: بينكم وبين النصر الميمون مسافة قبضة يد، فاقتحموا القلمون واحتفلوا بنصر السيد والأسد.
9/5/2015
يسير الصباح على أطراف مملكة سبأ ويضع حدود جنة عدن، ويحوط بالشمس صحراء حضرموت ويعلم أن بين قبضة شبان ضئيلي الحجم سيكتب تاريخ العمران من صنعاء، فيمسك حبيبات رملٍ من الصحراء ويحاول تغيير جغرافيا الشاطئ في عدن. كلّما رمى فيه رملاً صار حجارة براكين. حتى تعب الصباح وقال: لا بدّ أنّ حريقاً قد مضى لا تطفئ نيرانَه المياهُ ولا الرمال، أو أن حجارة البراكين كانت نبوءة بلقيس بالحريق الآتي. فيقول الصباح: جاء الحريق واستفاقت بلقيس وعاد السدّ يجمع المياه العذبة، وستعود الخضرة إلى تعز ولحّج والضالع ويافع، وها هو اليمن يقترب بلا رمال من شاطئ عدن.
10/5/2015
وقف الصباح شرق القلمون فقال: بيروت من الغرب. ووقف غرب القلمون فقال: دمشق من الشرق. ووقف شمال القلمون فقال: القدس جنوباً. ووقف جنوب القلمون فرأى حلب وقال: من هنا تشرق شمس الشرق وتكتب حضارته من جديد، ومن هنا تصان دماء اليرموك وحطّين وميسلون. وكلّها مرّت من هنا على صهوات الخيل. ومضى الصباح يقول: سلامي لفخر الدين اسألوه عن القلمون وأين تقع عنجر، قبل ان تردّدوا وراء فيروز «بيّي راح مع العسكر».
11/5/2015
يتوهّم الذين يعتقدون أنّ النصر في الحروب يصنعه المزيد القتل، لا بل العكس هو الصحيح، فغالبية الذين انتصروا في الحروب كان قتلاهم أكثر من قتلى المهزومين. وضرب الصباح المثل ببني «إسرائيل» وبني سعود مأساة العصر ومهزلته معاً… وقال الصباح: ينتظر النصر وقف القتل ليظهر كما ينتظر الصباح… صباحكم نصر.
12/5/2015
قال الصباح: رأيت الشمس تطلع من خلف قامة المقاومين ولم أشهد قمم الجبال تحجبهم، فقد صارت قاماتهم جبالاً شامخة، وصارت الشمس ضوءاً مسخّراً ليضيئ لهم الطريق. ورأيت من يقاتلونهم زواحف تخرج من الكهوف، وقد جرّدت عليها الشمس أشعتها فمسختها، وتغيّر لون سحنتها حتى صارت بمقاس مداس قدم المقاوم، وعرفت عندئذٍ أن السحلية هي أنثى «السحليّ»، وكلاهما مشتقّ من كونه وُجد لتسحله أقدام خُلقت لتصعد أعلى القمم.
13/5/2015
قال الصباح: كلّ غروب، يودّع الصباح محبّيه ويسلّم أيديهم لليل كانوا ينتظرونه ويرسمون له أحلام الراحة والتسلية والفرح. وفي كل مرّة ينتهي الليل، يعرف الصباح أنه عنوان ملاقاة المزيد من التعب والمشقة. ولو أنه يعرف أن الترف والتسلية والراحة في الليل نشأت أسبابها في نهار كان طلوع ضوئه سبباً فيها، لكنه يعود منهكاً ليودّع من ودّعهم قبل غروب مضى. فيقول: ودّعتكم مرات عدّة وقد أتممت لكم ما تشاؤون، فلماذا عليّ وداعكم مجدّداً؟ اختاروا ساعة نومكم وراحتكم كما تشاؤون.
14/5/2015
قال الصباح: مرّات كثيرة والصبح يمرّ فوق بلاد وبلاد، يكتشف كيف يأتي الحزن سبباً لفرح، وعذراً للقيام بالأمور الجميلة. فالناس عندما يحزنون أو يقلقون تجتاحهم المشاعر ويصيرون أشدّ رقة. فيتدفقون بالجميل ويخطّطون للأجمل ويجدون له الطريق في قلب حالة الرقة التي يحملهم إليها الحزن والقلق. هكذا تولد الألحان الجميلة من دون قصد. وهكذا ترسم الريشة أجمل اللوحات، وهكذا يجد العشّاق قرب سرير مريض ينقلون له نبضاً للشفاء ويتبادلون حوله ابتسامات تقول شعراً.